“فورين بوليسي”: صندوق النقد الدولي شريك لحكومة السيسي في الأزمة الاقتصادية

- ‎فيأخبار

نشرت مجلة “فورين بوليسي” تقريرا سلطت خلاله الضوء على الأزمة الاقتصادية في مصر، وفشل برامج صندوق النقد في انتشال مصر من أزمتها الاقتصادية.  

وبحسب التقرير، مرت ست سنوات منذ أن أطلق صندوق النقد الدولي أول برنامج قرض له في مصر وفي غضون ذلك، بدأ صندوق النقد الدولي برنامج قرض ثان، وهو الآن على وشك البدء في برنامج ثالث.

وقال التقرير إنه “من الواضح أن هناك شيئا خاطئا في مصر، ولكن المشكلة الأعمق قد تكمن في صندوق النقد الدولي، مضيفا أن إخفاقات صندوق النقد الدولي في مصر هي قصة تحذيرية، تسلط الضوء على أوجه القصور الصارخة في النهج الحالي للصندوق في التخطيط الاقتصادي”.

وأضاف التقرير أن نظام السيسي أمضى السنوات العديدة الماضية في استخدام قدرة البلاد الواسعة على الوصول إلى الائتمان لتمويل مجموعة واسعة من المشاريع العملاقة ومشاريع البنية التحتية التي لم تتم دراستها بشكل جيد والتي غالبا ما تم التعاقد عليها مباشرة مع الشركات المملوكة للنظام، وخاصة الشركات المملوكة للجيش، وهكذا أصبحت الدولة المصرية مثقلة بمبلغ لا يمكن تحمله من الديون التي استهلكت خدمة الفائدة وحدها بانتظام حوالي نصف إيرادات الدولة، وفي الوقت نفسه، كانت الشركات المملوكة للنظام معفاة بشكل عام من ضرائب الشركات وضريبة القيمة المضافة والجمارك، مما حرم الدولة من مصادر الإيرادات التي تشتد الحاجة إليها.

وأوضح التقرير أن الكسب غير المشروع كان صارخا ومدمرا للصحة المالية للدولة إلى الحد الذي جعل برنامج صندوق النقد الدولي الجديد يفرض قيودا محددة على حكومة السيسي التي تبدأ مشاريع جديدة، يبدأ البرنامج الجديد أخيرا في التطرق إلى الحوكمة الواضحة والمصادر الاقتصادية السياسية للمشاكل الاقتصادية الطويلة الأمد والمتنامية في مصر، بما في ذلك الإمبراطورية الاقتصادية الآخذة في التوسع للجيش المصري، المشكلة هي أنه في الوقت الذي استغرقه صندوق النقد الدولي للبدء في التفكير في استجابة جادة لهذه القضايا الصارخة، زاد النظام الدين الخارجي لمصر بأكثر من 100 مليار دولار.

لم يحدث هذا على الرغم من صندوق النقد الدولي ولكن بسببه، وقد تيسرت قدرة الانقلاب على اقتراض مثل هذه المبالغ الضخمة من خلال تأييد الصندوق المستمر وإشادته بإصلاحاته الاقتصادية، بدءا من أول برنامج قروض سيئ التصميم، والذي أعلن صندوق النقد الدولي أن مصر أكملت بنجاح في يوليو 2019 على الرغم من ادعاءات نجاح حكومة السيسي، اضطرت البلاد في عام 2020 إلى العودة إلى صندوق النقد الدولي للحصول على حقنتين من النقد تصل إلى ما يقرب من 8 مليارات دولار من التمويل الإضافي، جاء ذلك بعد أن فر المستثمرون القلقون في الديون المصرية من البلاد بنحو 14 مليار دولار في ستة أسابيع فقط في بداية جائحة كوفيد-19.

وأشار التقرير إلى أنه في ديسمبر الماضي، وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على برنامج قرض آخر لحكومة السيسي، مع 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي و14 مليار دولار أخرى كتمويل إضافي من شركاء الانقلاب الدوليين والإقليميين، في وقت سابق من العام، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، خرج المستثمرون فجأة من مصر بحوالي 20 مليار دولار، وفي العام الماضي، حذرت كل من بلومبرج وتقرير أطلس التحول العالمي الصادر عن بنك أمريكا من أن مصر من بين أكبر خمس دول معرضة لخطر التخلف عن السداد.

بالنسبة لمؤسسة مالية تركز في المقام الأول على تنفيذ برامج تهدف إلى تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي، فإن هذا يمثل الكثير من الهشاشة في قصة النجاح المفترضة لصندوق النقد الدولي.

وتابع “يمكن للمرء أن يجادل بشكل معقول بأن الوباء والغزو الروسي لأوكرانيا كانا لحظات فريدة تاريخيا أنتجت صدمات استثنائية لم تكن خطأ حكومة السيسي أو صندوق النقد الدولي، المشكلة هي أن معظم أهداف صندوق النقد الدولي الأخرى في برنامج 2016 كانت تظهر بالفعل علامات الفشل في عام 2019”.

وأردف “كان الهدف الرئيسي للبرنامج هو تحقيق نمو يقوده القطاع الخاص في مصر، ومع ذلك، في الشهر الذي سبق النجاح المعلن لصندوق النقد الدولي، أظهرت استطلاعات مؤشر مديري المشتريات لبنك الإمارات دبي الوطني أن القطاع الخاص انكمش بالفعل، في الواقع، انكمش القطاع الخاص في مصر لمدة 75 شهرا من أصل 84 شهرا الماضية أو سبع سنوات، كان برنامج 2016 يهدف إلى خلق فرص عمل وزيادة المشاركة في سوق العمل، وخاصة بين النساء والشباب، في الواقع انخفضت المشاركة الإجمالية في القوى العاملة من 47 في المائة في عام 2016 إلى 42 في المائة بحلول عام 2019، وخلال تلك الفترة، انخفضت مشاركة القوى العاملة خاصة بين النساء والشباب، حيث انخفضت من 23 في المائة إلى 16 في المائة ومن 30 في المائة إلى 22 في المائة على التوالي. وقال صندوق النقد الدولي إن “قرضه لعام 2016 سيعزز النمو الشامل في عام 2016 ، كان معدل الفقر 27.8 في المائة ، وارتفع إلى 29.7 في المائة في 2019-2020 ، وفقا للإحصاءات الحكومية، قدر البنك الدولي في عام 2019 أن 60 في المائة من المصريين يعيشون بالقرب من خط الفقر أو تحته”.

وأكمل التقرير “في اعتراف متأخر بالمشاكل الهيكلية التي تركت دون معالجة، يبدو أن صندوق النقد الدولي قد ابتعد أخيرا عن اختزال أداء حكومة السيسي الضعيف إلى الصدمات الخارجية، مشيرا في تقرير البرنامج الأحدث إلى أن اندلاع حرب روسيا على أوكرانيا بلور ضغوطا موجودة مسبقا”، معترفا بأن المشاكل المركزية التي تقوض الاقتصاد المصري كانت في مصر وليس بسبب الصدمات الخارجية. ومع ذلك، يأتي هذا بعد عدة سنوات من إشادة صندوق النقد الدولي ومساهميه بشكل لا يمكن الدفاع عنه بالأداء الاقتصادي لحكومة السيسي، مما ساعد النظام على إثراء نفسه بشكل واضح مع تدمير الصحة المالية للدولة المصرية وإفقار السكان، الذين اضطروا إلى التعامل مع نوبات متكررة من التقشف، والتضخم الذي تجاوز في بعض الأحيان 30 في المئة، والانهيار المتكرر لعملة البلاد”.

وواصل التقرير، إن قادة مصر مسؤولون عن أفعالهم ضد مصالح البلاد وسكانها، لكن صندوق النقد الدولي ومساهميه مسؤولون أيضا عن الدور الذي لعبوه في تمكين، وفي حالة بعض المساهمين، الاستفادة من هذه الديون المدمرة التي غذت فورة الإنفاق، لم ينفق جنرالات مصر فقط لإثراء أنفسهم، لقد أنفقوا لكسب الأصدقاء في العواصم الرئيسية، من عام 2012 إلى عام 2021، حصلت مصر على ما يقرب من 12.3 مليار يورو حوالي 13.2 مليار دولار من طلبات الأسلحة من فرنسا، أي ما يقرب من الاتحاد الأوروبي بأكمله في نفس الفترة، في عام 2021، وهو عام قياسي لصادرات الأسلحة الألمانية، ذهب 46 في المائة من صادرات الأسلحة الألمانية إلى مصر”.

واستطرد التقرير “يجب أن تكون هناك مساءلة في صندوق النقد الدولي، إذا افترضنا أفضل ما في الصندوق، فقد كان غير مستعد بشكل يرثى له وغير مجهز في عام 2016 لتصميم برنامج لمصر، هذا البرنامج الثالث لافت للنظر لأنه يجرؤ أخيرا على محاولة كبح جماح الكسب غير المشروع الموجه من قبل النظام، ولكن من اللافت للنظر أيضا أن الأمر استغرق ثلاثة برامج وأكثر من ست سنوات حتى يدرك الصندوق أن هذا كان ضروريا، يحتاج صندوق النقد الدولي إلى عدد أقل من الاقتصاديين والمزيد من المتخصصين والاقتصاديين السياسيين وعلماء الاجتماع والمؤرخين لبناء برامج المستقبل، كان بإمكان أي خبير اقتصادي سياسي يعمل في الشأن المصري تحديد العديد من هذه المخاطر، قبل وقت طويل من صرف الشريحة الأولى في عام 2016”.

وأضاف التقرير “الأدبيات الاقتصادية والسياسية عن مصر واسعة النطاق، كان الاقتصاديون السياسيون يكتبون عن الإمبراطورية الاقتصادية الإشكالية والراسخة بشكل متزايد منذ عقود، حدد كتاب نشره البنك الدولي منذ عام 2004 أن النساء في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – وخاصة في مصر – يعتمدن على التوظيف في القطاع العام كمحرك لمعدلات مشاركتهن المتزايدة في القوى العاملة، وكما كان متوقعا، أدت الوصفة الروتينية لصندوق النقد الدولي بخفض فاتورة الأجور العامة إلى انخفاض حاد في مشاركة المرأة في القوى العاملة، كان ينبغي توقع هذا الخطر ومعالجته في تصميم البرنامج. وبدلا من ذلك، تركت مشاركة المرأة في القوى العاملة لتنهار بشكل حاد ولم تظهر بعد أي علامة على التعافي”.

وأوضح أن “التنمية تشكل تحديا للعمل في ظل أفضل الظروف، ولكن تجاهل أو عدم إدراك مجموعة الأدبيات الموجودة التي كان ينبغي أن تسمح لمخططي الصندوق بتوقع فشل برامجهم أمر لا يغتفر، إن التعلم أثناء العمل بينما يقع ملايين المصريين في براثن الفقر ودولتهم مثقلة بالديون المستخدمة لتمويل مشاريع الغرور مثل أطول برج في إفريقيا ، وأطول خط سكة حديدية أحادية في العالم ، وسلسلة من القصور الرئاسية الجديدة لحاكم البلاد الاستبدادي الوحشي أمر غير مقبول. إن صندوق النقد الدولي، كما يصف غالبا، يحتاج بنفسه إلى “إصلاحات بنيوية عميقة”، ويتعين عليه أن ينفذها بسرعة، وإلا فإنها مسألة وقت فقط حتى تفتقر دولة أخرى بينما قادة البلاد يفركون أصابعهم، كما لو أن الصندوق لم يشارك في المسؤولية عما حدث”.

 

https://foreignpolicy.com/2023/02/14/egypt-imf-bailout-economists/