كتب الدكتور عبد المنعم سعيد منذ أيام، مقالاً بعنوان "الإخوان المسلمون.. وضع الجماعة بين الليلة والبارحة" ، يصف فيه جماعة الإخوان المسلمين بأنها "تشكل خطرًا كبيرًا على الدولة القومية، وقدرتها على التقدم التنموي والحضاري"، وأن "الجمود التنظيمي لجماعة الإخوان منعها من الانفتاح على المجتمع"، مشيراً إلى ورشة عمل نُظمت في ٤ سبتمبر ٢٠١٣ ناقشت مستقبل جماعة الإخوان المسلمين، ليقرر بعدها أن نتيجة الصراع الذي استمر لعشر سنوات (2013-2023) كان بين من ينتصر "للدولة المصرية وتماسكها"، وبين من "يدافع بشراسة عن بقاء الإخوان في السلطة"، وأن "الرفض الشعبي الكاسح لوجود الإخوان في الحكم" كان هو السيناريو الراجح طوال هذه السنوات العشر، جاعلاً من سنة 2013 نقطة الأساس التي بني عليها تصوراته!
عبَّرت مقالة الدكتور عبد المنعم سعيد عن حالة ثقافية تصنع الأزمة دون أن تكون سبباً فى حلها، إذ غابت فيها العديد من الحقائق والبديهيات. فنظرة متأملة على حصاد ثلاثة عقود من حكم مبارك، تبين بجلاء أن الإخوان المسلمين هم الذين أعادوا الإعمار لبيئة اجتماعية وسياسية، تهدَّمت بفعل الاستبداد والانفراد بالسلطة فيما مضى، وهذا يزيد من قوة الدولة وعافيتها بدون شك، وذلك حين تحرَّكوا في الهامش المتاح من الحرية النسبية أيام مبارك، وأبرز مثالين على ذلك، ما حدث فى النقابات المهنية هو يمثل أبرز أشكال المجتمع المدني المصري، وما حدث فى الانتخابات البرلمانية.
عانى العمل النقابي من جمود لفترة طويلة بفعل تدخلات السلطة من جهة، وغياب المبادرة من أهل المهنة من جهة أخرى، ولم ينكسر هذا الجمود إلا بداية من عام 1984، حين شارك الإخوان المسلمون في العمل النقابي، فحازوا حينها على 40% من الأصوات في انتخابات نقابة الأطباء، وتزايدت تلك النسبة خلال ست سنوات إلى 71% في عام 1991.
وفي انتخابات نقابة المهندسين، حقق الإخوان المسلمون طفرة هائلة في فوائضها المالية، فتضاعفت من 230 جنيه مصري في عام 1986 إلى 15 مليون جنيه في عام 1994.
أزعج ذلك النشاط سلطة مبارك، فأصدرت القانون رقم 100/ لسنة 93، الذي اشترط تصويت نصف عدد أعضاء الجمعية العمومية لأية نقابة لكي تصح الانتخابات، فزاد أعضاء النقابات المهنية من حضورهم فى الانتخابات، فقامت سلطة مبارك بإحالة القيادات النقابية في جماعة الإخوان المسلمين إلى المحاكمات العسكرية عام 1995، ليكون ذلك مقدمة لتجميد العمل النقابي فى مصر!
وفي الحياة السياسية، أدى انخراط الإخوان المسلمين فيها، إلى إعادة إحيائها، بعد موات فترة الحكم الناصري، ففي انتخابات عام 1976، دعم الإخوان المسلمون ترشيخ اثنين، (الشيخ صلاح أبو اسماعيل) و(عادل عيد المحامي) وقد فاز كلاهما، وواصل الإخوان المسلمون نشاطهم السياسي منفردين ومتحالفين، حتى وصلوا إلى الذروة فى عام 2005، عندما حصد الإخوان المسلمون 88 مقعد، متفوقين بذلك على كل الأحزاب السياسية مجتمعة، فما كان من سلطة مبارك إلا أن قامت بتزوير فاضح في انتخابات مجلس الشعب عام 2010، مما ساهم – مع عوامل أخرى – في اندلاع ثورة يناير 2011. وطوال هذه العقود الثلاثة، كان الإخوان المسلمون ضيوفا دائمين على سجون مبارك! وبعد ثورة يناير 2011، فاز الإخوان المسلمون بخمس استحقاقات انتخابية، انتقلت بها الشرعية إلى الشعب، فما كان من الجيش إلا أن انقلب على المسار الديمقراطي!
فخرج الإخوان المسلمون مع غيرهم من أبناء الشعب، انتصاراً للديمقراطية، ودفاعاً عن شرعية اكتسبوها بثورة يناير.
فهل كان إعطاء الشعب المصري صوته لمرشحي الإخوان المسلمين في النقابات المهنية والانتخابات النيابية، دليلاً على انعزال الإخوان عن المجتمع أم انفتاحهم عليه؟! وهل كانت الحياة التي دبَّت في أطراف مؤسسات المجتمع المدني والحياة السياسية من بعد مواتٍ، قوة تُضاف إلى الدولة، أم ضعفٌ يخصم منها؟! وهل كان الصراع طوال هذه الفترة، بين الدولة وبين الإخوان، أم بين الاستبداد وبين شعب يتطلع إلى الحرية؟!
وطوال تلك الفترة التي اختار فيها الإخوان المسلمون الانحياز لشعبهم وتطلعاته، اختار الدكتور عبد المنعم سعيد وآخرون، الوقوف فى صف السلطة! فكان الدكتور عبد المنعم سعيد عضواً بارزاً في لجنة السياسات الحزب الوطني، ثم عضواً في مجلس الشيوخ التابع لانقلاب 2013، وعبَّر عن انحيازاته في أغسطس 2015 حين قال: "إن السيسي تحقق معه المستحيل، حين اجتمع عليه كل الناس من أسوان إلى الاسكندرية، مما جعله اختياراً إلَهياً! "
يعد الدكتور عبد المنعم سعيد جزءا من ظاهرة تكررت بين المثقفين الذين يقتربون من السلطة، وقد تحدث عنها الكاتب صلاح عيسى في كتابه" مثقفون وعسكر"؛ الصادر عام 1986.
تخسر مصر كثيراً، عندما ينحاز بعضُ مثقفيها إلى سلطة؛ تصل إلى الحكم على دماء المصريين، وتستقر فيها بالقمع وبمثقفين يبررون لها ويدافعون عنها.