لم يقف رئيس أمريكي مع الإرهاب والدمار والديكتاتورية مثلما يفعل ترامب، حتى إنه انتصر على الكونجرس بعدما فشل الأخير في تبني قرار بوقف أي دعم عسكري لتحالف تدمير اليمن الذي تقوده السعودية وشيطان العرب ولي عهد أبو ظبي.
وأنعشت الحرب في اليمن الاقتصاد الأمريكي، عبر إنعاش مصانع السلاح التي تورد للمنطقة بمليارات الدولارات، وتعتزم واشنطن إرسال محققين للمرة الثانية إلى كل من السعودية والإمارات للتحقيق فيما نشرته شبكة إعلامية أمريكية، مطلع العام الجاري، حول نقل نوع معين من الأسلحة الأمريكية المستخدمة من جانب حليفتي واشنطن إلى مقاتلين متمردين ومليشيا انفصالية في اليمن.
الأجوبة غير الكاملة
وذكرت “سي إن إن” أنها حصلت على مذكرة من وزارة الخارجية الأمريكية أفادت بأنَّ “الأجوبة غير الكاملة المتكررة” من السعودية والإمارات أخّرت سير هذا التحقيق، والذي فُتح مطلع العام الجاري.
وتنص الرسالة على أن وفدًا مشتركًا من الخارجية والبنتاجون أجرى زيارة إلى الإمارات في سبتمبر الماضي، للتأكد مما جرى للعربات المدرعة التي زودت واشنطن أبو ظبي بها، مضيفة أن “زيارة مشابهة مزمعة إلى السعودية ستجري في نوفمبر الجاري”.
وتهدف وزارة الخارجية الأمريكية من هذه الزيارة إلى “الاطلاع على الرواية الكاملة حول الظروف المتعلقة بهذه المعدات وأي خرق محتمل للاتفاقيات”، وفقا للرسالة.
وأرسلت الخارجية هذه الرسالة إلى المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، إليزابيث وارن، التي حاولت الاتصال بإدارة الرئيس دونالد ترامب مرتين على الأقل خلال العام الجاري للحصول على أجوبة حول تزويد أمريكا المتواصل لأطراف الحرب المدمرة في اليمن بالسلاح.
وتشهد دول الخليج نشاطًا عسكريًّا غير مسبوق في تاريخها، فبالإضافة إلى حرب اليمن التي تشارك فيها دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية، نفذت هذه الدول خلال شهر واحد 5 مناورات وتدريبات هي “رعد الشمال، اتحاد 18 البحري، علم الصحراء، صقر الجزيرة، أمن الخليج العربي 1″، ما أدى إلى استنزاف مخزون هذه الدول من السلاح.
ويستعد الكونجرس مرة أخرى لمعركة كبيرة مع إدارة ترامب، حيث يسعى الرئيس الأمريكي لإرسال شحنة من الأسلحة قيمتها مليارات الدولارات إلى المملكة العربية السعودية دون إشراف الكونجرس. كانت الانتقادات قد ازدادت نتيجة دعم ترامب المستمر للمملكة، خاصة فيما يتعلق بمبيعات السلاح للحكومة السعودية على وجه الخصوص.
لكن مع إصرار ترامب على أن صفقات السلاح جزء أساسي من خطة إدارته للحفاظ على علاقات قوية بين واشنطن والرياض، فإن أي تحول كبير يبدو غير ممكن. تقول جودي فيتوري، الباحثة في مؤسسة كارنيجي في برنامج الديمقراطية والصراع والحكم: “حجتنا أن مبيعات السلاح تشتري تأثير أمريكا على أشياء مثل حقوق الإنسان، فسجل حقوق الإنسان السعودي يتجه للأسوأ”.
عربات مدرعة
ووجد تحقيق الشبكة أن عربات مدرعة أمريكية الصنع، تعرف بـ”MRAPs”، بيعت للسعودية والإمارات، لكن نُقلت إلى جماعات، من ضمنها مقاتلون مرتبطون بتنظيم القاعدة، ومتمردون مدعومون من إيران (الحوثيين) ومليشيات انفصالية (المجلس الانتقالي الجنوبي)، في خرق للاتفاقيات المبرمة مع واشنطن، وقد استخدمت هذه المجموعات الأسلحة ضد الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والتي تدعمها أمريكا.
وأسهمت تلك الأسلحة في الانقلاب الذي قام به الانفصاليون المدعومون من الإمارات جنوب اليمن، والسيطرة على العاصمة المؤقتة عدن منتصف أغسطس الماضي، قبل أن تتدخل السعودية مؤخرا لرعاية اتفاق بين الطرفين وقع في 5 نوفمبر الجاري.
وبـ”عقلية التاجر” التي تفكر بالربح الأكبر بطرق مختلفة وإن كانت من خلال التحايل على القوانين، تبرز سمة الجشع والتوحش في ترامب، وفق ما يجتمع عليه مختصون بالشأن السياسي من دول مختلفة، وهم يتحدثون حول تصريحات ترامب، منذ أن كان يخوض التنافس الدعائي أمام غريمته الديمقراطية هيلاري كلينتون لرئاسة البيت الأبيض.
سوقًا للربح
عقلية التاجر تحققت بالفعل حين تم تنصيب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، منذ مطلع 2017، إذ دشن جولاته الدولية بزيارة السعودية، وأعلن عن ربح مالي وفير جناه في رحلته الرئاسية الأولى.
ثم تلت القرارات والتصريحات التي تجسد عقلية التاجر في مواقف دولية أخرى؛ أبرزها مع الصين وتركيا، حيث كانت ضرباته السياسية توجَّه ضد اقتصادات الدول الأخرى سعيا لتحقيق مكسب سياسي لا يخلو من مكاسب مالية.
لكن عقلية التاجر يبدو أنها وجدت في السعودية سوقا للربح أكثر من بقية الدول، فمئات مليارات الدولارات التي أعلن ترامب الحصول عليها من هذا البلد الخليجي في مقابل شراء الأسلحة، لم تكن كافية ليترك المملكة دون أن يستمر في استغلالها لتحقيق أرباح أخرى.
وكان من البديهي أن يقطع الرئيس الأمريكي صلته بالرياض ويتوقف عن دعمها؛ للحفاظ على سمعته ومنصبه بعد الحملة التي شنها مشرعون أمريكيون في الكونغرس، فضلا عن منظمات حقوقية، والجميع كانوا يطالبون بمحاسبة ترامب على ما يصفونها بـ”جرائم السعودية” التي ترتكب في اليمن، بالإضافة إلى جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي.
لكن ترامب كان دائمًا يتحدث عن أموال السعودية، وأن هذه الأموال يمكن أن تنعش اقتصاد بلاده، معتبرا أن هذا الربح يكفي للتغاضي عن جرائم حكومة الرياض، ومنذ نحو 4 أعوام يشهد اليمن حربا بين القوات الحكومية- مدعومة من قبل التحالف السعودي الإماراتي- وبين مسلحي جماعة الحوثي المتهمين بتلقي دعم إيراني، ويسيطرون على عدة محافظات بينها العاصمة صنعاء، منذ 2014.
وخلّفت الحرب أوضاعا إنسانية وصحية صعبة جعلت معظم السكان بحاجة إلى مساعدات، في واحدة من أسوأ الأزمات العالمية الإنسانية الراهنة، حسب الأمم المتحدة.
