في زمن الكوارث التي لا تتوقف في عهد الانقلاب لا توجه أي عناية أو اهتمام لأغلبية الشعب المصري من الفقراء والغلابة والذين يعيشون تحت خط الفقر، ورغم أنهم يمثلون أكثر من 80% من المصريين إلا أنهم لا يجدون من يحميهم أو يساعدهم على الخروج من هذه الكوارث، أو مواجهتها أو تحذيرهم منها قبل حدوثها أو مساعدتهم بعد حدوثها وتضررهم منها .
ورغم أن حكومة الانقلاب تزعم أنها توجه الكثير من الاستثمارات لتحديث أنظمة الرصد والإنذار المبكر، إلا أن الكوارث المتكررة تكشف أن المواطنين في القرى النائية، والمناطق العشوائية، والأحياء الفقيرة، يظلون بلا حماية ولا معلومة، وكأنهم خارج نطاق الحسابات الرسمية.
هذا الواقع القاسي يتناقض مع ما يُطرح في الخطاب الرسمي من خطط وتحديثات تقنية، فالمشهد على الأرض يروي قصة أخرى: إنذارات تصل إلى بعض الفئات عبر وسائل الإعلام أو شبكات التواصل، بينما يبقى آخرون في مواجهة الأعاصير والسيول والهزات الأرضية بغير سابق إنذار، فيما يتكبد مواطنون خسائر مادية ويتعرض آخرون لخطر فقدان الحياة.
محطات الرصد
في هذا السياق قال خلف عزيز، مزارع ستيني من قرية صفط اللبن، بمحافظة المنيا، إنه منذ أن بدأ العمل في الزراعة منذ أكثر من ثلاثين عامًا، لم يسمع عن شيء يُسمّى الإنذار المبكر، مؤكدا أن المزارعين لا تصلهم أي تحذيرات بشأن مواعيد الزراعة أو مواسم الحصاد، ولا حتى إذا كان هناك مطر أو سيول مقبلة.
وأكد عزيز في تصريحات صحفية أنّ غياب الربط قائم تمامًا بين المزارعين ومحطات الأرصاد الجوية، موضحًا أنه كان من المفترض أن تنظم مديريات الزراعة محاضرات أو ندوات، أو حتى مدارس حقلية تُعرّفنا بكيفية التعامل مع تقلبات الطقس اليومية .
وأشار إلى أن محطات الرصد في محافظة المنيا تقتصر على مركزي سمالوط وأبو قرقاص فقط، وهو ما يجعل الاستفادة من الإنذار المبكر محدودة للغاية، موضحا أنه رغم هذا الغياب المؤسسي، إلا أن هناك بعض المبادرات المحدودة التي حاولت سد هذا الفراغ .
وأوضح عزيز أن من الجهات التي ساعدتهم قليلًا مؤسسات مثل الهيئة الإنجيلية، حيث نظّمت ندوات، وجلبت مدرّبين، وكنا أحيانًا نتلقى رسائل نصية على الهاتف المحمول تتضمن تحذيرات أو إرشادات عند تغيّر الأحوال الجوية.
وأضاف انه في ظل حدوث تغير مناخي تؤثر درجات الحرارة المرتفعة في حبوب اللقاح، مما يضعف المحصول منذ البداية موضحا أنه في عام 1999 أُصيب محصول الفول كله باللفحة النارية وفي عام 2005 دمّر الندى محصول البطاطس، فأصابه التفحّم والتقزّم، ومنذ ذلك الحين لم نعد قادرين على زراعته مجددًا. وفي عام 2017، أُصيب الكمّون الذي زرعته باللفحة وخسرت فيه وحده 50 ألف جنيه، وآخرها كانت عاصفة أبريل الماضي، إذ ضربت محصول القمح فانخفضت إنتاجيته إلى النصف، وخسرت نحو 25 ألف جنيه.
إنذار مبكر
وبالنسبة للكوارث المناخية، أكد عزيز أنّه لم يتلقَّ أي إنذار مسبق قبل وقوعها، قائلاً: لم يكن هناك أي إنذار، ولا جهة رسمية أبلغتنا، ولا أحد جاء لتقييم أو متابعة الخسائر، وكأننا غير موجودين.
وطالب بتفعيل حقيقي لمنظومة الإنذار المبكر على مستوى القرى، وتأهيل كوادر وزارة زراعة الانقلاب ومحطات الأرصاد للتواصل المباشر مع المزارعين، ولا سيما صغارهم، من خلال المرشدين الزراعيين، مع تفعيل الدور الإعلامي ليكونوا شركاء في نقل التحذيرات، بدلاً من ترك المزارعين يواجهون الكوارث بمفردهم.
واختتم عزيز بقوله: نحن أكثر من يدفع ثمن التغيرات المناخية، ومع مرور كل عام، تتضاعف الخسائر ولا أمل فى أن تساعدنا أي جهة من حكومة الانقلاب .
نشرة الأرصاد الجوية
وأكد عصام عودة، مهندس زراعي ومزارع في الوقت نفسه، أنه لم يسمع منذ خروجه إلى المعاش قبل 7 سنوات عن أي منظومة للإنذار المبكر، ولم يصله إنذار واحد يُنبّهه إلى سيول مقبلة أو عاصفة وشيكة، رغم أن أرضه الزراعية ما تزال مصدر رزقه الوحيد.
وقال عودة في تصريحات صحفية : "لا يوجد سوى نشرة الأرصاد الجوية في التلفاز، أتابعها كما يتابعها سائر الناس ، لافتا إلى إنّه لا يزال يتذكر بوضوح اليوم الذي اجتاحت فيه قريتهم عاصفة ترابية عنيفة عام 2017، لم يكن مستعدًا، ولم يكن أحد مستعدًا، العاصفة اقتلعت الأشجار والمحاصيل من جذورها، أطاحت بالصوب البلاستيكية، حطّمت أعمدة الكهرباء، حتى محطة كهرباء جمصة انهارت، لتغرق القرية في ظلام دام أسبوعًا كاملًا، وفي تلك الليلة، خسرت كل ما زرعته في أرضي التي تبلغ مساحتها ثلاثة أفدنة ونصف".
وأضاف : خسرت ما بين 70 و80 ألف جنيه، ولم يسأل عنا أحد، مستبعدا أن تقوم أي جهة بتحذيره قبل وقوع الكارثة، فالنقص الحاد في أعداد المرشدين الزراعيين يضاعف شعوره بالعزلة ولهذا لم يعد ينتظر شيئًا من أحد، ويكتفي بمتابعة نشرة الطقس في التلفاز .
سيول 2023
وقال جارح القطعاني، مواطن أربعيني من محافظة مرسى مطروح الحدودية: إنه "يعرف منظومة الإنذار المبكر في منطقته منذ سنوات، ويؤمن بدورها الهام في التنبيه بالتغيرات المناخية والكوارث، معربا عن أسفه لأن هذا الدور تراجع منذ عام 2011، ولم نعد نتلقى التحذيرات كما كنا في السابق".
وأشار القطعاني في تصريحات صحفية إلى أن صفارات الإنذار كانت تُطلق في مختلف أنحاء المحافظة، إلى جانب تنبيهات الراديو والتلفاز، لتحذير السكان من الزلازل، كما حدث في زلزال عام 1992، أما اليوم، فالوضع مختلف تمامًا، خلال السيول التي سقطت عام 2023، لم يتم تنبيه السكان مسبقًا، مما أدى إلى خسائر مادية ضخمة.
وأضاف : لو كان هناك تحذير قبل السيول، لكنا استطعنا أن نقلل من الخسائر، مشيرًا إلى الجهود التطوعية التي لعبت دورًا حاسمًا في الاستجابة للأزمة، لكن سكان المناطق النائية لا يحصلون على المستوى نفسه من الخدمات التي يتلقاها سكان المدينة.
وأوضح القطعاني أن الاستعداد للكوارث يجب ألا يقتصر على التحذير فقط، بل يشمل أيضًا توفير ملاجئ آمنة يمكن للمواطنين اللجوء إليها، إضافة إلى ضرورة إدراج مادة تعليمية في المدارس تُعنى بالكوارث الطبيعية وكيفية التعامل معها بفعالية.