في ظل سيطرة عسكرية على وسائل الإعلام المصرية ، قتلت روح الإبداع والتفكير الرشيد والمتزن، وغابت القضايا الجادة عن وسائل الإعلام وغابت المعالجات المنطقية لقضايا الوطن والمواطن ، ومن ثم العالم والإقليم، وبات كل هم إعلام حظيرة السيسي ، أن يهيم حول فرقعات أو قضايا الجن والسحر والعفاريت أو الفضائح والإثارة، لتسطيح عقول الشعب وتغييبه عن وعيه وواقعه المرير ، والتفكير في الخلاص من آتون حكم العسكر الذي أفقر الجميع وكبت الحريات وقمع الآراء.
فبات الإعلام المصري يبحث عن قضايا هزلية، وعلى طريقة العصافير سار الإعلام المرئي والمكتوب والمسموع ، للبحث عن قضايا خلافات الزوجين ، وزواج المحلل الذي تزوج بثلاثين سيدة، ثم جرى كشف الكذبة وأنها جاءت بترتيب من مُعدي ومقدمي برنامج الإعلامي المقرب من السيسي شريف عامر على قناة إم بي سي مصر، ومر الموضوع مرور الكرام، بلا أي محاسبة للإعلامي أو فريق إعداده.
وخرج العنتيل المحلل ليفضحهم بعد أن أخلّوا باتفاقهم، سواء بمنحه المال وحمايته من المساءلة القانونية التي وجد نفسه أمامها.
ومع مأساة الحرب الروسية التي بدأت أمس على أوكرانيا ، وبدء الإعلان عن توغل روسي بالأراضي الأوكرانية ومقتل العديد من المدنيين، تفتق ذهن الإعلام العسكري، بجريدة الوفد التي باتت مقربة من العسكر للسخرية من معاناة الأوكرانيات في مشهد إسفافي غير مسبوق.
ونشر موقع "الوفد" ماد ة إخبارية كان عنوانها "لا تتسرع في الزواج، ستكون هناك نازحات ولاجئات أوكرانيات قريبا" ونشرها حساب الموقع على مواقع التواصل مع تعليق "بيتنا مفتوح ليكم ، خفة دم المصريين تتحدى الحرب بانتظار الفتيات الأوكرانيات" وهو ما يمثل إساءة كبيرة للنساء، وشماتة بضحايا الحرب، وإفلاسا يعاني منه الإعلام المصري، في ظل قيود كبيرة على المحتوى.
وتتبع صحيفة وموقع "الوفد" الحزب الذي يترأسه المستشار بهاء الدين أبو شقة، الوكيل الأول لمجلس شيوخ الانقلاب، والموالي لنظام عبد الفتاح السيسي، ويرأس مجلس إدارة الصحيفة هاني سري الدين، سكرتير عام الحزب، ويرأس تحريرها وجدي زين الدين.
فيما اعتبر مراقبون أن المادة المنشورة تمثل قمة الاستهزاء واللا إنسانية ، والتي لا تعبر إلا عن عقلية الرقيب العسكري المنحرف، الذي يبحث عن أي ترند عبيط لإشغال الشباب المصري، الذي يعاني الفقر والبطالة وقلة الحيلة، وضعف الإمكانات وصعوبات الحياة وعدم القدرة على الزواج.
وعلى الصعيد الرسمي، ما زالت مصر تائهة دون التوصل لموقف رسمي بين المعسكر الروسي والمعسكر الغربي. خشية أن يؤثر ذلك الموقف في ما بعد على علاقتها بأي من الأطراف الدولية المتورطة في الأزمة.
واكتفت الخارجية المصرية بالدعوة إلى "تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية والمساعي التي من شأنها سرعة تسوية الأزمة سياسيا بما يحافظ على الأمن والاستقرار الدوليين، وبما يضمن عدم تصعيد الموقف أو تدهوره، وتفاديا لتفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية وأثرها على المنطقة والصعيد العالمي".
ومن داخل "المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية" التابعة للمخابرات العامة، والتي تمتلك معظم وسائل الإعلام في مصر، أكدت مصادر أن تعليمات صدرت من قبل الجهاز إلى رؤساء تحرير ومسؤولي الصحف والمواقع والقنوات، بضرورة التعامل بحيادية تجاه الحرب الدائرة على الحدود الأوكرانية الروسية، وعدم تبني موقف أي من الجبهتين.
كما أن التناول الإعلامي للأزمة يترجم الموقف الرسمي الحذر مما يحدث، إذ أن الإدارة المصرية التي تعتبر روسيا حليفا إستراتيجيا لها، لا ترغب في تبني موقف حلف الناتو، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تعتبرها أيضا حليفا استراتيجيا بالنسبة إلى مصر.
ويعبر المشهد الإعلامي المصري إزاء الحرب ، عينة من التوهان وضياع البوصلة والتجرد من الإنسانية وإلهاء المصريين بقضايا فرعية لاتمت لواقعهم بصلة.