في ظل صمت دولي كبير، يواصل الرئيس التونسي المنقلب على دستور بلاده، الولوغ في مستنقع من الاستبداد والقمع والعته والأفق المسدود، في بلد تطمح للحرية والقانون والدستور والتقدم الاقتصادي.
حيث أعلن الرئيس التونسي، قيس سعيد عن خارطة طريق بجدول زمني للخروج من حالة التدابير الاستثنائية التي فرضها في يوليو الماضي، حينما أقال الحكومة وجمّد أعمال مجلس النواب.
جدول سعيد يبدأ في يناير المقبل، باستشارة شعبية عبر الإنترنت حول مواد الدستور، تنتهي في 20 مارس المقبل، ذكرى الاستقلال، يعبر فيها الشعب مباشرة عن إرادته، على أن تتولى لجنة سيتم تشكيلها وتحديد اختصاصاتها تجميع مختلف المقترحات، لصياغة الإصلاحات الدستورية المطلوبة بحلول يونيو، والتي يتم الاستفتاء عليها في 25 يوليو المقبل، ذكرى إعلان الجمهورية.
كما أعلن سعيد أن عمل البرلمان سيظل معلقا حتى إجراء انتخابات تشريعية في 17 ديسمبر 2022، تزامنا مع ذكرى الثورة التونسية.
كما شدد على أن كل من أجرموا في حق الدولة التونسية وشعبها ستتم محاكمتهم، مطالبا القضاء بأن يقوم بدوره باستقلال تام.
وجاءت قرارات سعيد بعد أيام من بيان مشترك أصدره سفراء دول مجموعة السبع، في تونس، الجمعة الماضي، طالبوا فيه بعودة عمل المؤسسات الديمقراطية في البلاد، وتحديد سقف زمني واضح لذلك.
كان سعيد أصدر في سبتمبر الماضي عدة قرارات وسعت من صلاحياته، من بينها: ترؤس مجلس الوزراء، والتعيين والإعفاء لجميع الوظائف العليا، وتنظيم الإعلام والصحافة والنشر.
وبرر سعيد تلك الخطوة بأن الدستور الذي أُقر في 2014، وأنشأ نظاما مختلطا يعطي للبرلمان والحكومة صلاحيات أوسع من رئاسة الجمهورية، لم يعد صالحا، بحسب بيان سابق للرئاسة، منتقدا الأحزاب التي أشرفت على كتابة الدستور وأبرزها حزب النهضة، صاحب المرجعية الإسلامية الذي حظي بأغلبية في المجلس التأسيسي.
قرارات سعيد قُوبلت برفض شعبي وسياسي كبير، من قبل النقابات المهنية واتحاد الشغل والبرلمان والأحزاب السياسية، معتبرين أنها تمديد لفترة اللاشرعية والشلل السياسي والاقتصادي الذي تحياه تونس حاليا.
فيما اعتبر عضو مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، جوهر بن مبارك، أن خطاب قيس سعيد هو عودة للخطاب المتشنج، ومنطق التخوين والتقسيم، مبينا في فيديو بُث على صفحة المبادرة، أن سعيد سرعان ما عاد لمنطق التخوين، وشمل ذلك الجميع من أحزاب ومنظمات وحتى من سانده في البداية.
وبين أن الإجراءات المعلنة لم تأتِ بجديد، بل كانت متداولة، ربما أضاف إليها فقط وضع بعض التواريخ والتي تعتبر كارثة، مبينا أن هذا تماد في الانقلاب، إذ أن الإجراءات التي أعلن عنها سعيد تحايل إلكتروني وسيتم تجميع مخرجاتها وسيشارك أنصاره وستكون مجرد صدى لصوت قيس سعيد".
وتتزايد المخاطر على تونس، إذ أن سعيد لا يتحاور إلا مع نفسه، وسيختار لجنة سيعين أعضاءها، والأخطر أن ترحيل موعد الانتخابات سنة ونصفا يعني أن تعيش تونس إلى ديسمبر 2022 في ظل الإجراءات الاستثنائية، وفي وضع اللاقانون، الذي فرضه انقلاب 25 يوليو.
وهو ما يؤكد أن قيس سعيد يقود البلاد للفوضى والمجهول، في ظل انعدام التوافق والحوار بين شركائه في الوطن.
وبحسب الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام فإن "الرئيس التونسي قيس سعيّد، شأنه شأن كل المستبدين حول العالم، يبيعون دوما الوهم لشعوبهم، يتحدثون عن حياة فارهة ورغد العيش ومستقبل واعد وفرص عمل ضخمة وخدمات متطورة واقتصاد قوي ولا ترجمة لتلك التصريحات على الأرض".
مضيفا بمقاله بالعربي الجديد، كما يتحدثون عن عدالة اجتماعية وحياة ميسرة وأرقام ومؤشرات عالية ومعدلات نمو غير موجودة، إلا في مخيلة هؤلاء الحكام وبعيدة تماما عن الواقع الذي يروج له الإعلام الحكومي والنظام معا".
لكن يوما بعد يوم يكتشف الشعب التونسي أن تلك الوعود، ما هي إلا أضغاث أحلام سعى سعيّد من خلالها إلى خداع قطاع منه وامتصاص غضبه من الإجراءات الاستثنائية التي قام بها من تجميد نشاط البرلمان وإقالة حكومة منتخبة وغيرها، وأن أموال ومساعدات الخليج التي تحدث عن قرب وصولها عدة مرات لم تصل بعد، وأن النظام الحاكم فشل حتى الآن في فتح قنوات اتصال مع الدائنين الدوليين، وفي مقدمتهم صندوق النقد الدولي، وإقناع الصندوق بمنح تونس قرضا بقيمة 4 مليارات دولار.
آخر أوهام قيس سعيّد أنه يحاول بيع الوهم للشباب وتخديرهم ووعدهم بتوفير فرص عمل، وقد وعد العاطلين عن العمل من خريجي الجامعات وأصحاب الشهادات العليا، بتأسيس شركات أهلية جديدة تكون بوابتهم إلى سوق الشغل، ويساهم فيها سكان المنطقة التي تقع فيها تلك الشركات.
وهي أفكار بدائية وغير موجودة في أي دولة من دول العالم، بل لا ترقى إلى مستوى النقاش من الناحية الاقتصادية والمالية
وهو تكرار للمشهد المصري الذي يفاقمه السيسي يوما بعد يوم في مصر، منذ انقلاب 2013، فيما يجني المصريون إهدار الكرامة والقتل في الطرقات وفي أقسام الشرطة وفي المترو والقطار وعلى أعتاب المستشفيات دون علاج، فيما الفقر يضرب غالبية الشعب وتتصاعد أرقام البطالة، وهو ما يُخرج مصر من قوائم المؤشرات العالمية لجودة الحياة، وهو ما تنزلق إليه تونس وبسرعة كبيرة.