من اتفاقية سلام إلى شراكة أمنية مفتوحة.. رفع العلم الإسرائيلي بسيناء حلقة جديدة في مسار التطبيع المتسارع

- ‎فيتقارير

أثار ظهور العلم الإسرائيلي داخل قاعدة عسكرية أمريكية في شبه جزيرة سيناء خلال احتفال رسمي بـ"يوم المحاربين القدامى" في 11 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، موجة واسعة من الجدل والغضب، لا بسبب كونه إجراءً عرضياً في مناسبة دولية، بل لما يحمله من دلالات سياسية عميقة تتجاوز حدود البروتوكول العسكري، وتفتح مجددًا ملف التطبيع المتسارع بين نظام السيسي والكيان الصهيوني.

 

وبحسب ما بثته قناة "كان" الإسرائيلية، فقد جرى رفع العلم الإسرائيلي إلى جانب أعلام الدول المشاركة في قوة المراقبة متعددة الجنسيات داخل القاعدة، في مشهد نادر الحدوث في منطقة لا تزال – نظريًا – تخضع لترتيبات أمنية حساسة منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد.

 

مقاطع الفيديو التي نشرتها صفحة قوة المهام الأمريكية على "فيسبوك"، وأظهرت مشاركة جنود من الولايات المتحدة وإيطاليا وكولومبيا وفيجي والتشيك وكندا ودول أخرى، أكدت أن العلم الإسرائيلي لم يكن تفصيلاً عابراً، بل حضور مقصود في فضاء يفترض أنه يخضع لسيادة الدولة المصرية أمنياً ورمزياً.

 

من اتفاقية سلام إلى شراكة أمنية مفتوحة

 

تعمل القوة الدولية في سيناء منذ عام 1982 في إطار ترتيبات ما بعد الانسحاب الإسرائيلي الكامل من شبه الجزيرة، تنفيذًا لبنود معاهدة السلام الموقعة عام 1979. غير أن ما كان يُسوَّق له لعقود باعتباره "سلامًا باردًا"، تحوّل في عهد السيسي إلى دفء أمني وسياسي غير مسبوق مع الاحتلال الإسرائيلي.

 

فمن التنسيق الأمني العلني في سيناء، إلى الزيارات المتبادلة، والتعاون الاستخباراتي، وحتى صفقات الغاز، لم يعد التطبيع محصوراً في الإطار الدبلوماسي، بل بات علاقة استراتيجية شاملة تتجاوز ما نصّت عليه الاتفاقية الأصلية.

 

العلم الإسرائيلي.. رسالة سياسية لا بروتوكول احتفالي

 

رغم محاولة تبرير الواقعة باعتبارها ضمن طقوس احتفالية لقوات دولية، إلا أن السياق لا يمكن فصله عن التحولات السياسية التي يقودها نظام السيسي في علاقته مع الاحتلال. فرفع العلم داخل سيناء – التي ارتبط تحريرها في الوعي المصري بدماء آلاف الشهداء – يحمل رسالة سياسية أكثر منها عسكرية، مفادها أن إسرائيل لم تعد مجرد طرف مراقَب وفق اتفاق سلام، بل شريك حاضر في المجال الأمني الإقليمي.

 

ويرى معارضون أن هذا المشهد يعكس تحولًا تدريجيًا من اتفاق سلام مفروض إلى حالة تطبيع كامل يجري فرضها على الوعي العام بالتدرج والاعتياد، في ظل غياب أي نقاش مجتمعي حقيقي أو شفافية رسمية حول حدود هذا التقارب.

 

تطبيع بلا تفويض شعبي

 

ما يُضاعف من حدة الغضب الشعبي أن هذا المسار يتم دون تفويض شعبي أو رقابة برلمانية حقيقية، في وقت تواصل فيه إسرائيل ارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني، وتوسيع الاستيطان، وتهويد القدس، بينما يكتفي النظام المصري بدور الوسيط المتواطئ في كثير من الأحيان، وفق تعبير قوى سياسية وحقوقية.

 

كما يرى محللون أن الاستعراض الرمزي للأعلام داخل منطقة حساسة كسيناء ليس بريئًا، بل يهدف إلى تكريس صورة إسرائيل كطرف طبيعي في معادلة الأمن الإقليمي، وليس كقوة احتلال.

 

سيناء.. من أرض محررة إلى ساحة اختبار للتوازنات الدولية

 

تحوّلت سيناء في السنوات الأخيرة من ساحة سيادة وطنية مكتملة، إلى نقطة ارتكاز لتفاهمات أمنية دولية وإقليمية مفتوحة، تتداخل فيها المصالح الأمريكية والإسرائيلية تحت مظلة "مكافحة الإرهاب"، بينما يدفع أبناء سيناء الثمن الأكبر من دمائهم وتهجيرهم ومعاناتهم.

 

ويرى مراقبون أن تمدد الحضور الرمزي الإسرائيلي في سيناء يعكس تمددًا خفيًا في القرار الأمني المصري نفسه، وهو ما يثير تساؤلات خطيرة حول حدود السيادة في ظل حكم عسكري يضع بقاءه السياسي فوق أي اعتبارات وطنية.

 

واقعة بروتوكولية معزولة

حادثة رفع العلم الإسرائيلي في قاعدة أمريكية بسيناء ليست مجرد واقعة بروتوكولية معزولة، بل حلقة جديدة في سلسلة التطبيع العميق الذي يقوده نظام السيسي مع الكيان الصهيوني، على حساب الذاكرة الوطنية، والموقف التاريخي من الاحتلال، وحقوق الشعب الفلسطيني.

وفي ظل هذا المسار، لم يعد السؤال: هل هناك تطبيع؟ بل أصبح: إلى أي مدى سيذهب هذا التطبيع، وأي ثمن سيدفع المصريون مقابله؟.