ظهر المواطن المعتقل أحمد إبراهيم بعد 6 سنوات من الإخفاء القسري، في حين لا يزال جبر رضوان مختفيًا منذ ثماني سنوات، وأحمد شاكر الذي دخل عامه الثامن في الإخفاء القسري ومئات آخرين ما زالوا رهن الاحتجاز بأماكن ومقار احتجاز الأجهزة (الأمن الوطني، والمخابرات) وهي مجهولة لدى ذويهم ومحاميهم على السواء.
وأحمد إبراهيم أنور محمد (34 سنة) تعرض للاعتقال والإخفاء في 12 أغسطس 2019، فأتم اليوم (40 عاما) بعد أن اقتحمت قوات الأمن منزل أسرته بمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، واقتادته إلى جهة غير معلومة وظل مختفيًا لأكثر من 6 سنوات.
ولكن الأجهزة أظهرته في ديسمبر 2025، أمام نيابة أمن الدولة العليا، التي قررت حبسه 15 يومًا على ذمة القضية رقم 1126 لسنة 2025، مع إيداعه سجن بدر 3.
ويأتي هذا التطور بعد أكثر من 6 سنوات كاملة من الإخفاء القسري، بجهة غير معلومة، يُرجح أنها مقر الأمن الوطني بالزقازيق، قبل نقله لاحقًا إلى القاهرة، ثم عرضه أخيرًا على نيابة أمن الدولة العليا.
واعتبرت منظمات حقوقية ظهوره أمرًا إيجابيًا، لكنه أكد أن القضية تعيد تسليط الضوء على مئات المختفين قسريًا الذين لم يظهروا بعد. وأن استمرار احتجازه دون سند قانوني طوال هذه الفترة يُعد انتهاكًا صارخًا للدستور المصري والمواثيق الدولية.
20 ألف مختف قسريا
ووفق تقديرات منظمات حقوقية مصرية مستقلة، يتجاوز عدد المختفين قسريًا في مصر منذ 2013 أكثر من 6,000 حالة موثقة، بينما تشير تقديرات غير رسمية إلى أن العدد قد يصل إلى 10,000 حالة إذا أُضيفت الحالات غير الموثقة.
إلا أن تقارير لمنظمات حقوقية رفعت العدد إلى ما يقارب 20 ألف مختف قسريا منذ 2013، وأعداد المختفين قسريًا في مصر وثّقتها بالأساس مراكز حقوقية مصرية مستقلة مثل "مركز الشهاب لحقوق الإنسان"، الذي أعلن في تقاريره أن عدد المختفين قسريًا منذ 2013 بلغ نحو 18,439 حالة حتى أغسطس 2024، كما أشار تقرير "حصاد الظلم" المنشور عبر العربي الجديد إلى أن العدد قد يتجاوز 20 ألف حالة بين 2013 و2025.
وقال الشهاب: إنه "رصد 1,720 حالة إخفاء قسري في عام واحد (سبتمبر 2023 – أغسطس 2024)، وأن العدد الإجمالي منذ 2013 وصل إلى 18,439 مختفيًا قسريًا، بينهم 65 شخصًا قُتلوا خارج نطاق القانون".
وفي تقرير "حصاد الظلم" نشر عنه موقع (العربي الجديد، ديسمبر 2025) وثّق أكثر من 20 ألف حالة إخفاء قسري منذ 2013 حتى 2025، مشيرا
إلى وفاة 1,266 معتقل داخل السجون خلال نفس الفترة.
من بين هؤلاء، هناك مئات ما زالوا مختفين حتى اليوم، دون أي معلومات رسمية عن مصيرهم أو أماكن احتجازهم.
حالة جبر رضوان
وعلى سبيل المثال نستعرض استمرار الإخفاء القسري للمواطن جبر رضوان منذ 8 سنوات بعد اعتقاله تعسفيا أثناء ذهابه لصلاة الفجر في 25 ديسمبر 2017، حيث كان يعمل إمامًا للمسجد بمدينة بدر وهو خريج كلية الدعوة-جامعة الأزهر الشريف دفعة 2016.
ومنذ ذلك التاريخ، انقطعت كل سبل التواصل مع جبر رضوان رجب محمد، 32 عاما، وأكد شهود عيان رؤيته في أحد المقرات الأمنية، وتقدمت أسرته من جانبها؛ ببلاغات عديدة للنائب العام والجهات المعنية، دون تلقي أي رد رسمي.
ووفقًا لشهادة أحد الأشخاص الذين كانوا مختفين قسريًا سابقًا، فقد رأى جبر رضوان في أحد المقرات الأمنية المصرية، مما يشير إلى استمرار احتجازه لدى الأجهزة الأمنية دون أي إجراءات قانونية.
وحملت المنظمات الحقوقية ومنها (الشبكة المصرية لحقوق الإنسان) جهاز الأمن الوطني والنائب العام المسؤولية الكاملة عن سلامته، وطالبت بالإفراج الفوري عنه.
كمين لإخفاء أحمد شاكر
وبعد اعتقاله بكمين للشرطة بالقاهرة، مرت 8 سنوات على الإخفاء القسري للمواطن أحمد شاكر عبد اللطيف عبد الفتاح، 40 عامًا، وهو كاتب قصص قصيرة وناقد أدبي، حيث انقطعت كل سبل التواصل به تمامًا منذ اعتقاله تعسفيًا في 21 مارس 2018 على يد قوة أمنية تابعة لكمين شرطة في منطقة مدينة نصر بمحافظة القاهرة.
وأحمد شاكر، المعروف بنشاطه الأدبي والفكري، يعاني من وضع صحي متردي، حيث يلازمه الصداع النصفي المزمن وارتجاع المريء، ما يجعل استمرار إخفائه تهديدًا مباشرًا لحياته.
كان يعمل مندوب مبيعات بشركة العامرية للأدوية، وتم فصله من عمله بسبب غيابه الناتج عن اعتقاله التعسفي وإخفائه القسري.
ووفقًا لشهود عيان، أوقفه كمين الشرطة بالقرب من حضانة الجيش في منطقة زهراء مدينة نصر حوالي الساعة العاشرة والنصف صباحًا، وتم إغلاق هاتفه المحمول مباشرة بعد اعتقاله، وعندما توجهت أسرته إلى قسم شرطة أول مدينة نصر للاستفسار عن مكان احتجازه، أنكرت الجهات الأمنية معرفتها بأي معلومات عنه، رغم أن الكمين الذي اعتقله يقع ضمن نطاق دائرة القسم.
وقدمت أسرته العديد من البلاغات والتلغرافات، وأقامت دعوى قضائية أمام مجلس الدولة لإلزام وزير الداخلية بالكشف عن مكان احتجازه، إلا أنه، ورغم مرور أكثر من 7 سنوات على اعتقاله وإخفائه، لم تتلق الأسرة أي ردود رسمية تفيد بمصيره أو مكان احتجازه مع استمرار انكار وزارة الداخلية المسؤلية عن اعتقاله بالرغم من شهادات شهود العيان .
المنظمات الدولية
منظمات دولية كبرى مثل العفو الدولية (Amnesty International) وهيومن رايتس ووتش (Human Rights Watch) وجهت انتقادات من داخل مصر وخارجها عن الاكتفاء بتقارير عامة أو بيانات موسمية لا تواكب حجم الانتهاكات اليومية، وطالبت الحكومات الغربية بالضغط الفعلي (لا الضعيف الذي تمارسه فعليا) لربط الدعم الاقتصادي والسياسي لمصر بملف حقوق الإنسان.
ودعت المنظمات إلى الاعتماد على بيانات غير محدثة أحيانًا، ما يضعف مصداقيتها أمام السلطات المصرية التي تستغل ذلك للتشكيك في تقاريرها.
كما انتقدت التركيز على قضايا إعلامية (لحالات مشاهير) وإهمال آلاف الحالات الأقل شهرة.
والإخفاء القسري يُعد جريمة بموجب القانون الدولي، ويخالف الدستور المصري نفسه الذي ينص على ضرورة عرض أي معتقل على النيابة خلال 24 ساعة.