في 30 نوفمبر الماضي، أعلنت باكستان استعدادها للمشاركة في قوات حفظ السلام المزمع نشرها في غزة، معتبرة أن دورها سيكون دعم الاستقرار وتعزيز السلام في المنطقة، وهو الإعلان الذي قوبل حينها بترحيب من بعض الأطراف الدولية، نظرًا لثقل الجيش الباكستاني وخبرته في بعثات الأمم المتحدة.
واليوم، جاء الموقف مختلفًا، فباكستان أوضحت أنها لن تشارك في أي عملية لنزع سلاح حركة حماس، وأن دورها – إن شاركت – سيقتصر على تعزيز السلام وحماية المدنيين. وهذا التوضيح يعكس تحفظًا سياسيًا وأمنيًا، إذ تخشى إسلام آباد أن يُنظر إليها كطرف منحاز في الصراع، أو أن تدخل في مواجهة مباشرة مع الفصائل الفلسطينية.
والموقف الرسمي ترى فيه باكستان أن مهمتها يجب أن تكون تعزيز السلام فقط، لا الدخول في صراع عسكري أو سياسي داخل غزة.
وقال نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الباكستاني (محمد إسحاق دار) في 28 الحالي إن بلاده مستعدة للمشاركة في أي جهد دولي لحفظ السلام في قطاع غزة، مؤكدًا أن هذه المشاركة – إن حصلت – لن تشمل نزع سلاح حركة حماس.
وأوضح دار، خلال مؤتمر صحفي عقده في العاصمة إسلام آباد، أمس السبت، أن موقف القيادة المدنية والعسكرية في باكستان "واضح وحاسم" حيال هذا الملف، مشددًا على أن إسلام آباد "لن تذهب إلى غزة لفرض السلام، بل لتعزيزه فقط”.
واتهم وزير الخارجية الباكستاني الاحتلال الصهيوني بخرق اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الموقع في شرم الشيخ خلال أكتوبر الماضي، مؤكدًا أن بلاده تدين هذه الخروقات وترفضها.
وأشار إلى أن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإحلال السلام في القطاع لم يُنفّذ منها سوى جزء محدود، لافتًا إلى أن النقاط العشرين الواردة في الخطة لم تتحقق كاملة.
القلق الصهيوني
كتّاب ومحللون صهاينة عبروا عن رفضهم مشاركة باكستان في قوات حفظ السلام بغزة، وكان أبرزهم ما نشرته صحيفة "إسرائيل هيوم" التي وصفت الخطة الدولية لنشر قوات باكستانية بأنها "خطيرة" و"مجنونة"، محذرة من تداعياتها الأمنية بسبب علاقات باكستان مع إيران ورفضها نزع سلاح حماس.
ومبادرة نشر 3500 جندي باكستاني في غزة وصفتها "هيوم" أنها "خطة مجنونة" واعتبرت أن وجود قوات باكستانية يعادل تهديدًا أمنيًا مشابهًا لسيطرة إيران عبر حماس.
وأشارت إلى أن باكستان أعلنت أن قواتها لن تنزع سلاح حماس، ما قد يضعها في مواجهة مباشرة مع جيش الاحتلال ودعت الحكومة "الإسرائيلية" إلى فرض "فيتو قاطع" لمنع أي مشاركة باكستانية في غزة.
شرعية إسلامية
واعتبر يوناتان فريدمان المحلل في "تايمز أوف إسرائيل" أن دخول باكستان في قوة حفظ السلام بغزة قد يمنح المهمة شرعية في العالم الإسلامي، نظرًا لثقلها السكاني والعسكري، محذرا من أن الجيش الباكستاني له سجل في الانحياز الأيديولوجي، ما قد يثير مخاوف "إسرائيل" من تحيز ضدها.
واعتبر أن مشاركة باكستان قد تكون ورقة ضغط على حماس، لكنها أيضًا قد تفتح الباب لتوترات مع الهند و"إسرائيل" وخلص إلى أن "إسرائيل" يجب أن تضع شروطًا صارمة لأي دور باكستاني، خصوصًا في ما يتعلق بالقيادة والسيطرة.
سيف ذو حدين
ووصف إيال زيسر أستاذ الدراسات الشرق أوسطية بجامعة تل أبيب مشاركة باكستان بأنها "سيف ذو حدين"، إذ يمكن أن تساعد في استقرار غزة لكنها قد تُستغل سياسيًا ضد "إسرائيل".
وأشار إلى أن باكستان تسعى لتعزيز صورتها الدولية بعد أزماتها الاقتصادية، ما يجعل مشاركتها أقرب إلى مكسب سياسي داخلي، مبينا أن "إسرائيل" يجب أن توازن بين قبول هذه المشاركة وبين ضمان عدم تحولها إلى منصة دعائية ضدها.
واعتبر "زيسر" أن وجود قوات باكستانية قد يثير حساسيات داخلية في "إسرائيل"، خاصة لدى الجمهور الذي يرى باكستان دولة معادية تقليديًا.
جيش يخضع لتأثير ديني
وانتقد المحلل الأمني ألون بن دافيد في "معاريف" بشدة فكرة إشراك باكستان، معتبرًا أن الجيش الباكستاني غير محايد ويخضع لتأثيرات دينية وسياسية، وأشار إلى تقارير عن طلب باكستان مبالغ مالية مقابل كل جندي، ما يراه دليلاً على أن الدافع ليس إنسانيًا بل اقتصادي.
وحذر من أن وجود قوات باكستانية قد يعقّد التنسيق الأمني مع "إسرائيل" ويزيد من احتمالات الاحتكاك المباشر، وقال: "إسرائيل" يجب أن ترفض أي مشاركة باكستانية إلا إذا كانت تحت قيادة دولية صارمة مثل الأمم المتحدة أو الناتو.
بوابة للتطبيع
ولما لا، كان ما طرحه شمعون شيفر الكاتب في "يديعوت أحرونوت" متبنيا موقفًا أكثر براجماتية، معتبرًا أن أي قوة إسلامية في غزة قد تساعد على تهدئة المخاوف الفلسطينية من "الاحتلال الدولي" ومعبرا عن رأيه أن إشراك باكستان قد يفتح بابًا للتواصل غير مباشر بين تل أبيب وإسلام آباد، وهو ما قد يخدم مصالح "إسرائيل" على المدى الطويل.
واستدرك مشددا على أن نجاح هذه المشاركة يعتمد على مدى التزام باكستان بالحياد وعدم الانجرار وراء أجندات إقليمية، ووصف الفكرة بأنها "مغامرة محفوفة بالمخاطر"، لكنها قد تكون فرصة إذا أُديرت بحكمة.
ويبدو أن الرفض الصهيوني الغالب في تصريحات محللي الصحف الصهيونية سببها الرئيسي هو أن باكستان أوضحت أن مشاركتها لن تشمل نزع سلاح حماس، وهو ما تعتبره "إسرائيل" شرطًا أساسيًا لأي قوة دولية، لذلك جاءت التعليقات "الإسرائيلية" لاذعة، خوفًا من أن وجود قوات باكستانية سيُنظر إليه كتحيز ضد إسرائيل.
رفض قوات تركية
وسبق أن رفض مسئولون ومحللون صهاينة مشاركة تركيا في أي قوة حفظ سلام بغزة، وصرّحوا علنًا بمواقفهم، وكان من أبرز الأصوات نتنياهو ووزير الخارجية جدعون ساعر، محللون في يديعوت أحرونوت وتايمز أوف إسرائيل، إضافة إلى تصريحات نقلتها وسائل إعلام دولية.
وقال ساعر في أكتوبر 2025 إن تركيا لن يكون لها أي دور في القوة الأمنية الدولية المقترحة لغزة وأن الجيش التركي لا يمكن أن يُنظر إليه كقوة محايدة بسبب مواقف أنقرة السياسية الداعمة للفلسطينيين.
وشدد على أن "إسرائيل" لن تقبل مشاركة أنقرة في أي خطة أمنية مدعومة من الولايات المتحدة، ووصف الموقف بأنه "خط أحمر" لحماية المصالح الأمنية "الإسرائيلية".
وكتب محللون في يديعوت أحرونوت عن أن إشراك تركيا في قوة حفظ السلام سيُنظر إليه كـ"مكافأة لأنقرة" رغم خلافاتها العميقة مع تل أبيب، مشيرين إلى أن تركيا لا تخفي دعمها السياسي والاقتصادي لغزة، ما يجعلها طرفًا غير محايد.
ومن هؤلاء هاري ثيوخاروس الكاتب في "تايمز أوف إسرائيل" الذي وصف الموقف "الإسرائيلي" بأنه "حازم وراسخ" ضد مشاركة تركيا معتبرا أن رفض "إسرائيل" هو رسالة للغرب بأن أنقرة لا يمكن أن تكون جزءًا من ترتيبات أمنية في غزة.
ولفت إلى أن "إسرائيل" ترى في تركيا طرفًا منحازًا سياسيًا ودينيًا، وليس قوة حفظ سلام محايدة. وإلى أن الرفض يعكس مخاوف أمنية عميقة من أي نفوذ تركي في القطاع.
وحذر المحللون الصهاينة من أن وجود قوات تركية قد يعرقل التنسيق الأمني ويزيد التوترات الإقليمية وخلصوا إلى أن "إسرائيل" ستستخدم نفوذها الدبلوماسي لمنع إدراج تركيا في أي صيغة دولية.
ويواصل الاحتلال خرق الاتفاق الذي أنهى حرب الإبادة على القطاع، منذ 10 أكتوبر الماضي، وسُجّل نحو 738 خرقًا، أسفرت عن استشهاد 410 فلسطينيين وإصابة 1134 آخرين، وفق معطيات رسمية.
وفي 7 أكتوبر 2023، بدأ طوفان الأقصى واستمر قرابة عامين، إلا أن إبادة جماعية جاءت بصمت عربي وإسلامي على الدعم الأمريكي الذي خلف بفضل الإبادة الجماعية؛ 71 ألف شهيد فلسطيني وأكثر من 171 ألف جريح، إلى جانب دمار واسع طال نحو 90% من البنى التحتية المدنية، فيما قدّرت الأمم المتحدة كلفة إعادة الإعمار بنحو 70 مليار دولار.