الانكماش غير النفطي فى مصر : تحسّن هشّ يعكس أزمة هيكلية عميقة

- ‎فيتقارير

 

في مؤشر جديد على عمق الأزمة الاقتصادية التي تضرب مصر تحت حكم الانقلاب منذ سنوات، أظهر مسح "ستاندرد أند بورز غلوبال" أن القطاع الخاص غير النفطي واصل انكماشه خلال أكتوبر/ تشرين الأول، وإنْ بوتيرة أضعف مقارنة بالأشهر السابقة، ليظل أداء هذا القطاع دون مستوى النمو للشهر الثالث على التوالي.

 

فقد ارتفع مؤشر مديري المشتريات (PMI) إلى 49.2 نقطة، مقارنة بـ48.8 نقطة في سبتمبر، لكنه لا يزال أدنى من مستوى 50 نقطة الذي يفصل بين النمو والانكماش.

وتشير هذه الأرقام إلى أن القطاع الخاص المصري يعيش حالة "انكماش متباطئ"، يعكس تراجعاً أقل حدة في الطلبات الجديدة والإنتاج، دون أن يعني ذلك بداية انتعاش فعلي.

 

تحسّن نسبي في التصنيع وتراجع في الخدمات والبناء أظهر المسح أن قطاع الصناعات التحويلية كان الأفضل أداءً، مسجلاً زيادة طفيفة في الطلبات الجديدة، بينما واصلت قطاعات الخدمات وتجارة التجزئة والبناء تراجعها بفعل ضعف الطلب المحلي وارتفاع الأسعار.

 

ورغم الزيادة المحدودة في التوظيف للمرة الثالثة في أربعة أشهر، فإن خلق فرص العمل ظل هامشياً، وهو ما يعكس استمرار الحذر لدى الشركات في ظل بيئة اقتصادية غير مستقرة.

 

التضخم يقضم التحسّن في المقابل، اشتدت الضغوط التضخمية بشكل لافت، إذ سجلت تكاليف مستلزمات الإنتاج أعلى وتيرة ارتفاع في خمسة أشهر، مدفوعة بأكبر زيادة في الأجور منذ عام 2020.

 

ورغم امتصاص بعض الشركات لهذه الزيادات لتفادي فقدان الزبائن، فإن ارتفاع كلفة التشغيل يهدد بعرقلة أي تعافٍ محتمل.

 

 وقال ديفيد أوين، كبير الاقتصاديين في "ستاندرد أند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس": إن "التحسّن الطفيف في الزخم المحلي لا يخفي المخاطر المستقبلية، موضحاً أن "ضغوط التكلفة قد تبطئ النشاط إذا عجزت الشركات عن استيعابها خلال الأشهر المقبلة>".

 

أزمة عملة وتراجع الطلب وراء هذه المؤشرات تكمن أزمة أعمق، تتمثل في تراجع قيمة الجنيه وارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية، إضافة إلى شحّ العملة الأجنبية وصعوبات الاستيراد التي عطلت تدفق المواد الخام.

 

وقد انعكس ذلك على تكاليف الإنتاج وأسعار السلع، ودفع العديد من الشركات إلى تقليص الإنتاج أو تجميد التوسع. وفي محاولة لاحتواء الأزمة، تواصل الحكومة تنفيذ برامج "الإصلاح الاقتصادي" المدعومة من صندوق النقد الدولي، والتي تتضمن رفع الدعم وتشجيع مشاركة القطاع الخاص وبيع أصول الدولة، في وقت يواصل فيه البنك المركزي سياسة نقدية متشددة للحد من التضخم وكبح تدهور العملة.

تحليل

 

لماذا يستمر الانكماش رغم التحسّن النسبي؟ يبدو أن الانكماش غير النفطي في مصر ليس عابراً، بل يعكس خللاً هيكلياً في بيئة الاستثمار ناجماً عن غياب الشفافية، وهيمنة المؤسسات العسكرية والأمنية على مفاصل الاقتصاد، إضافة إلى ضعف الإنتاجية وتآكل القوة الشرائية للمستهلكين. فالتحسّن الطفيف في أكتوبر لا يُعبّر عن انتعاش حقيقي بقدر ما يعكس تكيفاً قسرياً للسوق مع واقع الانكماش الطويل، ومحاولة الشركات البقاء في ظل غياب الطلب وضعف الثقة.

 

كما أن ارتفاع الأجور في ظل تراجع الإنتاج لا يعني تحسّن مستوى المعيشة، بل يُنذر بمزيد من التضخم، ما لم يصاحبه نمو حقيقي في الإنتاجية والاستثمارات.

 

 يشير المسح إلى أن الاقتصاد المصري غير النفطي يسير في منطقة رمادية بين الركود والإنهاك، حيث يستمر الانكماش وإنْ بوتيرة أضعف.

وبينما تراهن الحكومة على جذب استثمارات خارجية جديدة عبر الخصخصة، يبقى التحدي الحقيقي في استعادة الثقة المحلية وتحسين بيئة الأعمال، دون الاعتماد المفرط على الاقتراض أو بيع الأصول، وهي وصفة قصيرة الأجل لا تعالج جذور الأزمة.