اتخذت المحادثات الثلاثية حول سد النهضة الإثيوبي الكبير بين مصر وإثيوبيا منعطفا آخر نحو الأسوأ مع مقاطعة الخرطوم للجولة الأخيرة من المفاوضات.
وقاطع السودان الجولة الأخيرة من المفاوضات مع الانقلاب وإثيوبيا يوم 21 نوفمبر الماضي حول السد الاثيوبى المثير للجدل على نهر النيل، بحسب ما أفاد موقع "المونيتور". ويرى السودان أن المحادثات لم تسفر عن أي نتائج في الجولات الأخيرة، ويدعو إلى زيادة الاعتماد على خبراء الاتحاد الأفريقي كجزء من الجهود الرامية إلى سد الفجوات بين الدول الثلاث.
ويرعى الاتحاد الإفريقي منذ 26 يونيو 2020م، مفاوضات شاقة لكنها غير ناجحة بحضور خبراء من الولايات المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي.
وقال وزير الري السوداني ياسر عباس في تصريح صحفي في 22 نوفمبر، عقب اجتماع طارئ للجنة العليا السودانية للمفاوضات حول سد النهضة الإثيوبي الكبير، إن هناك حاجة لتغيير منهجية التفاوض لتحقيق انفراجة تسمح بإحراز تقدم في المحادثات، وأضاف أن السودان لا يزال متمسكا برعاية الاتحاد الأفريقي للمفاوضات ولكنه يسعى إلى إتباع منهجية مختلفة، ويبدو أن هذا له علاقة بالاعتماد الكبير على خبراء الاتحاد الأفريقي.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يتغيب فيها السودان عن المفاوضات بشأن السد مع إثيوبيا والانقلاب، الأمر الذي قد يزيد من عرقلة المحادثات المتوقفة بالفعل بين البلدان الثلاثة؛ وهي المناقشات المستمرة ــ بلا جدوى ـ منذ عقد من الزمان.
الجولة التى قاطعها السودان يوم 21 نوفمبر كان مقررا لها أن تستمر 10 أيام، جاءت نتيجة اجتماع افتراضي عقد يوم 19 نوفمبر بين وزيري الخارجية والري في الدول الثلاث برئاسة وزير خارجية جنوب أفريقيا ناليى باندور الذي ترأس بلاده الاتحاد الأفريقي حاليا.
اختلاف المواقف
وعقب اجتماع 19 نوفمبر، اختلفت مواقف نظام السيسي والسودان، حيث اختلفا حول منهجية المفاوضات، وأعربت حكومة الانقلاب عن استعدادها للمشاركة في الجولة التي بدأت يوم 21 نوفمبر، وأكدت وزارة الخارجية بحكومة السيسي في بيان لها يوم 19 نوفمبر على أهمية استئناف المحادثات للتوصل إلى اتفاق قانوني وملزم بشأن ملء وتشغيل السد بما يحفظ المصالح المشتركة والحقوق المائية للدول الثلاث.
في غضون ذلك، اعتبرت وزارة الري والموارد المائية السودانية إصرار الانقلاب على عقد جولة جديدة من المفاوضات على الرغم من التحفظات التي عبر عنها الوفد السوداني انتهاكاً إجرائياً واضحاً، وفي بيان صدر في 19 نوفمبر، اتهمت الوزارة السودانية نظام الانقلاب وإثيوبيا بمواصلة إجراء محادثات ثبت أنها غير مجدية وتؤدي إلى طريق مسدود.
وقال أحمد المفتي، العضو السابق في الوفد السوداني للمفاوضات والخبير السوداني في القانون الدولي، على صفحته على فيسبوك في 21 نوفمبر، إن خطوة السودان بالاعتماد بشكل أكبر على خبراء الاتحاد الأفريقي تظهر أن المفاوضين السودانيين واثقون من أن الخبراء سيقدمون توصيات لصالح السودان.
وأعرب خبراء مصريون تحدثوا إلى "المونيتور" عن قلقهم من أن تستغل إثيوبيا الخلاف بين القاهرة والخرطوم للعب من أجل الوقت وإطالة أمد المفاوضات، خصوصاً أن أديس أبابا تواجه حالياً اضطرابات في الداخل وتترنح على حافة حرب أهلية تهدد بتمزيق البلاد.
ودخلت الحكومة الفيدرالية الإثيوبية برئاسة رئيس الوزراء آبي أحمد فى صراع مع الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي فى شمال البلاد مما أسفر عن مصرع مئات الأشخاص، وحذرت الأمم المتحدة من نزوح حوالي 200 ألف شخص. وكانت إثيوبيا قد أعلنت في 21 يوليو عن المرحلة الأولى من ملء خزان السد بـ 4.9 مليار متر مكعب من المياه خلال موسم الأمطار، الأمر الذي أثار حفيظة كل من نظام السيسي والسودان، اللتين تطالبان بعدم البدء في ملء السد حتى يتم التوصل إلى اتفاق وتسعى إثيوبيا إلى استكمال المرحلة الثانية من سد السد بحلول العام المقبل.
وتخشى القاهرة من التأثير السلبي المحتمل للملء على حصتها السنوية من مياه النيل التي تعتمد عليها لتلبية أكثر من 95% من احتياجاتها من المياه العذبة وينشأ نحو 85% من مياه النيل من النيل الأزرق الذي يُبنى عليه السد بتكلفة 4.6 مليار دولار، وبالنسبة لأديس أبابا، فان السد حيوي لتنمية اقتصادها ومحاربة الفقر المستشري فى البلاد.
وبالنسبة للسودان، فإن السد مهم لتنظيم مياه النيل الأزرق وتوليد الكهرباء للبلاد، إلا أن الخرطوم تريد ضمانات تشمل سلامة السدود وعملياتها حتى لا تتأثر سلباً السدود السودانية الأخرى – ولاسيما سد روصيرص، وهو الأكبر في البلاد.
ولا تزال هناك أيضا مسائل تقنية أخرى معلقة، بما في ذلك ملء السد خلال سنوات الجفاف التي تشهد هطول أمطار أقل، مما قد يعني انخفاض المياه التي تطلقها أديس أبابا إلى بلدان المصب. ويطالب السودان ونظام الانقلاب أيضا بالتوصل إلى اتفاق ملزم قانونا لحل أي نزاعات قد تنشأ بين الدول الثلاث.
هل ينسحب السودان؟
وقال عباس الشراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة، لـ"المونيتور" إن الخلاف بين مصر والسودان ليس أساسياً، بل هو مرتبط بأمور إجرائية في إجراء المفاوضات.
وأضاف أنه من غير المحتمل أن ينسحب السودان تماما من المفاوضات، موضحا فى الوقت ذاته أن مصر تتردد فى إعطاء خبراء الاتحاد الإفريقي دورا أكبر فى المحادثات، مستخدما الحجة القائلة بأن مراقبين من الولايات المتحدة والبنك الدولى والاتحاد الأوروبي أكثر خبرة فى هذا المجال. وقد فشلت الدول الثلاث فى 4 نوفمبر فى الاتفاق على الدور الذي يمكن أن يلعبه الخبراء فى منهجية المفاوضات وجدولها الزمنى، إلا أن الانقلاب يتفق مع السودان على ضرورة تحديد مهلة للمحادثات بحسب الشراقي.
وانتقد هاني رسلان، رئيس قسم دراسات السودان وحوض النيل في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، قرار السودان مقاطعة المحادثات. وقال رسلان لـ"المونيتور" إنّ "وزير الموارد المائية والري السوداني يناقض نفسه؛ لأنه رفض في السابق التوقيع على مشروع اتفاق رعته واشنطن في فبراير الماضي تضامنا مع الموقف الإثيوبي".
وبطلب من نظام السيسي، حاولت الولايات المتحدة التوسط في المحادثات في العام الماضي وأوائل هذا العام في واشنطن بمشاركة البنك الدولي، ووصلت المفاوضات التي استمرت أربعة أشهر إلى طريق مسدود في فبراير عندما وقعت مصر من جانب واحد مسودة اتفاق بشأن ملء وتشغيل السد، ولم تحضر إثيوبيا المحادثات يوم التوقيع، وامتنع السودان عن التوقيع.
وشكك رسلان في جدوى منح دور أكبر لخبراء الاتحاد الأفريقي، قائلاً: "قد يكون الخبراء الأفارقة منحازين وقد لا يكونون أيضاً على مستوى المستويات المهنية والعلمية المطلوبة". وتابع:"إن مقترحات السودان لن تخدم إلا مصلحة إثيوبيا، بالعودة إلى نقطة الصفر في المفاوضات من حيث المقترحات والسيناريوهات والصياغة وهذا سيسمح لإثيوبيا بخدمة مصالحها فقط ".
رابط التقرير:
https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2020/11/sudan-boycott-gerd-talks-egypt-ethiopia-nile.html