قال د. سعيد صادق الخبير الاستراتيجي بالشرق الأوسط للموقع الأمريكي للأبحاث السياسية "المجلس الأطلسي" إن "..القاهرة لا تسعى إلى مواجهة مع الولايات المتحدة، وتحرص على الحفاظ على السلام مع "إسرائيل". ورغم أن هذا صحيح على الأرجح، إلا أن سلسلة الاستفزازات الأمريكية الأخيرة تختبر صبر القاهرة".
وأضاف "إذا نفذ ترامب تهديده بخفض المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر، فستلجأ القاهرة إلى مصادر أخرى للحصول على الدعم”، مضيفاً أن هذا على الأرجح تكتيك يهدف إلى تأمين المساعدات العسكرية الأمريكية أو إقناع واشنطن برفع قيودها على تحديث سلاح الجو المصري.
وفي حين لم تُخفِ القاهرة استراتيجيتها لتنويع مشترياتها الدفاعية، يبدو أنها تشعر بإحباط متزايد إزاء القيود الأمريكية على تحديث أسطولها من طائرات إف-16.
ولفت تقرير "الأطلسي" إلى ما نشرته الهيئة العامة للاستعلامات المصرية على صفحتها الرسمية على فيسبوك مقطع فيديو لطائرات مقاتلة صينية من طراز J-10C وطائرات نقل صينية من طراز Y-20 أثناء إجراء التدريبات العسكرية المشتركة، وهو ما قد يُشير إلى طموحات مصر في تعزيز قدراتها الدفاعية الجوية. وكانت وزارة الدفاع الأمريكية قد تراجعت عن وعد ترامب ببيع مقاتلات الشبح F-36 لمصر في أغسطس 2024.
وأوضح صادق بأن الولايات المتحدة حذرة في عدم السماح لمصر بشراء طائرات مقاتلة متطورة، “لأن ذلك من شأنه أن يُقوّض القوة العسكرية لـ"إسرائيل”. وإذا صحّت بعض التقارير الإعلامية التي تُفيد بأن صفقة أسلحة بين مصر والصين تتضمن بيع طائرات J-10C قيد الإعداد، فمن المرجح أن تُفاقم هذه الخطوة التوترات بين الولايات المتحدة ومصر، وربما تُخاطر بفرض عقوبات أمريكية على مصر.
أمواج مضطربة
وقال صادق لتقرير المجلس الأطلسي الذي جاء بعنوان "أمواج مضطربة – صبر مصر الذي يكاد ينفد مع الرئيس ترامب": إن "تحول في العلاقات الأمريكية المصرية في أدنى مستوياتها منذ عقود"، لافتا إلى أن هذه التغييرات تمثل أيضاً تحولاً صارخاً في الأدوار حيث كانت الولايات المتحدة تقدم لمصر تقليدياً المساعدة الاقتصادية والمساعدات العسكرية في مقابل أمن "إسرائيل"؛ وهي الآن تطالب بالانتقام من حليفتها القديمة في الشرق الأوسط"، بحسب ما نقل التقرير.
وأضاف أنه على مدار العام والنصف الماضيين، تسببت هجمات الحوثيين على سفن الشحن التجاري في البحر الأحمر في اضطراب كبير في حركة الملاحة البحرية، مما زاد من الضغط على الاقتصاد المصري المتعثر أساساً. وقد انخفضت عائدات قناة السويس بأكثر من 60% نتيجة للهجمات، التي كان من المفترض أن تكون رادعاً لحرب إسرائيل على قطاع غزة. ومن شأن التنازل عن رسوم السفن الأمريكية – التي يُقال إنها تمثل حوالي 10 إلى 20% من حركة المرور في الممر المائي الحيوي – أن يوجه ضربة جديدة للمالية المتضائلة بالفعل لهيئة قناة السويس، وبالتالي لخزائن الدولة في وقت تعاني فيه مصر من أزمة في العملات الأجنبية.
وقال إنه "لم يكن هناك أي رد رسمي من القاهرة على طلب ترامب المثير للجدل بالعبور من قناة السويس دون دفع أي رسوم مقابل ذلك، إلا أن هذه الدعوة أثارت غضباً بين المعلقين والمشرعين المصريين. ففي منشور نشره في حسابه على منصة إكس، انتقد مصطفى بكري، الصحفي المؤيد للحكومة وعضو البرلمان، اقتراح ترامب ووصفه بأنه “ابتزاز“. وأشار إلى أن تصريحات ترامب كانت على الأرجح ردا على رفض القاهرة لخطة الرئيس الأمريكي لنقل الفلسطينيين إلى مصر والأردن – وهي الخطوة التي حذر وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي من أنها ستهدد بشكل خطير الاستقرار الإقليمي وتؤدي إلى عودة ظهور الجماعات الإسلامية المتطرفة".
الطمع بقناة السويس
واعتبر التقرير أن إدعاء ترامب "أنه ما كان لقناة السويس أن توجد لولا الولايات المتحدة، وهو ادّعاءٌ أثار ردود فعلٍ غاضبة من المحللين والأكاديميين المصريين الذين اعتبروه تحدياً لسيادة القاهرة على القناة. ففي مقابلةٍ تلفزيونيةٍ بُثّت على القناة الفضائية المصرية “تن”، انتقد علي الدين هلال، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، تصريحات ترامب ووصفها بأنها “عدائية” و”خالية من الحقائق التاريخية”. وذكّر هلال بأن قناة السويس، التي افتُتحت رسمياً عام 1869، حُفرت بأيدي المصريين في وقتٍ كانت الولايات المتحدة تخرج فيه من الحرب الأهلية"..
وكانت شركة السويس، التي أسسها الدبلوماسي الفرنسي فرديناند ديليسبس لهذا الغرض تحديداً، قد أشرفت على بناء القناة، وهي طريق تجاري رئيسي بين أفريقيا وآسيا.
وتزايد إحباط واشنطن من القاهرة برفض الأخيرة الرضوخ للضغوط الأمريكية للمشاركة في الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد الحوثيين. وأصرت القيادة المصرية على أن التهديد البحري سيتلاشى بمجرد سريان وقف إطلاق النار في غزة.
وأشار صادق إلى أن القاهرة “تشكك في أن القصف الأمريكي والبريطاني للبنية التحتية للحوثيين في اليمن سيحقق هدفه المنشود في ردع هجمات الحوثيين، رغم مزاعم الولايات المتحدة بأن عملياتها في اليمن تُضعف قدراتهم العسكرية“.
وعزّز الهجوم الحوثي الأخير على إسرائيل الذي جرى في 4 مايو، حين سقط صاروخ قرب مطار بن غوريون في تل أبيب، متسبباً في إغلاقه لعدة ساعات، اعتقاد القاهرة بأن الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد جماعة الحوثي في اليمن قد فشلت في تدمير أو إضعاف قدراتها. وفي 26 مايو، أعلن ترامب عن توقف العملية العسكرية ضد الحوثيين بعد تقارير زعمت بأن جماعة الحوثي “أبلغت” الولايات المتحدة بأنها لم تعد ترغب في القتال.
تهديد قطع المساعدات
وتوترت العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر بعد أن هدّد ترامب بقطع المساعدات عن مصر والأردن إذا رفض الحليفان الأمريكيان القديمان خطته لتهجير الفلسطينيين. ودفعت هذه التهديدات الجنرال عبد الفتاح السيسي إلى إلغاء زيارة كانت مقررة له إلى الولايات المتحدة في 18 فبراير.
وأشار المجلس إلى أن عدم زيارة ترامب لمصر أثناء زيارته للشرق الأوسط (إلى المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة) أدى أيضاً إلى اتساع هوة الخلاف بين واشنطن والقاهرة. وقد أسفرت هذه الجولة لترامب في المنطقة بالفعل عن صفقة أسلحة بقيمة 142 مليار دولار مع الرياض، والإعلان التاريخي عن رفع الولايات المتحدة للعقوبات المفروضة على سوريا.
ولفت إلى تقارير تفيد بأن السعودية تدرس عرض قاعدة عسكرية أمريكية على جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر، مما يزيد من حدة التوتر مع القاهرة. ومن شأن وجود قاعدة أمريكية هناك أن يُمكّن واشنطن من مراقبة تهريب الأسلحة من إيران إلى لبنان وغزة، ولكنه سيُقوّض سيادة مصر على قناة السويس.
وفي مقطع فيديو تم بثه على قناة بي بي سي العربية، نفى سمير فرج، الخبير الاستراتيجي البارز في المجلس الاستشاري للأمن والدفاع في مصر، هذه الشائعات ونعتها أنها “مؤامرة من “الإخوان المسلمين” تهدف إلى تأجيج التوترات بين مصر والسعودية من جهة، ومصر والولايات المتحدة من جهة أخرى”، مؤكداً أنه لا يوجد أي حديث عن قاعدة أمريكية على الجزيرتين.، بحسب المجلس الأطلسي.
وقلّل فرج من شأن الخلاف بين مصر والولايات المتحدة، وقال إن هناك مفاوضات جارية بين القاهرة وواشنطن لتسوية أي خلافات بينهما.
ودأبت القاهرة في الأسابيع الأخيرة على التقرب من الصين، غريمة الولايات المتحدة اللدودة. وقد أشارت أول مناورات عسكرية مشتركة بين القوات الجوية المصرية والصينية، التي أُجريت في المجال الجوي المصري من 19 إبريل إلى أوائل مايو، إلى تعزيز التعاون الأمني بين البلدين. ويشير بعض المحللين إلى أن التدريب العسكري المشترك كان يهدف إلى توجيه رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أن القاهرة لديها خيارات أخرى.
والمجلس الأطلسي مؤسسة بحثية أمريكية غير حزبية تُعنى بالشئون الدولية ومقرها (واشنطن دي سي).