توصّل المراقبون إلى أن ما يُسمى بـ"المراجعات الفكرية" التي تُصدَّر اليوم ليست سوى مراجعات أمنية بغطاء ثقافي، هدفها الأساسي هو تسويق القمع وإعادة إنتاج السيطرة على المجتمع والمعارضة.
وأشار المراقبون إلى حملة جديدة على وقع تسريح المعتقلين السابقين تكشف أن النظام لا يكتفي بالاعتقال، بل يسعى إلى إعادة تشكيل الوعي بما يخدم روايته الرسمية، ويُظهره أمام الداخل والخارج كمن "يُعيد تأهيل" خصومه، بينما الحقيقة أنها مجرد أداة دعائية لإخفاء الانتهاكات.
أدوات الحملة
ومن ذلك الاحتفاء بمعتقل شاب سابق كان أمضى 11 عاما في سجون السيسي، ثم صار فاعلا وكاتبا مرموقا بين عشية وضحاها عبر منابر إعلامية رسمية مثل الأهرام والأسبوع وكتاب في هذه المنصات، وشبه رسمية (منصات التواصل الاجتماعي) وعبر مقالات وإشعارات وإعجابات، لمشاهير الكتاب ممن حذا حذو الشاب "الطليق"، أو المقيد من خلف ستار "الحرية" لمقابلات له كمعتقل سابق، يقدم كصاحب مراجعات فكرية.
وتتخذ مراكز بحثية وأكاديمية مثل سيدز أوراق أو ندوات بعنوان "التجديد الفكري" أو "المراجعات الفكرية"، لكنها في الواقع إعادة إنتاج لخطاب أمني والفائدة إحداث ضغط إداري واجتماعي على المعتقلين السابقين لإجبارهم على المشاركة في هذه الحملة، أو على الأقل الصمت وعدم فضحها.
مقالات موقع بكري مان
ويكفي أن تتعرف على أن موقع "الصحفي" مصطفى بكري ينشر ضد الإخوان، (مذمتي من ناقص)، ودأب أحد الكتاب الصحفيين على الهجوم على جماعة الإخوان متخذا من قصة الشاب "المعتقل السابق" مثالا تضليليا على ادعاءاته ضد الجماعة، فيربط بين الشاب وقضايا "الخلايا النوعية المسلحة"، وأنه جزء من العمل التنظيمي الذي يصفه لاحقًا بالإجرام، متأرجحا بين كون من أفرجت عنه سجون السيسي : ضحية بريئة أو "شاب مخدوع" أم عضو متورط ثم نادم؟!
ويشترك صاحب المقال مع آخرين في اتخاذ "اعتراف" المعتقل السابق بأخطائه الشخصية وجلد ذاته، ومراجعته الفردية ضد الجماعة كلها، أو إلى أداة دعائية للإدانة الشاملة. جامعا بين لغة التعاطف مع الشاب ولغة التشهير بالجماعة في نص واحد.
ويعتبر كاتب مصطفى بكري أن التهنئة بعبارات مثل "حمدًا لله على سلامتك يا بطل" بعد تسريح الشاب وانقلابها إلى اتهامات واحتواء بعد قراءة منشوراته، (بحسب اطلاعه) زاعما "ازدواجية الجماعة"، ولا يفسر لماذا ظل المعتقل السابق نفسه جزءًا منها لسنوات طويلة.
وقال مراقبون: إنه "كان على الكاتب أن يحسم من مصادره الأمنية، هل كان السجين السابق "معتقل بريء" منذ عام 2015 بحسب تقارير على مواقع الجماعة أم أنه متورط ثبوت ضلوعه في "الخلايا النوعية المسلحة" باعترافات؟!"
وهو ما شكل تناقضا فكان الأمر يحتاج منه إلى (حسم) وألا يستخدم كلا الروايتين لتأكيد "كذب الجماعة". بحسب زعمه.
الخلاصة أن بكري وطلاقائه يريدون تصدير حكم أمني أن الجماعة "عاجزة عن الإصلاح دينًا أو دنيا"، وأن الجماعة انتهت بالمطلق، ورغم ذلك، هناك بعض الشباب داخل السجون ما زالوا "يناقشون" (لا يبتزون أو يقهرون) أفكار الجماعة ويبحثون عن إصلاحها!
طالب من الإخوان
وتبنى أحد "كتّاب" الأهرام، المنتسبين للصحيفة في هوجة الهجوم على الإخوان المسلمين، تقديم "شهادة" عن المعتقل السابق ضمن سياق مراجعة فكرية صادرة من داخل التجربة، لكنه في الوقت نفسه يعممها لتصبح إدانة شاملة للتنظيم كله، وكأن تجربته تكفي لإثبات انهيار جماعة، بتناقض بين قيمة التجربة الفردية وحدودها، وبين استخدامها كحكم كلي.
ويحمّل كاتب الأهرام (سبق أن كان عضوا في طلاب الإخوان بجامعة الأزهر) مظلومية الشاب الذي خرج قبل أشهر قليلة إلى الإخوان بحديث عن 11 عاما وأن سنوات سجنه؛ "وجع معرفة متأخرة" و"أعمار مهدرة"، وهو خطاب يقترب من المظلومية التي نفى وجودها.
ويصرّ كاتب الأهرام على أن التنظيم "صادر الدين" وحوّله إلى أداة، لكنه في الوقت نفسه يستخدم ما ينتقده من لغة دينية ضخمة مثل (الرسالة الحضارية، القيم الإنسانية) لتأكيد خطورة ما فعله التنظيم، أي أنه ينتقد توظيف الدين عبر توظيف ديني آخر.
ويتخذ "كاتبنا" من تصريحات الطالب السابق بجامعة الإسكندرية (والتي نشرت بالمناسبة عبر منصات ومواقع تصف نفسها بالمعارضة في الخارج لعل الخارج يتنبه لأكثر الغث) فرصة لتحميل الجماعة مسؤولية ما زعم أنه "تشويه الإسلام" و"هدم المجتمعات".
ويزعم الكاتب (كان قريب الصلة بأحد مشاهير نواب مجلس الشعب من الإخوان في محافظة البحيرة) أن التنظيم "انكشف" و"تهاوت فكرته"، لكنه في الوقت نفسه يحذر من خطورته كأداة قابلة للتوظيف من قوى خارجية، وهو برأي مراقبين تناقض بين القول بانتهاء التنظيم وبين التحذير من استمراره كخطر قائم.
التناقض الأبرز في تجربة المعتقل ومن على غراره كشفها "كاتب الأهرام" بالإصرار على أن مراجعات المعتقل السابق فكرية وليست أمنية، ويقرّ بأن تجربة السجن كانت المحرك الأساسي لهذه المراجعات، ما يوضح الربط بين رفض الطابع الأمني للمراجعة وبين الاعتراف بأن البيئة الأمنية هي التي أنتجتها.؟!
والشاب "المعتقل السابق" كان أحد شباب الإخوان، واعتُقل في إحدى قضايا "الخلايا النوعية المسلحة" وأُفرج عنه في أواخر 2025، ضمن دفعات محدودة من المعتقلين الذين قالت الأجهزة إنه "لم تثبت إدانتهم في أعمال عنف مباشرة" أو انتهت مدة حبسهم دون تدوير من الأمن الوطني ونيابة الانقلاب.
وفي تصرف غير مفهوم، أنشأ صاحبنا حسابًا باسم مستعار "أحمد مالك" لينتقد أفكار الجماعة ومواقف قياداتها، مؤكدًا أن الاعتقال كان فرصة لإجراء مراجعات فكرية.
ثم ذهب ليصف الجماعة وقيادات الإخوان بأنهم "أكابر الكذابين المدلسين"، واتهمهم بأنهم يعرقلون أي حلول واقعية لأزمة المعتقلين، لأن استمرار الأزمة يضمن لهم بقاء وضعهم المستقر في الخارج.
يشار إلى أن آلاف المعتقلين (بينهم آلاف الطلاب والشباب) ما زالوا في السجون لأنهم قيادات أو رموز، أو لأن السلطة ترى أن الإفراج عنهم قد يُعيد النشاط السياسي للجماعة وليس لسبب آخر ويستخدم ملف استمرار حبس آلاف من الإخوان؛ ورقة تفاوض وضغط داخلي وخارجي.
ماجستير نقد الإخوان
المهندس والإعلامي نور عبدالحافظ عبر Nour Abdelhafez كتب تحت عنوان ماجستير نقد الإخوان !!!" أن هناك خصائص تميز الإخوان ، نتيجة تعدد مصادر ثقافتهم التي تجمع بين دراسة الفكر الإسلامي عقيدة وشريعة ودراسة التاريخ سيرة وغزوات وحروب و احتلالات. بجانب الثقافة العامة التي لا ينفصلون عنها ويخاصمونها والتخصصات المهنية الدراسية و ما بعدها …"
وأشار إلى أن "كل هذه المكونات تمتزج داخل شخصية تتحرك في المجتمع وتتفاعل مع قضايا الطلاب والنقابات والأحزاب، و تألف العمل الجماعي كفريق بينما يأنف كثيرون من أعباء الارتباط الجماعي و قيوده"، لافتا إلى أن هذا التنوع غير متاح بالطبع لمعظم أقرانهم من أبناء نفس الجيل، حقيقة تعكس الواقع دون مبالغة مع التسليم أن هذه الدعوة التي أخرجت نوابغ وقامات فقهية وسياسية واجتماعية هي نفسها التي انتسب إليها أشخاص غير مؤهلين لحمل أعبائها أو حتى لاكتساب الحد الأدني من ثقافتها".
ورأى أن "والملفت للانتباه أن هذه الحركة الدعوية الاجتماعية تجتذب معظم الأقلام الناقدة سواء بإنصاف أو بدونه ، والعلة دائما واضحة وهي اجتذاب القراء والمتابعين، يبدو أن النقاد لم يسمعوا على ما أعتقد عن الدور السياسي والاجتماعي للكنيسة أو لليسار المصري أو للوفد ممثلا للتيار الليبرالي، لماذا يجيد كل النقاد تحليل و تنسيل حركة الإخوان وأعمالها وأفكارها، بل ونواياها الباطنة أيضا 😜 بينما يعزفون عمدا عن تحليل تجارب حركات سياسية محلية ساهمت ولا تزال في بل الطين وحرق العجين.
الأكاديمي د. عصام عبد الشافي وعبر @essamashafy كان حذرا في سياق آخر ولكنه مواز، من ترويج الرؤى الأمنية لأشخاص تركوا الإخوان وباتوا أعداء للحركة الإسلامية سواء بعلمهم أو دون علمهم، وقال "من حق أي شخص في العالم أن يتفق أو يختلف مع الإخوان المسلمين في مصر أو خارجها، فهم في الأخير بشر، يصيبون ويخطئون، وليسوا رسلًا أو ملائكة منزلين، لكن الغريب أن يدفع الاختلاف مع الإخوان بعض الناقمين عليهم أن يكونوا خونة وعملاء وخناجر مسمومة تعمل لصالح المجرمين والمستبدين والفاسدين من الحكام، وأزلامهم.".
واعتبر عبر حسابه على (إكس) أن "الأخطر، أن أمثال هؤلاء يتحركون بأريحية في أوساط الإخوان، وما تبقى من معارضة مصرية في معظم دول العالم، وأصبحوا أدوات للتفكيك والتخريب، وتشويه الجميع.".
وتابع: "وبين الحين والآخر، يسقط أحدهم، عندما ينتهي دوره، ويسحبه النظام، ويعلن العودة إلى مصر تحت شعارات الوطنية الزائفة، والبطولات الوهمية، وصناعة قصص وروايات وأوهام عما يقفون عليه من معلومات وأسرار، وهم ليس لديهم شيء لأنه في الأصل لا توجد أسرار في عالم اليوم، وبعد فترة من عودتهم، يُلقي بهم من استخدمهم في أقرب مزبلة، بلا وزن ولا قيمة..".