في الوقت الذي تنافس العرب على رفع أعلام فلسطين في بطولة كأس العرب، التي اختتمت أمس السبت وتوجت بها الجزائر، ذهبت الإمارات طواعية وحبا وعشقا لدعم الكيان الصهيوني بمباراة ودية على أرض قرية فلسطينية، دمرها الاحتلال وشرد أهلها الأصليين.
وأصبح منتخب الشباب الإماراتي لكرة القدم، أول فريق عربي يخوض مباراة في كيان العدو الصهيوني، لكنه خسر بأربعة أهداف لصالح منتخب الاحتلال.
وجاءت المباراة في إطار افتتاح بطولة دولية ودية مصغرة، يستضيفها كيان العدو في الفترة من 12-17 ديسمبر الجاري، وأُقيمت المباراة بملعب مدينة ناتانيا المقامة على قرية “أم خالد” الفلسطينية، التي دمرها الاحتلال تماما وهجر سكانها في مارس 1948.
مشروع صهيوني
تذرعت الإمارات بعلاقاتها مع الكيان الصهيوني، بدعم عملية التسوية السلمية للقضية الفلسطينية ومواجهة الخطر الإيراني ومكافحة الإرهاب وغيرها، ولكن سير العلاقات بين الجانبين وتطورها، يكشف ما هو أبعد من ذلك، وأخطر مما هو معلن.
حيث إن هذه العلاقات تطورت بشكل كبير خلال فترة قصيرة، وتعمقت بشكل واسع ومنفصل عن القضية الفلسطينية، أو العدو المشترك إيران.
وحينما يتم الحديث عن نموذج "بيت إبراهيم" في أبو ظبي بوجود مسجد وكنيس وكنيسة، بمعنى أن كل أبناء سيدنا إبراهيم يصلون تحت سقف واحد، يقول نائب رئيس الحركة الإسلامية الشيخ كمال الخطيب إن "هذا النموذج يتم الترويج له وتعميمه بغية تنفيذه في الأقصى"، جازما أن الإمارات، ومن خلال تتبع نهجها ودورها في القدس والأقصى بالسنوات الأخيرة، لا تعمل ولا تنشط من خلال رؤية خاصة بها، بقدر ما أنها تعمل ضمن مشروع صهيوني تهويدي.
وفي خطوة تسهم في فرض السيادة الصهيونية الكاملة على القدس والأقصى، روج النظام الإماراتي للصلاة في المسجد الأقصى تحت سيادة الاحتلال، وتلاعب بالمفردات الدينية المتعلقة به، حيث تم تعريفه بالمسجد القبلي، مع موافقته على اتفاق التطبيع الذي يسمح لكل الديانات بالصلاة بساحات المسجد المبارك.
وقد تبنى اتفاق "أبراهام" العناصر الخمسة المركزية لطمس هوية الأقصى التي نصت عليها "صفقة القرن"، وأضفى عليها الاتفاق مشروعية عربية؛ فالاتفاق جاء بتسمية دينية، وكان الأقصى الموضوع الديني الوحيد في مضمونه، وأمام ذلك فليس من المبالغة القول إن "تغيير هوية المسجد يقع في القلب من الاتفاق، والتطبيع العربي اللاحق له، باعتبار الأقصى قد بات المركز الرمزي لأجندة التصفية على مستوى الهوية.
وإشارة الرئيس الأمريكي السابق "ترامب" في خطابه، قبل توقيع الاتفاق، إلى المواقع التاريخية في إسرائيل التي فتحت اتفاقية أبراهام الباب أمام المسلمين في جميع أنحاء العالم لزيارتها، والصلاة بسلام في المسجد الأقصى، تشير إلى أن الإمارات والبحرين ربما قبلتا عمليا بالقدس الموحدة عاصمة للكيان الصهيوني، تمهيدا لسيطرته على المقدسات المسيحية والإسلامية فيها.
واستخدمت شركة الاتحاد للطيران الإماراتية صورة لمجسم أسمته "الهيكل الثاني" اليهودي، في إعلان ترويجي للشركة بعنوان زيارة تل أبيب، لرحلات ستبدأ تسيرها إلى الكيان الصهيوني في مارس 2021، مع ظهور صورة لأحد الأزقة بالبلدة القديمة من القدس باعتباره أحد المعالم الصهيونية.
طعن من الخلف
وبينما لعبت الإمارات دورا مؤثرا في بيع منازل المقدسيين في البلدة القديمة في القدس، القريبة من المسجد الأقصى، للجمعيات الاستيطانية الصهيونية منذ سنة 2014، كشفت نائبة رئيس بلدية الاحتلال في القدس فلور حسن – ناحوم، في 17/10/2020، عن استعداد وتحمس إماراتي للاستثمار بنحو 700 مليون دولار في مخطط وادي السيليكون أو بالسيليكون فالي الاستيطاني، الذي يقام على أنقاض 200 منشأة تجارية مقدسية، ويهدف لإقامة منطقة صناعية حديثة، تضم 250 ألف متر مربع، ويهدف لربط قسم القدس الشرقي بالقسم الغربي، تكريسا لفكرة القدس الموحدة عاصمة للكيان الصهيوني.
حكاية التطبيع الإماراتي مع كيان العدو الصهيوني، لم تبدأ في 13 من أغسطس 2020، حين أعلن الرئيس الأمريكي السابق ترامب، التوصل إلى اتفاق سلام بين الإمارات وكيان العدو الصهيوني وتطبيع علاقاتهما بشكل كامل، ولا يوم 15 من سبتمبر 2020، حين وُقّع اتفاق التطبيع بينهما في واشنطن، ولكن قبل ذلك بأكثر من ربع قرن، وتحديدا في عام 1994.
يخبرنا بذلك السفير الصهيوني في ألمانيا، جيرمي إيسخاروف، الذي كان أول دبلوماسي صهيوني يلتقي مسؤولا إماراتيا، وهو جمال السويدي الذي كان يعمل مستشارا سياسيا لولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، وقد أنشأ وقتها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية الذي كان يُستخدم كقناة خلفية للتطبيع بين الإمارات وكيان العدو، ولعقد لقاءات بين مسؤولي العصابتين، وذلك حسب إيسخاروف الذي كان آنذاك الرجل الثالث في السفارة الصهيونية في واشنطن.
وقد تواصل معه أحد المستشارين الأمريكيين نيابة عن أبوظبي من أجل معرفة موقف الصهاينة من سعي أبوظبي إلى شراء طائرات إف 16 من الولايات المتحدة، ورغبة أبوظبي في أن تتفادى أي معوقات قد تحدث في الكونجرس بهذا الشأن.
التقى إيسخاروف بالسويدي، وتحدثا ليس فقط في ما يخص صفقة الطائرات مع واشنطن، بل في أمور أخرى كثيرة، منها كيفية تطوير العلاقات بين كيان العدو الصهيوني والإمارات في مجالات أخرى.
كان هذا يحدث، بينما تسجل الإمارات ظاهريا، سواء في القمم العربية أو لقاءات جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، التزامها دعم الشعب الفلسطيني في بناء دولته على حدود 1967، والتزام المبادرة العربية للسلام، في وقت كانت تطعن فيه الفلسطينيين من الخلف عبر لقاءات وصفقات وتحالفات مع الكيان الصهيوني.