أسفرت نتائج الانتخابات الداخلية لحزب "العدالة والتنمية" المغربي عن فوز عبدالإله بن كيران ، أمين عام الحزب ورئيس الحكومة الأسبق، بمنصب الأمانة العامة للحزب خلفا للدكتور سعد الدين العثماني، وذلك بأغلبية كاسحة تؤكد أن الحزب تجاوز مرحلة الانقسام في أعقاب الهزيمة المدوية في الانتخابات النيابية الأخيرة والتي أسقطت الحزب من رئاسة الحكومة إلى صفوف المعارضة.
وحظي بن كيران بثقة الغالبية الساحقة من أعضاء المؤتمر الاستثنائي، بعدما صوت له 1112 صوتا، بفارق كبير عن منافسيه عبد العزيز العماري وعبد الله بوانو اللذين حصلا تواليا على 231 و15.
وصباح السبت، صوت المؤتمر للحزب على إسقاط مشروع قرار تأجيل المؤتمر الوطني العادي التاسع مدة سنة كاملة، وهو المقترح الذي تقدمت به الأمانة العامة المستقيلة عقب نتائج انتخابات 8 سبتمبر، واشترط الأمين العام السابق للحزب عبد الإله بنكيران إسقاطه للقبول بالعودة إلى قيادة الحزب.
وانقاد الحزب إلى هزيمة قاسية في الانتخابات التشريعية الأخيرة، بعد خسارته أكثر من 110 مقاعد برلمانية ما جعله يصطف في المعارضة بعد أن قاد البلاد منذ عام 2011. وفي وقت سابق، دعا الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" المغربي المستقيل سعد الدين العثماني أعضاء الحزب إلى الحرص على وحدة الصف وتماسكه.
كيف تجاوز الحزب فكرة الانقسام؟
وكانت الأمانة العامة المستقيلة، قدمت مقترحا للتصديق عليه في المجلس الوطني الذي انعقد الأسبوع الماضي، بتقييد ولاية القيادة الجديدة بسنة واحدة، تخصص فقط للإعداد للمؤتمر العادي. حجتها في ذلك ضرورة الملاءمة مع مقتضيات القانون التنظيمي للأحزاب (انتظام مؤتمرات الحزب) وتأمين الحصول على الدعم العمومي من الدولة.
لكن المختلفين جزئيا مع اقتراح الأمانة العامة، اقترحوا مدة أطول نسبيا، سنة ونصف، أو سنتين، فيما المعارضون لها كليا، اقترحوا إزالة التقييد مطلقا. حجة المعارضين، أن الأمانة العامة مستقيلة، ولا يحق لها أن تقدم مقترحا للمجلس الوطني، وأن تقييد ولاية القيادة الجديدة، يعتبر بمثابة تكبيل القيادة المستقيلة التي كانت سببا في الفشل الانتخابي للحزب، لعمل قيادة جديدة ذات مشروعية انتخابية، يعول عليها لإصلاح الأداة الحزبية.
حجتهم القانونية أيضا أن القانون التنظيمي للأحزاب، لا يميز بين المؤتمر العادي أو الاستثنائي، وأن العبرة بعقد الحزب للمؤتمر في آجاله، وأن ذلك لا يؤثر على استحقاق الدعم العمومي، وحتى ولو كانت حجة فقدان الدعم العمومي متجهة، فإن توفير مدة كافية للقيادة الجديدة لتقوم بمهامها في إصلاح الحزب وإعادة الروح إليه، وتأمين تماسكه الداخلي، يمكن أن يضحى من أجلها بالدعم العمومي، لأن هوية الحزب النضالية، لا يمكن أن تجعل قراره الاستراتيجي المرتبط بإصلاح الأداة الحزبية متوقفا على مجرد دعم عمومي.
لذلك اشترط بن كيران عدم تقييد قيادة الحزب لمدة ولاية واحدة، مؤكدا أنه لن يكون معنيا بالترشح في حال أقر المؤتمر تقييد قيادة الحزب.
على طريق الإصلاح
ويأخذ البعض على إدارة الحزب المستقيلة لجوءها إلى ما أسموه "الحيل" لإفراغ مؤتمر الحزب من مضمونة وأهدافه؛ لأن هذه الإدارة دعت إلى عقد مؤتمر استثنائي وليس مؤتمرا عاديا رغم أن آجل المؤتمر العادي كان مرتقبا في ديسمبر 2021م. والمجلس الوطني، سبق له في دورة استثنائية أن انتخب لجنته التحضيرية، مما يطرح التساؤل عن سبب دعوة الأمانة العامة المستقيلة للحزب إلى مؤتمر استثنائي وليس مؤتمرا عاديا؟
وما السبب الذي دعاها إلى رفض صيغة أخرى للاستقالة، وهي أن يستقيل الأمين العام استقالة مكتوبة يترتب أثرها القانوني، بحكم أنه يمثل مجموع الأمانة العامة وينوب عنها في تحمل مسؤولية الفشل، ويترك لنائبه، السيد سليمان العمراني، أن يدبر ما تبقى من الأشهر لترتيب موعد انعقاد المؤتمر العادي في نهاية السنة بعدها بأشهر قليلة، حتى يكون الحزب في حالة مواءمة تامة مع القانون التنظيمي للحزب، وحتى لا يحرم من الدعم العمومي؟
أسئلة، تشير إلى أن قيادة الحزب المستقيلة وضعت بيدها الحبل على عنق الحزب، وتسببت باختيارها التنظيمي في وضع الحزب أمام المأزق، الذي تستثمره اليوم، من أجل أن تبرير تقييد ولاية القيادة الجديدة بسنة واحدة مخافة عدم المواءمة مع القانون التنظيمي للأحزاب وخشية من ضياع الدعم العمومي على الحزب!
الخطير في الأمر، أن هذا اللعب، الذي بدأ بالاستقالة التي ليست باستقالة، وبالمؤتمر الاستثنائي عوض العادي، وبالقيادة الجديدة، التي بدل أن تكون قيادة سياسية لتصحيح أوضاع الحزب وإخراجه من الأزمة، فصارت مجرد لجنة تحضيرية لمؤتمر عادي يقام بعد سنة، والمؤتمر الذي وضع على عاتقه إنقاذ الحزب، فتحول إلى مجرد مؤتمر يؤمن تدفق الدعم العمومي. هذا اللعب بمختلف عناصره، يخفي أزمة كبيرة داخل العدالة والتنمية، هي أزمة الثقة داخل القيادة التاريخية، تلك الأزمة، التي تسببت في شرخ كبير اخترق قيادة التنظيم كله، ونزل إلى قاعدته، وتحول إلى خلاف فكري وسياسي وتنظيمي ونفسي، ويوشك أن يعرض الحزب لانقسام في حالة ما إذا فشل المدخل التنظيمي في الجواب عن المعضلة.
لكن نتائج لانتخابات التي منحت الثقة بالأغلبية الساحقة لبن كيران، وضعت الحزب على الطريق الصحيح، وجنبته الانقسام والانشقاق وإن كان عناصر الإدارة القديمة التي تسببت في فشل الحزب سوف تتواري عن المشهد السياسي ويكفي ما تسببت فيه من هزيمة قاسية وتشويه صورة الحزب التي تحتاج إلى جهود مضنية لاستعادة سمعته من جديد.
