بالنظر إلى خريطة المنطقة العربية خلال مرحلة ما بعد الربيع العربي، فإن كل الدلائل والمؤشرات تقود إلى أن مايسمى بتحالف الثورات المضادة يمضي وفق مخططات مرسومة بإحكام لتكريس نظم الحكم العسكري الشمولية، ووأد أي توجهات نحو إقامة أي نظام ديمقراطي في المنطقة العربية كلها.
بالطبع تتصدر الإمارات والسعودية أنشطة هذه التحالف وتمويله بسخاء بالغ؛ وتجلى ذلك بوضوح شديد في انقلاب الدكتاتور عبدالفتاح السيسي في يوليو 2013م، والذي حظي بدعم سياسي ومالي كبير يقترب من نحو 60 مليار دولار وفقا تقديرات وتسريبات مكتب السيسي التي تحدث فيها اللواء عباس كامل عن رز الخليج ودعم أبو ظبي لحساب حركة تمرد وإثارة الفوضى في مصر تحت رعاية وإشراف المؤسسة العسكرية. لكن المؤكد أن لإسرائيل الدور الأكبر في هذا التحالف الشيطاني، بل يمكن الجزم أن قيادة هذه التحالف هي غرف ودهاليز جهاز المؤساد الإسرائيلي في تل أبيب والقدس المحتلة.
جرى الانقلاب على الديمقراطية في مصر، ثم تدمير اليمن وليبيا وسوريا، ثم الانقلابات الأخيرة في تونس والسودان، وحتى ما جرى في المغرب من خلال الإطاحة بالإسلاميين بصورة مهينة لا تصل إلى حد الانقلاب ولكنها كانت تتسم بذكاء وتخطيط واسع بأقل الخسائر الممكنة.
الواضح أن المخططات تستهدف بقاء المنطقة العربية في ظلام وظلمات الطغيان والاستبداد ونظم الحكم الشمولية، وحتى الانقلاب الأخير في السودان تتحدث وسائل إعلام عبرية عن دور إسرائيلي ملموس ومؤثر في دعم العسكر ودعم انقلابهم.
وأفادت صحيفة "يسرائيل هيوم"، ظهر الاثنين 25 أكتوبر 2021م، بأن مصدراً إسرائيلياً مطلعاً على ما يحدث في السودان انتقد موقف الموفد الأميركي إلى منطقة القرن الأفريقي جيفري فيلتمان، الذي اعتبر في تغريدة له أن الانقلاب في السودان ليس مقبولاً، ومن شأنه المسّ بالمساعدات الأميركية للسودان. وقالت الصحيفة إن المصدر الإسرائيلي، الذي لم تسمّه، قال إنه في ظل الوضع السائد في السودان، يجدر بالولايات المتحدة دعم الجيش وقائده عبد الفتاح البرهان، وليس رئيس الحكومة المدنية عبد الله حمدوك.
وبحسبه، فإن الانقلاب الذي نفذه البرهان "كان حتمياً ولا يمكن تفاديه، فمنذ عدة سنوات ورئيس الحكومة من جهة، ورئيس مجلس السيادة من جهة ثانية، يدفعان باتجاهين متناقضين، وكان واضحاً أن الأمر سيصل إلى مرحلة حسم". وأضاف المصدر الإسرائيلي أنه على الرغم من أن الاثنين يدركان ضرورة تعزيز السودان علاقاته مع الغرب، فإن الوضع السائد يعيد إلى الأذهان وضع مصر مع نهاية عهد مبارك، فالدولة ليست ديمقراطية، واعتادت حكم فرد مدة ثلاثين عاماً قاده عمر البشير"، مشيراً إلى أن "التطلعات الأميركية للدمقرطة مفهومة، لكن من بين الزعيمين، فإن البرهان هو من يميل إلى تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة ومع إسرائيل أكثر من حمدوك".
وبحسب المصدر الإسرائيلي، بما أن الجيش في السودان هو الأقوى في الدولة والبرهان هو القائد الأعلى للجيش، فإن التطورات التي وقعت الليلة تعطي فرصاً لاستقرار أكبر في السودان، وهو استقرار ضروري للمنطقة، وأيضاً لتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل على وجه التحديد".
ولفتت الصحيفة في هذا السياق إلى أنه على الرغم من أن السودان هو واحدة من الدول الأربع التي انضمت إلى اتفاقيات التطبيع مع دولة الاحتلال، المعروفة "باتفاقيات أبراهام"، فإنه لم يقم بخطوات فعلية، ولم يفتتح ممثلية له في إسرائيل، وأحد أسباب ذلك هو معارضة رئيس الحكومة عبد الله حمدوك للتطبيع مع إسرائيل.
إلى ذلك، نقلت الصحيفة عن وزير الاستخبارات الإسرائيلية السابق، حتى قبل عام، إيلي كوهين، والذي أدار الاتصالات مع السودان، قوله إن "السودان بلد كبير وفي موقع استراتيجي، واستقراره مهم للحفاظ على الأمن الإقليمي، يمكن التقدير بأن رغبة السودان بالمضي قدماً في العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب، بما في ذلك إسرائيل، ستستمر، لأن هذه مصلحة سودانية صرفة، من أجل تطوير اقتصاد البلاد والمحافظة على الاستقرار فيها، ومنع تسلل ودخول جهات وعناصر إسلامية متطرفة".
من جهته، لفت باراك رافيد، المراسل السياسي لموقع واللاه الإسرائيلي، في مقابلة مع إذاعة "إف إم 103" في تل أبيب، إلى أن إسرائيل تلعب دورا مكثفا في السودان في العام الأخير، وحتى في الأسابيع الأخيرة، وأن هناك نشاطا كبيرا للسودان يشمل حتى تعاونا علنيا لمساعد عبد الفتاح البرهان مع "الموساد" الإسرائيلي.
فهل بعد برهان على أن انقلاب البرهان هو بدعم وتخطيط إسرائيلي من الألف إلى الياء؟
