حملة اعتقالات فى مصر تعيد للأذهان ما حدث فى عام 1981 مع الرئيس الراحل أنور السادات، حيث شهد شهر سبتمبر موجة اعتقالات طالت أكثر من 1500 فرد من مختلف التيارات السياسية والدينية، كان من بينهم “محمد حسنين هيكل، وحمدين صباحى، وعبد المنعم أبو الفتوح، وفؤاد سراج الدين، ونوال السعداوي، وغيرهم”، كما عُزل البابا شنودة من منصبه وتم نفيه إلى وادى النطرون.
حملة الاعتقالات فى سبتمبر 1981 جاءت عقب زيارة السادات لأمريكا، وأكد خلالها الرئيس الأمريكي “ريجان” حرصه على العلاقات بين البلدين ودعمه للرئيس السادات.
واليوم وبعد 38 عامًا، يكرر عبد الفتاح السيسي نفس الأمر وفى نفس الشهر، حيث قام باعتقال أكثر 1100 شخص عقب زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، ومن بين المعتقلين السياسيين الدكتور حسن نافعة، وخالد داود، وحازم حسنى، وعدد كبير من النساء الناشطات فى مجال حقوق الإنسان.
ارحل يا سيسي
وجاءت المظاهرات الأخيرة التي حملت شعارات “ارحل يا سيسي” أو “جمعة الخلاص” بمثابة إنذار جديد لنظام الانقلاب العسكري، إذ يقول محللون إنه لن يكون من السهل كبح المعارضة من دون معالجة أسبابها الاقتصادية والسياسية، ولا يثق كثيرٌ من المصريين في وعود الحكومة بعد 6 أعوام من التقشف .
ورغم محاولة السيسي، خلال زيارته الأخيرة لنيويورك، توجيه اتهام غير مباشر لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر بإثارة الاحتجاجات، عندما قال إن اللوم يقع على “الإسلام السياسي”، ورغم حملة الاعتقالات الواسعة التي تجاوزت ألف شخص، وتكثيف الأمن تواجده في الميادين الرئيسية في المدن الكبرى، إلّا أن أسباب الاحتجاجات تضع البلاد على المحك.
بدورها، أعربت الحكومة الألمانية عن موقفها من حملة الاعتقالات التي تجري في مصر، كاشفة عمّا أوضحته في مجلس حقوق الإنسان حول الموضوع ذاته، كما أوضحت أسباب إلغاء لقاء كان مقرّرا بين المستشارة أنجيلا ميركل وعبد الفتاح السيسي.
وطالبت الحكومة الألمانية، على لسان وزارة الخارجية، السلطات المصرية بالإفراج عن الأشخاص الذين لم تُوجه لهم أيّ اتهامات، واعتُقلوا حديثا في البلاد، على خلفية مظاهرات الجمعة الماضية، التي رُفعت فيها شعارات تطالب برحيل عبد الفتاح السيسي.
وأشار متحدث باسم الوزارة إلى القبض على نحو ألف شخص بعد المظاهرات، وفقا لمعلومات وصفها بغير المؤكدة، مضيفا أن ألمانيا أوضحت في مجلس حقوق الإنسان، في جنيف، أنه “من وجهة نظرنا لن يسهم تنامي قمع المجتمع المدني والصحافة الحرة في استقرار مصر”.
وتابع المتحدث: “بل على العكس من ذلك، القمع المتنامي سيؤدي إلى تشدد وتطرف عنيفين”. وأوضح قائلا: إن ألمانيا “تفترض أن الأشخاص الذين لم تتمكن السلطات من توجيه اتهامات إليهم، سيتم إطلاق سراحهم فورا”.
مقاول يهدم عرش السيسي
وأسهم المقاول والفنان محمد علي، من مقر إقامته في إسبانيا، في اندلاع هذه الاحتجاجات، بعد بثه مقاطع فيديو شاهدها الملايين. وفي هذا السياق تقول الروائية المصرية أهداف سويف: إن المقاطع التي ينشرها محمد علي لقيت استجابة لأنه يصف نفسه على أنه رجل عصامي من أسرة متواضعة.
وقد تراجعت سندات مصر الدولارية وضاعت المكاسب التي حققها المؤشر الرئيسي للأسهم عام 2019، خلال ثلاثة أيام فحسب من الاحتجاجات.
وقال ألين سانديب، رئيس البحوث لدى النعيم للوساطة المالية: إن السلطات قد تعالج أسباب الشكاوى من خلال زيادة المنح المالية والمعاشات والتأمين للفقراء، وإنشاء وحدات سكنية لأصحاب الدخول المنخفضة، وهي إجراءات قد يوافق عليها صندوق النقد الدولي.
ورغم دعاوى القاهرة بإجراء إصلاحات اقتصادية أدت إلى استقرار الجنيه المصري، لم تتمكن الدولة من توفير فرص عمل من خلال تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات غير النفطية، وهو الاستثمار الذي تراجع في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي إلى أدنى مستوى له منذ خمس سنوات على الأقل.
تدهور الأحوال الاجتماعية
يعيش المصريون ضغطا كبيرا بعد تطبيق الدولة ضريبة القيمة المضافة، وخفضها قيمة العملة، ورفعها أسعار الكهرباء والوقود. وقد أدت الإجراءات التقشفية إلى ارتفاع عدد المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر، إذ وصل الرقم إلى 32.5 في المئة في السنة المالية 2018/2017 بعد أن كانت النسبة 27.8 في المئة قبل عامين.
وتعدّ صعوبة الحياة هي الدافع وراء الاحتجاجات، إذ قال مصريون إنهم قد يشاركون في المظاهرات القادمة إذا ما تأكدوا من مشاركة أعداد كبيرة وذلك من أجل سلامتهم.
وقال محمد زارع، من معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان غير الحكومي: “ما حدث تحذير خطير للغاية. الوضع ليس تحت السيطرة بالكامل”، مضيفا: “معظم الناس الذين خرجوا إلى الشوارع ليسوا أعضاء بأحزاب سياسية منظمة، ما يوضح مدى الغضب العام”.
وتوقعت ميشيل دون، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، أنه “إذا لم تنظم الاحتجاجات خلال هذا الأسبوع، فسوف تعود على الأرجح في الأسابيع والشهور القادمة”.