في تتويج للدعم الدولي الصريح الذي يرفض محاولات تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وجهت الجمعية العامة للأمم المتحدة صفعة قوية لضغوط دولة الاحتلال والرئيس الأمريكى الإرهابى دونالد ترامب ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، حيث صوتت بأغلبية كاسحة لصالح تجديد ولايتها لثلاث سنوات إضافية.
هذا التفويض لم يكن مجرد إجراء روتيني، بل هو تصويت سياسي حاسم؛ فقد حصد القرار تأييداً تاريخياً من 151 دولة عضو، ليؤكد بذلك الإجماع العالمي على أن الوكالة هي العمود الفقري للاستجابة الإنسانية لنحو 5.9 مليون لاجئ، وأن دورها لا يمكن الاستغناء عنه.
وفي ظل غياب أي حل سياسي عادل، تظل الأونروا هي الشاهد الدولي على قضية اللاجئين، وصمام الأمان الإنساني الذي يحول دون تفاقم الأوضاع، خاصة في المناطق الأكثر احتقاناً كقطاع غزة الذي يواجه كارثة غير مسبوقة.
7عقود
يشار إلى أنه على مدار سبعة عقود منذ تأسيسها في 8 ديسمبر 1949 عكفت "الأونروا" على تقديم كل وسائل الدعم والخدمات الحيوية للاجئين الفلسطينيين، وفي السنوات الأخيرة كرست جهودها لدعم قطاع التعليم والرعاية الصحية والإغاثة الطارئة، عبر مناطق عملياتها الخمس "الأردن، لبنان، سوريا، غزة، والضفة الغربية".
ودعمت الأونروا التعليم في مناطق عملها حيث استحوذ على 58٪ من ميزانيتها اعتبارًا من عام 2019، حيث تقدم الوكالة التعليم الأساسي للاجئين الفلسطينيين لمساعدتهم على تطوير المعرفة والمهارات اللازمة لسبل العيش.
أوبالنسبة للرعاية الصحية توفر الوكالة خدمات الصحة الأولية، بما في ذلك رعاية الأمومة والطفولة، وتنظيم الأسرة، والتحصين ضد الأمراض، لمساعدة اللاجئين على التمتع بحياة صحية، جنبًا إلى جنب مع الإغاثة والخدمات الاجتماعية، والتي تشمل توفير المساعدة النقدية الطارئة لدعم الأسر الأكثر ضعفاً، خاصة في أوقات الأزمات والصراعات، فضلاً عن تحسين البنية التحتية للمخيمات وتوفير خدمات المياه والصرف الصحي.
كما دعمت "الأونروا" الفلسطينيين عبر الاستجابة لحالات الطوارئ، حيث لعبت دوراً حاسماً في الاستجابة للأزمات الإنسانية، لا سيما في قطاع غزة وسوريا، من خلال توفير المساعدات الغذائية والمأوى والخدمات الأساسية الأخرى للنازحين والمتضررين من النزاع، فضلا عن الحماية والتمويل الصغير حيث تعمل الوكالة على توفير فرص مستدامة لإدرار الدخل من خلال برامج التمويل الصغير، بالإضافة إلى جهود الحماية لضمان تمتع اللاجئين بحقوقهم الإنسانية.
رمز وجود وهُوية
تُعد وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "الأونروا" واحدة من أكثر المنظمات الإنسانية استدامة وتعقيدًا في التاريخ المعاصر. فلم تكن مجرد مزود للغذاء والمأوى، بل تحولت إلى رمز لوجود وهُوية ملايين اللاجئين الفلسطينيين، وشاهد على تطور قضيتهم.
ولدت الأونروا استجابة للكارثة الإنسانية في 8 ديسمبر 1949 بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302، الذي أتى كاستجابة دولية فورية للكارثة التي خلفتها حرب 1948، والمعروفة بـ "النكبة".
كان التفويض الأولي للوكالة، التي بدأت عملياتها فعليًا في مايو 1950، يقتصر على تقديم "برامج الإغاثة المباشرة وبرامج التشغيل" لحوالي 750,000 لاجئ فلسطيني نزحوا قسراً من ديارهم.
هذا التأسيس، الذي كان يُنظر إليه على أنه مؤقت، وضع الأونروا على مسار لم يكن أحد يتوقع أن يمتد لأكثر من سبعة عقود.
تحول استراتيجي
بعد سنوات قليلة من التركيز على الإغاثة الطارئة، أدركت الأونروا أن مهمتها لن تكون مؤقتة كما كان مُتوقعاً ودفعها ذلك إلى تحول نوعي استراتيجي في أواخر الخمسينات؛ حيث بدأت تولي اهتماماً متزايداً لقطاع التعليم والتدريب المهني.
هذا التحول كان استجابة مباشرة لمطالب اللاجئين أنفسهم وسعيهم لتحقيق الحراك الاجتماعي والتمكين دون التنازل عن حق العودة. نتيجة لذلك، أصبح التعليم لاحقًا أكبر بند في ميزانية الوكالة، ليحولها من مجرد مخزن غذاء إلى نظام تعليمي متكامل يخدم أجيالاً.
نكسة 1967
في يونيو 1967، وضعت حرب الأيام الستة الأونروا أمام تحدٍ هائل، حيث أدت إلى موجة نزوح جديدة قُدرت بأكثر من 200 ألف فلسطيني، وتغيرت معها خريطة عمل الوكالة بشكل جذري.
اضطرت الأونروا لتوسيع نطاق خدماتها لتشمل النازحين الجدد في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسوريا ولبنان، وأصبحت تعمل في مناطق تحت الاحتلال.
مؤتمر مدريد
في التسعينات، بعد انطلاق عملية السلام بمؤتمر مدريد، أثرت أجواءً التفاؤل على الأونروا. ففي عام1991 ، نقلت الوكالة مقر رئاستها من فيينا إلى مدينة غزة، كإشارة واضحة لدعمها لعملية السلام وتوقعاتها بإمكانية حدوث تسوية.
ومع توقيع اتفاقية أوسلو في 1993، بدأت الأونروا تحضير نقل مسؤولياتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى السلطة الفلسطينية المنشأة حديثًا، مما عزز التوقعات التي أشارت إلى إمكانية انتهاء دورها المؤقت قريباً
أزمات وتحديات
رغم الدور الحيوي الذي تلعبه، واجهت الأونروا في السنوات الأخيرة أزمات مالية وسياسية غير مسبوقة ففي عام 2018، شهدت أسوأ أزماتها المالية بعد القرار الأمريكي المفاجئ بقطع جميع التمويلات عنها، مما هدد برامجها الأساسية وضاعف من هذه الضغوط ازدياد عدد اللاجئين المسجلين المؤهلين لخدمات الوكالة إلى حوالي 5.9 مليون لاجئ.
ورغم هذه الضغوط، تواصل الجمعية العامة للأمم المتحدة تجديد ولاية الأونروا بانتظام، كان آخرها تمديد العمل حتى 30 يونيو 2026، مما يؤكد على أهمية دورها المستمر في ظل غياب الحل السياسي.
طوفان الأقصى
خلال معركة طوفان الأقصى التي بدأت في أكتوبر 2023.تحولت الأونروا إلى العمود الفقري للعمل الإنساني في قطاع غزة واستُخدمت منشآتها كملاجئ لمئات الآلاف من النازحين، لكنها تعرضت لظروف عمل خطيرة وغير مسبوقة؛ حيث تعرضت العديد من مدارس ومراكز الأونروا للقصف، وقُتل عدد غير مسبوق من موظفيها أثناء تأدية واجبهم.
وزادت حدة الأزمة عندما واجهت الوكالة اتهامات خطيرة أدت إلى تعليق تمويلات من دول مانحة رئيسية، مما خلق "أزمة وجودية" تهدد قدرتها على العمل في وقت هي أحوج ما تكون إليه.
حرب غزة
تسببت الحرب في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023 في خسائر مادية وبشرية غير مسبوقة ل"الأونروا"، فعلى الصعيد البشري، فقدت الأونروا عدداً غير مسبوق من موظفيها، تجاوز المئات، مما يجعلها المنظمة الأممية التي خسرت أكبر عدد من العاملين في أي صراع على الإطلاق.
كما تعرضت منشآتها التي تؤوي مئات الآلاف من النازحين لأضرار جسيمة؛ حيث تم تدمير أو إلحاق الضرر بمئات المدارس والمراكز الصحية ومستودعات الإغاثة التابعة لها بشكل مباشر أو غير مباشر، مما أدى إلى شل قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وغذاء في وقت تشتد فيه الحاجة.
بالإضافة إلى الخسائر البشرية والمادية المباشرة، تكبدت الأونروا خسائر معنوية ومالية جسيمة نتيجة الضغوط السياسية والتحقيقات التي تلت اتهامات طالت عدداً من موظفيها، مما أدى إلى تعليق مفاجئ لتمويلات ضخمة من دول مانحة رئيسية.
هذه التحديات الوجودية أثرت على قدرة الأونروا فى الحفاظ على موظفيها ومنشآتها وعلى تنفيذ تفويضها، لتجد نفسها في مواجهة أزمة ثقة دولية تتطلب جهوداً مضاعفة لإعادة بناء التمويل والدعم في خضم واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية.