“تديُّن الديكتاتور” .. ما بين ادعاء النبوة حينًا والانقلاب على الدين حينًا آخر

- ‎فيتقارير

لم يكتف قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي من أن ينصّب نفسه وصيّا على الدين ومقدساته ونصوصه، بعد دعوته لما وصفها بثورة دينية للتخلص من أفكار ونصوص تم تقديسها على مدى قرون وباتت مصدر قلق للعالم كله.

ولكن بدا عبد الفتاح السيسي في أيامه الأخيرة على شفا التحدث باسم الذات الإلهية، وادعاء النبوة، بعدما ردد، خلال فعاليات مؤتمر الشباب، حديثه بأنه يفهم ما لا يفهمه غيره، وشبه نفسه بنبي الله سليمان في إيحاء بأن القدرة على الفهم لا يوكل إلا للأنبياء والمصطفين، مستندًا بقول الحق عز وجل : «فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ» ، لافتًا إلى أن الله تعالى منح سليمان القدرة على فهم الموضوعات التي لا يفهمها الكثيرون، في إشارة منه حينما كرر الآية مرات متعددة إلى أنه سليمان العصر الحاضر.

ما بين الديكتاتور والدين

ومع تصريحات عبد الفتاح السيسي التي تثير الجدل، وتكشف عما يدور بداخله، من ادعاء الحكمة والوحي، والالتصاق بالتوفيق الإلهي في الفهم والتصرف، تتضح العلاقة بين الديكتاتور والدين .

والديكتاتور مصطلح روماني الأصل ظهر فى عصر الجمهورية الرومانية كمنصب لحاكم فى ظروف استثنائية كالحروب والكوارث والمؤامرات ، كانت السلطة في هذه الجمهورية موزعة بين قنصلين متساويين، ومجموعة من الموظفين، ومجلس شيوخ، وثلاثة أنواع من المجالس العامة نظم الدستور تعيين الديكتاتور حيث كان يرشحه أحد القنصلين بتزكية من مجلس الشيوخ، ويتمتع بسلطات استثنائية وتخضع له الدولة والجيش ، تراوحت المدة التي يتقلد فيها الديكتاتور سلطاته بين ستة أشهر وسنة ، وقد التزم معظمهم بهذه المدة إلا “سيلا” الذي أمضى سنتين كديكتاتور، أما “يوليوس قيصر” فقد اتخذ لنفسه سلطات ديكتاتورية لمدة عشر سنوات ثم أعطيت له هذه السلطات مدى الحياة قبل اغتياله بقليل .

في الاستخدام الحديث تشير الديكتاتورية إلى حالة سياسية معينة، تصبح فيها جميع السلطات بيد شخص واحد ، يمارسها حسب مشيئته، والديكتاتور قد يكون فردًا أو جماعة فيما يسمى ديكتاتورية البروليتاريا ؛ أى ديكتاتورية الطبقة العاملة استخدم ماركس هذا المصطلح ولم يوضح معناه، وإن كان قد اتخذ فيما بعد دلالات واسعة فى الفكر الماركسى ليدل على طبيعة ومشروعية سلطات الدولة خلال فترة التحول من الثورة إلى المجتمع الشيوعي.

وينشأ الحكم الديكتاتوري نتيجة تفاعل عوامل اجتماعية تضرب بجذورها في نسيج البناء الاجتماعي، فالديكتاتوريات تولد وتتشكل نتيجة الاضطراب والخلل وعدم التوازن في البنيان أو التركيب الاقتصادى والاجتماعى فى مجتمع ما.

وقد يرتدي الديكتاتور عباءة الدين أو يمزقها حسب مصلحته، فهو يدعى الحق الإلهي غير المباشر فى الحكم مثلما قال الملك جيمس ملك إنجلترا : “إننا، نحن الملوك، نجلس على عرش الله على الأرض” ، وفي مرسوم للويس الخامس عشر فى ديسمبر قال : “إننا لم نتلق التاج إلا من الله، فسلطة سن القوانين هي من اختصاصنا وحدنا بلا تبعة ولا شركة.”

وفي تاريخنا الإسلامي هناك المنصور الخليفة العباسي الثاني الذي خطب الناس فقال لهم أيها الناس، إنما أنا سلطان الله في أرضه.

كيف يستغل الديكتاتور الدين؟

استغلال الديكتاتور للدين له صور متعددة، منها مافعله السادات فوصف نفسه بالرجل المؤمن ، ووصف الدولة بأنها دولة العلم والإيمان، ولم يقصر مبارك في استغلال المناسبات الدينية فى إلقاء خطب له في الاحتفال بالمولد النبوي وليلة القدر.

وقد يقوم الديكتاتور بتأميم الدين فيسيطر على المؤسسة الدينية من خلال القوانين وحرمانها من الموارد المالية، أو يحاول التغيير فى نصوصه المقدسة مثلما فعل القذافى حينما اقترح حذف كلمة قل من آية سورة الإخلاص بالقرآن الكريم “قل هو الله أحد” بدعوى أنها خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم بل إن مقاطع من كتابه الأخضر تبث فى الإذاعة والتليفزيون قبل القرآن الكريم.

والتاريخ مليء بأمثلة من رجال الدين وعلمائه ممن خدموا الديكتاتور وممن قاوموه فمارتن لوثر مؤسس المذهب البروتستانتى يقول : “أمراء هذا العالم آلهة والناس العاديون شياطين ليس من الصواب بأي حال أن يقف المسيحي ضد حكومته سواء كانت عادلة أم جائرة”.

وبرر عدد من علماء السلطة من المسلمين طاعة الحكام وإن كان الظلم هو ديدنهم، وقد اصطف معظم رجال الدين المسيحي مع الديكتاتور المخلوع مبارك بعد قول البابا شنودة له على شاشات التليفزيون “احنا معك”، وحذر شيخ الأزهر والمفتي من الفتنة ، كما حذرت معظم خطب الجمعة أثناء الثورة في المساجد التي يسيطر عليها النظام من الفتنة، ومنع كثير من أئمة السلفية أتباعهم من المشاركة فى الثورة وفى نفس الوقت شهد ميدان التحرير خطب وعظات لعلماء من المسلمين و قسس تدعم للثورة.

السيسي يتاجر بالدين ويخرج عليه

ويتلاعب عبد الفتاح السيسي بالدين لحساب مصالحه الشخصية، فتارة يدعي الفهم والنبوة والحكمة، وتارة أخرى ينقلب على الدين، حيث قال السيسي في كلمة له بمناسبة المولد النبوي الشريف، متهمًا الإسلام بالإرهاب إنه “ليس معقولاً أن يكون الفكر الذي نقدسه على مئات السنين يدفع الأمة بكاملها للقلق والخطر والقتل والتدمير في الدنيا كلها”.

وأضاف أن هذا الفكر “يعني أن 1.6 مليار (مسلم) حيقتلوا الدنيا كلها التي يعيش فيها سبعة مليارات عشان يعيشوا هم”.

وقال إنه يقول هذا الكلام أمام شيوخ الأزهر و”الله لأحاجكم به يوم القيامة”، وطالبهم بإعادة قراءة هذه النصوص “بفكر مستنير”.

وذكر أن الخروج من هذا الفكر يقتضي ثورة دينية وتدقيقًا والاطلاع عليه من الخارج لأنه “لا يمكن أن يكون داخلك وتحس به”.