شهد الجنيه المصري خلال الأيام الأخيرة تحسناً نسبياً في قيمته، عقب الإعلان عن صفقة مراسي البحر الأحمر مع شركات سعودية وإماراتية، التي قُدّر حجمها بأكثر من 20 مليار دولار، بينها ودائع خليجية لدى البنك المركزي.
غير أن هذا الهدوء في سوق الصرف لا يبدو سوى استراحة قصيرة قبل عاصفة متوقعة، إذ تتصاعد التقديرات بأن النظام يستعد لتعويم جديد للجنيه، بما يحمله ذلك من خراب اقتصادي وتضخم متصاعد وغلاء ينهش ما تبقى من دخول المصريين.
التجارب السابقة ترسم صورة قاتمة: ففي فبراير/ شباط 2024، ضخت الإمارات 35 مليار دولار عبر صفقة رأس الحكمة، هدّأت السوق مؤقتاً، ثم سرعان ما تهاوى الجنيه من 30 إلى 50 جنيهاً للدولار، في واحد من أعنف الانهيارات منذ تعويم 2016. السيناريو ذاته تكرر مراراً منذ تدفقات الخليج الكبرى عام 2015، التي أعقبها أول زلزال في سوق الصرف بتعويم الجنيه إلى 19 جنيهاً مقابل الدولار.
تعويم لخدمة الدائنين لا الشعب
يطرح اقتصاديون تساؤلات ملحّة: لماذا يتبع كل تدفق ضخم من العملة الصعبة انهيار لاحق للجنيه؟ الإجابة الأقرب أن النظام يستخدم هذه التدفقات كغطاء لقرارات التعويم، تلبية لضغوط صندوق النقد والممولين الخليجيين، الذين يدفعون باتجاه "سعر صرف مرن" يعكس فجوة العرض والطلب، حتى لو كان الثمن سحق القوة الشرائية للمصريين.
الخبير المصرفي محمد عبد الهادي يرى أن استقرار الجنيه الحالي هش، قائم على تدفقات مؤقتة مثل الأموال الساخنة – أكثر من 45 مليار دولار – التي يمكن أن تُغادر فجأة وتترك فجوة يصعب سدها. ويضيف أن سعر الدولار قد ينخفض إلى 42 جنيهاً مؤقتاً، لكن الأساسيات لا تدعم استقراراً طويلاً.
أما الخبير الاقتصادي هاني أبو الفتوح فيؤكد أن أي تعويم جديد لن يجلب سوى الخراب، لأنه يرفع قيمة الديون الخارجية وكلفة الاستيراد، فيما يتحمل المواطن العبء الأكبر عبر موجات غلاء وتضخم لا تنتهي.
استقرار مصطنع وسيناريو مكرر
الخبير عبد النبي عبد المطلب يصف الوضع الراهن بأنه "استقرار إداري موسمي"، قائم على موسم السياحة والتحويلات وصفقة مراسي، وليس على زيادة إنتاجية أو نمو في الصادرات. ويذكّر بأن صفقة رأس الحكمة الضخمة أعقبها تعويم مدمر، ما يجعله يتوقع تكرار السيناريو ذاته قريباً.
حتى الآراء التي تقلل من احتمالات التعويم الفوري، مثل الخبير هاني عادل، تعترف بأن الحديث عن استقرار طويل الأمد للجنيه "سابق لأوانه"، لأن السوق عرضة لهزات خارجية قد تدفع البنك المركزي لتحريك سعر الصرف مجدداً.
فقاعة قصيرة العمر
كل المؤشرات توحي بأن صعود الجنيه الحالي ليس إلا فقاعة قصيرة العمر، يسبق انفجاراً جديداً عبر تعويم وشيك، يفتح أبواب التضخم والغلاء على مصراعيها. النظام، الذي يواصل جباية الشعب وإرضاء الممولين، يكرر ذات السياسات الكارثية منذ انقلاب 2013: ترقيع مؤقت يليه انهيار أكبر، بينما يدفع المصريون الثمن من أقواتهم ومدخراتهم ومستقبلهم.