الفدان بـ 125 ألف جنيه.. من وراء اشتعال أسعار إيجارات الأراضى الزراعية؟

- ‎فيتقارير

تشهد إيجارات الأراضى الزراعية فى زمن الانقلاب الدموى قفزات متتالية بصورة جعلت المزارعين الراغبين فى استئجار أراض لزراعتها والاستفادة من عائدها عاجزين عن تحقيق هذه الرغبة وبالتالى توقفوا عن العمل وفقدوا مصدر رزقهم الوحيد الذى تتعيش منه أسرهم.

حكومة الانقلاب تتحمل مسئولية ارتفاع الأسعار لأنها كانت قد قررت رفع أسعار ايجارات أراضى الاصلاح الزراعى وأراضى الأوقاف بأكثر من عشرة أضعاف القيمة الإيجارية التى كان متعارفا عليها خلال السنوات الماضية . 

 

قفزة كبيرة

 

حول هذه الأزمة قال محمد عرفة مُزارع بمحافظة الغربية، ، إنه منذ أكثر من 10 سنوات مضت اعتاد أن يستأجر مساحات تتراوح بين 25-35 فدانا سنويا لزراعتها بمحاصيل مختلفة، أبرزها القمح والبصل في موسم الشتاء، والذرة والأرز في موسم الصيف، مشيرا إلى أن الإيجارات وقتها كانت تتراوح بين 6 و8 آلاف جنيه للفدان. 

وأكد عرفة فى تصريحات صحفية أنه بداية من عام 2021 ، تغير الوضع تماماً وبشكل سريع، حيث ارتفع إيجار الفدان إلى 16 ألف جنيه في العام، وخلال الأعوام الأربعة الأخيرة، زادت الإيجارات بشكل متتال حتى وصلت في العام الحالي إلى مستويات تتراوح بين 30 و45 ألف جنيه للفدان الواحد، بحسب المنطقة والمحاصيل التي تشتهر بزراعتها. 

واشار إلى أن الطفرة في إيجارات الأراضي الزراعية ظهرت بقوة مع عام 2021، مع أول قفزة كبيرة في أسعار بيع محصول الأرز ليصل إلى 13 و14 ألف جنيه للطن مقابل 5 و6 آلاف جنيه في 2020، موضحا أن ملاك الأراضي يخيرون المزارعين بين دفع مبالغ أكبر للإيجار أو ترك الأرض. 

 

محصول الكتان

 

وقال محمد الصعيدي مزارع بمركز منيا القمح محافظة الشرقية، ، إن أغلب المساحات في المنطقة يتراوح سعر إيجار القيراط الواحد فيها بين 1350 و1550 جنيهاً في العام، وتندر المساحات التي تقل أسعار الإيجارات فيها عن هذا الحد. 

وأوضح أحمد عبدالرحيم مزارع بمحافظة القليوبية، إنه يزرع مساحة تتراوح بين 3 و4 أفدنة سنوياً، والمنطقة التي يزرع فيها تشهد تنافسية كبيرة بين المزارعين على المساحة المحدودة المتاحة للإيجار، وتشتهر بزراعة محاصيل مثل البطاطس والبصل والقمح .

وقال عبدالرحيم : ظهرت منافسة أكبر مع مزارعي محصول الكتان الذين يقدمون إيجارات تصل إلى 50 ألف جنيه للفدان سنويا. 

 

الفراولة

 

وأكد عماد مهدي رئيس شركة الفيروز للتنمية الزراعية، إن أسعار إيجارات الأراضي المناسبة لمحصول الفراولة قفزت خلال العامين الأخيرين فقط بما يتجاوز 100%، لتتراوح حاليا بين 90 و125 ألف جنيه للفدان. 

وأرجع مهدي فى تصريحات صحفية هذا الوضع إلى المنافسة الكبيرة على مساحات محدودة من الأراضي، خاصة وأن الفراولة لا تصلح زراعتها في كل المناطق، وتحتاج مجهودات أكبر مقارنة بالمحاصيل الأخرى، مشيرا إلى أن تكاليف الزراعة مرتفعة جداً، خاصة أن عائدات المحصول تعتمد بالدرجة الأولى على شحن كميات أكبر للتصدير. 

 

استثمارات كبيرة

 

وكشف حسين أبو صدام نقيب الفلاحين، أن أعداد الفلاحين التقليديين تنخفض بشكل مستمر طول السنوات الماضية نتيجة تدني العوائد الاقتصادية من الزراعة في مقابل الارتفاعات الكبيرة والمتواصلة لتكاليف الإنتاج الزراعي، وتحول النشاط تدريجياً إلى الاستثمارات الكبيرة خاصة مع التوسع في الأراضي الصحراوية الجديدة، مؤكدا أن بعض الشركات تستحوذ على مساحات لا بأس بها في الدلتا لتحقيق مستهدفاتها من البيع المحلي والتصدير. 

وقال أبو صدام فى تصريحات صحفية إن بعض أراضي الأوقاف كانت بورا غير صالحة للزراعة، وحصل عليها مؤجرون لخدمتها لسنوات طويلة، ومؤخراً ارتفعت عليهم القيمة الإيجارية بصورة كبيرة للدرجة التي دفعت الوزارة لتخييرهم بين الالتزام بالدفع وفقا للقيم الجديدة أو ترك الأرض، وهو ما أجبر المستأجرين على قبول الأسعار التي تحددها حكومة الانقلاب . 

وأشار إلى أن أسعار الأراضي الزراعية في منطقة الدلتا حالياً تقدر بمتوسط يتراوح بين 1.5 و2 مليون جنيه للفدان الواحد، مقابل قيم لم تتجاوز 60 ألف جنيه للفدان قبل نحو 10 سنوات. 

وأوضح أبو صدام، أن تكلفة إيجار الأراضي تختلف من منطقة لأخرى، ومن حوض لآخر، حتى داخل الحوض الواحد، وتعتمد بالدرجة الأولى على نوعية الري، لافتا إلى أن الأراضي التي تروى بمياه النيل تكون أغلى سعراً بعكس الأراضي التي يتم ريها بالمياه الجوفية، كما تختلف بحسب قربها من مورد المياه نفسه، أو قربها من الطرق الرئيسية. 

وشدد على أن صغار الفلاحين يفضلون الأراضي القريبة منهم لتجنب التكاليف المرتفعة في عمليات التنقل وسهولة الخدمة، خاصة المهتمين بتربية الثروة الحيوانية، وهو ما يرفع الطلب على الأراضي القريبة من المساكن، وبالتالي تكون إيجاراتها أعلى من غيرها. 

وأكد أبوصدام أن بعض المؤجرين لا يستخدمون الأراضي فى الزراعة، بل لأغراض تجارية مثل مناشر "البصل والثوم"، أو كمخازن مفتوحه لـ"تبن القمح" و"الكومبسوت"، وهو ما يمكن اعتباره تعدياً على الأراضي الزراعية بطرق غير مباشرة. 

 

طرد الفلاحين

 

وأعرب الباحث في علم الاجتماع السياسي، الدكتور عمار علي حسن، عن رفضه القاطع لقرار حكومة الانقلاب برفع إيجار الفدان في أراضي الإصلاح الزراعي من 10 آلاف إلى 27 ألف جنيه، وأراضي الأوقاف من 25 ألفًا إلى 45 ألفًا، محذراً من أن هذا القرار سيؤدي عمليًا إلى طرد آلاف الفلاحين من أراضيهم وإلحاق الجوع بملايين المصريين. 

وكشف حسن خلال منشور له عبر صفحته على “فيسبوك” أن الزراعة أصبحت منذ عقود عملية غير اقتصادية بالنسبة للمزارعين، مؤكداً أن معظمهم لا يحصل على أي مكسب بعد دفع تكاليف التسميد والري والفلاحة ومقاومة الآفات والحصاد، وأنهم يكدحون من أجل مقابل ضئيل .

وأشار إلى أن الأرض لم تعد تمثل فرصة حقيقية للرزق، بل مجرد بديل عن العمل في أراضي الآخرين أو وسيلة لتجنب البحث عن مهنة أخرى معتبرا أن رفع الإيجارات بشكل مبالغ فيه يمثل إفقارًا للفلاحين وتهديدًا للكفاف الريفي، خاصة أن معظم المصريين يعيشون في الريف الذي يحاول الحفاظ على حد أدنى من العيش الكريم.

وحذر حسن من أن استمرار هذه السياسات سيدفع الكثيرين للهجرة طلبًا للرزق، ويزيد من تفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية مؤكدا أن السياسات الحالية لحكومة الانقلاب لا تحقق سوى تفاقم الفقر والظلم في البلاد.

وطالب حكومة الانقلاب بمراجعة قرارات رفع الإيجارات الزراعية بما يحفظ حقوق الفلاحين ويضمن الأمن الغذائي للمصريين.