في اليوم العالمي لحقوق الإنسان، يعيد تقرير “حصاد الظلم” الصادر عن منظمة هيومن رايتس إيجيبت فتح ملف الانتهاكات الواسعة التي شهدتها مصر منذ انقلاب الجيش على أول رئيس مدني منتخب، الدكتور محمد مرسي، في يوليو/تموز 2013. ويرى التقرير أن تلك اللحظة شكّلت نقطة مفصلية كشفت حجم العداء العميق داخل مؤسسات القوة—الجيش والشرطة والقضاء—تجاه مطالب ثورة يناير ورغبة المصريين في الحكم المدني والعدالة والحرية.
ويشير التقرير إلى أنّ الانقلاب لم يكن مجرد تغيير سياسي، بل تحوّل إلى منظومة قمعية مكتملة الأركان استغلت سلطاتها لإخضاع المجتمع، وقمع الأصوات المعارضة، وتدمير المجال العام عبر سياسات تنكيل ممنهجة استمرت لأكثر من 12 عاماً.
20 ألف مختفٍ قسرياً… الإخفاء يتحول إلى سياسة دولة
يوثق التقرير ما مجموعه 20,344 حالة اختفاء قسري منذ منتصف عام 2013 حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2025، بينهم 1333 مختفياً خلال عام 2025 وحده، ما يؤكد – وفق المنظمة – أن الإخفاء تحوّل إلى أداة أمنية مركزية لإرهاب المجتمع ومنع أي حراك سياسي.
ويلفت إلى أن عامي 2024 و2025 شهدا ظهور عدد من المختفين بعد احتجازهم خمس إلى ست سنوات في مقار سرية خارج إطار القانون، دون عرض على النيابة أو محاكمات، ما يعكس عمق الانفلات الأمني وانعدام الرقابة القضائية.
أحكام إعدام جماعية… وقضاء يستخدم كأداة قمع
يتحدث التقرير عن 1613 حكماً بالإعدام صدرت خلال الفترة المشمولة، نُفذ منها 105 أحكام، معظمها في قضايا سياسية ومحاكمات جماعية تفتقد للمعايير الأساسية للعدالة. ويوثق التقرير طفرة حادة في إصدار هذه الأحكام خلال عام 2024، ما يعكس—بحسب المنظمة—تصاعداً في توظيف القضاء لمعاقبة المعارضين وإسكات الأصوات المنتقدة.
“التدوير”… جريمة مستمرة لضمان بقاء المعارضين في السجون
يصف التقرير “جرائم التدوير” بأنها من أخطر الانتهاكات؛ إذ يعاد اتهام السجين السياسي بقضية جديدة فور انتهاء حبسه في القضية الأصلية. ورُصدت:
2744 حالة تدوير بين 2018 و2021
229 حالة في 2023
206 حالات موثقة في النصف الأول من 2024
وشملت الضحايا صحافيين ومحامين وأطباء ونشطاء ونساء وقصّراً، في تكريس لسياسة الاحتجاز المفتوح.
1266 وفاة داخل السجون… الإهمال الطبي وسوء أوضاع الاحتجاز
بين 2013 و2025، سجل التقرير 1266 وفاة داخل السجون ومقار الاحتجاز نتيجة التعذيب أو الإهمال الطبي أو الظروف القاسية، وسط:
تكدس شديد
منع الزيارة
حرمان من الدواء
سوء تغذية
استخدام الحبس الانفرادي كعقوبة مطوّلة
وتصف المنظمة السجون المصرية بأنها “بيئة قاتلة” للمعارضين.
نساء تحت القمع… وانتهاكات تتجاوز الاعتقال
يخصص التقرير مساحة لانتهاكات واسعة ضد النساء، بينها:
تفتيش مهين
تحرش جسدي ولفظي
الحرمان من الرعاية الصحية
المنع من الدراسة
مصادرة الممتلكات
المنع من السفر
ويشير إلى وجود 450 امرأة وفتاة معتقلة سياسياً، بعضهن خلف القضبان منذ عام 2013.
البرلمانيون أيضاً لم يسلموا
بحسب التقرير، يقبع 101 نائب منتخب داخل السجون، توفي 11 منهم بسبب الإهمال الطبي، فيما صدرت أحكام قضائية ضد ثلاثة آخرين، ما يعكس انهيار الحماية الدستورية وغياب الفصل بين السلطات.
ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان… وواقع يُكذب المبادئ
يذكر التقرير بأن العاشر من ديسمبر يوافق اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، الوثيقة التي تعترف بالحقوق الأساسية لكل إنسان دون تمييز. ويشير إلى أن الواقع المصري منذ 2013 يناقض تماماً تلك المبادئ، حيث تحوّلت الدولة—وفق التقرير—إلى منظومة تُهمّش القانون، وتُعاقب المعارضة، وتَحجب الكرامة الإنسانية عن آلاف الأسر.
خلاصة: عقد من القمع يكشف جوهر النظام
يخلص تقرير “حصاد الظلم” إلى أن السنوات التي أعقبت انقلاب 2013 أظهرت طبيعة النظام العسكري القائم، الذي—وفق وصف التقرير—لم يرَ في الشعب إلا خصماً ينبغي إخضاعه، ولا في ثورة يناير إلا “عدواً يجب الانتقام منه”.
ويؤكد التقرير أن إعادة بناء دولة تحترم الإنسان لن تكون ممكنة دون:
كشف مصير المختفين
محاسبة المسؤولين عن التعذيب والقتل
إطلاق سراح المعتقلين السياسيين
واستعادة القضاء لاستقلاله
وهي شروط يراها التقرير أساسية لإعادة الحياة السياسية والحقوقية إلى مصر.