بعد يوم من البطولة والشهداء ورغم عسف الاحتلال الصهيوني، أدى الآف الفلطسينيين صلاة الفجر في الأقصى، تلبية لحملة “الفجر العظيم”، هتفوا: “بسم الله، الله أكبر.. هذا الأقصى رح يتحرر”، “بالروح بالدم نفديك يا أقصى”، وكذلك في الحرم الإبراهيمي في الخليل.
ويشكل الحرم الإبراهيمي بؤرة توتر في مدينة الخليل، التي تعتبر المدينة الفلسطينية الأكبر في الضفة الغربية، ويعيش فيها أكثر من 200 ألف فلسطيني وبضع مئات من المستوطنين اليهود المتطرفين في مستوطنة كريات أربع.
والحرم الإبراهيمي مقسم حاليًّا من قبل سلطات الاحتلال إلى جزئين، حيث يصلي المسلمون في جامع إبراهيم، بينما يصلي اليهود في موقع آخر، ويمنع المسلمون من الصلاة فيه خلال الأعياد والمناسبات اليهودية.
حظر الأذان
وشهد برلمان العدو الصهيوني العديد من النقاشات التي طالت حظر الأذان، كما صادق في تصويت تمهيدي على منع استخدام مكبرات الصوت في المساجد؛ ما أثار موجة غضب عارمة لدى المسلمين.
وبدأ الكنيست الإسرائيلي البحث في تكملة سيطرة كيان الاحتلال على الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية؛ بعد عقده جلسة حول تحديد موعد تنفيذ مشاريع توسعية.
وتجاوزت لجنة الأمن والخارجية في الكنيست حين عقدت الجلسة بشكل علني، أمس الإثنين، التحذيرات الأمنية التي أطلقها مسئولون في جيش الاحتلال حول تسببها في إشعال الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.
وأصر رئيس اللجنة عضو الكنيست، غابي أشكنازي، زعيم حزب “أزرق- أبيض”، على عقد الجلسة، رغم مطالبة غسان عليان، رئيس الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال بالضفة الغربية، واللواء كميل أبو ركن، منسق عمليات الحكومة بالأراضي الفلسطينية بأن تكون سرية.
وكتب عليان وأبو ركن في وجهة نظرهما الموقعة التي أرسلاها للكنيست: “في الوقت الحالي، وفي ضوء سلسلة الأحداث التي خلقت تعقيدًا أمنيًا كبيرًا أمام السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، لذا تتطلب الحاجة اهتمامًا متزايدًا لتجنب الأحداث التي تنطوي على إمكانية كبيرة لتصعيد الموقف”.
وبرزت الموافقة العربية العامة على الصفقة، ولا سيما من دول الخليج، السعودية والإمارات والبحرين وعمُان، علمًا بأن الدول الثلاث الأخيرة أرسلت وفودًا للمشاركة في حفل إعلان الصفقة، ثم رحبت الرياض والقاهرة، بالخطة الأمريكية مع تباين في بعض الاستدراكات، ودعوة للفلسطينيين إلى دراستها.
أما الموقف الأردني، فبدا خجلاً في ظل الضغوط الشعبية والتظاهرات التي جرت تزامنًا مع الإعلان، هذا المشهد لاقى إشادة من ترامب ونتنياهو في الحفل أكثر من مرة، فيما دعا الأخير باقي الدول العربية للالتحاق بهم، كما ظهر تصفيق السفراء العرب أثناء الحفل أكثر من مرة.
وفي البيان السعودي، جاءت الإشادة بجهود الرئيس الأمريكي، والدعوة إلى بدء مفاوضات مباشرة للسلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي تحت رعاية الولايات المتحدة.
أما موقف مصر المعلن فقد اقترب في صياغاته من موقف السعودية، وخضع لتعديلات كثيرة أشرفت عليها عصابة الانقلاب انتهت بحذف الإشارة إلى دولة فلسطينية على الأراضي المحتلّة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقيّة، وهو موقف ينبثق من الشراكة في التحالف نفسه، ومن السياسات التي انتهجها السفيه السيسي للاقتراب الشديد من “إسرائيل”، وعلى نحو قد يستعصي على التفسير أحيانا كثيرة.
التفسير الأساسي لمواقف الدول الأربع الإمارات والسعودية والبحرين ومصر يتضح من موقعها في العلاقة مع الإدارة الأمريكية الحالية، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
تثبيت الطغاة
وإذا كانت لكل دولة من هذه الدول أسبابها الخاصّة؛ فإنّ السبب الجامع هو اشتراكها في تحالف واحد يهدف إلى تسوية المنطقة برمّتها وفق المصالح المشتركة لهذه الدول.
وتتمثل هذه المصالح أساسًا في تثبيت أنظمة الحكم فيها، والطموحات الجارفة لصنّاع القرار فيها، وما يتطلبه ذلك من تصفية الثورات العربيّة وارتداداتها، وإنهاء ظاهرة الإسلام السياسي، والتكريس النهائي لوجود “إسرائيل” في المنطقة، بدمجها في هذا التحالف الذي أخذ أبعادًا خطيرة على المستويات الأمنية والاستخباراتية.
مساعي السفيه السيسي لاكتساب شرعيّة دوليّة يغطّي بها على المسار الانقلابي الدموي الذي صعد به إلى السلطة، وفي قلب سلطة عرفت بالخضوع للهيمنة الأمريكية؛ تدفعه بالتأكيد للولوج إلى صانع القرار الأمريكي عبر البوابة الإسرائيلية، وكذا طموحات وليّ عهد السعودية.
ولا يبعد في هذا السياق أن يحضر دافع أيديولوجي متفلّت من الثوابت العربية السياسية، أو معاد للإسلام السياسي، ليشكل صمغا لاصقا بين أركان هذا التحالف.
فالإيغال في التخلّي عن القضية الفلسطينية، وفي دعم “إسرائيل”، وفي العداء للإسلام السياسي، بما يصل إلى المس بالدين نفسه، أو انقلابا على ثقافة مجتمعية، يصعُب تفسيره بدواع سياسية كانت متوفرة دائما.
لا شكّ أن ثمّة مستجدات سياسية لا ينبغي التقليل من شأنها، انحطّت بسياسات بعض الدول العربيّة إلى هذه الدرجة، وتتمثّل في حالة السيولة المتعاظمة في المنطقة والعالم، والتي من أبرز سماتها الثورات العربية وتداعياتها، وسقوط أنظمة سابقة، والفوضى العارمة في عدد من الدول العربيّة، والتمدد الإيراني، بالإضافة إلى التحوّلات العالمية، كصعود اليمين، والأزمات الاقتصادية، والغموض الإستراتيجي على مستوى العلاقات الدوليّة.