فى الأسبوع الذى اُعتُمد فيه قانون فصل الموظفين المنتمين لـ«الإخوان» -والمقصود منه التخلص من كل المتدينين-، واعترف فيه مطرب مهرجانات مشهور، فى لقاء تلفزيونى، بأنه يتعاطى «الويسكى» والمخدرات -منعت إحدى قرى الساحل الشمالى الراقية رجل أعمال مؤيدًا للنظام من شراء وحدة سكنية بها؛ لأن زوجته وابنته محجبتان..
والحرب ضد شعائر الدين فى «المحروسة»، التى تدين غالبيتها بالإسلام، ليست طارئة، لكنها لم تكن بتلك الصورة الصريحة والمخالفة حتى لنصوص الدستور الذى يحكمون به.. منذ عقود وهم يمنعون الشباب المتدين من الالتحاق بكلية الشرطة والكليات العسكرية، ويمنعون الملتحين والمنقبات من دخول المنشآت والنوادى التابعة لتلك الجهات، ويمنعون أوائل الجامعات ممن لهم ميول إسلامية من التعيين، ويستبعدونهم من سكنى المدن الجامعية، ويمنعونهم من التدريس إلخ.
ثم تخطت هذه الممنوعات الجانب الحكومى ووصلت إلى الجانب الاجتماعى أو الشعبى حتى أن نوادى أهلية ترفض قبول المحجبات فى عضويتها، وأخرى ترفض نزول عضواتها حمامات السباحة باللباس الإسلامى (البوركينى)، ومطاعم ومقاهى تقصر الدخول على السافرات، وأخيرًا تلك القرية التى رفضت بيع وحدة سكنية لزوج أو ولى أمر محجبة. لماذا كل هذا؟ ولمصلحة من؟ ومن أعطى الضوء الأخضر لهؤلاء الناس كى يدوسوا على القانون ويتناسوا العرف المجتمعى؟ بل كيف أتتهم الجرأة كى يفعلوا كل هذا وهم مطمئنون ألا ينالهم العقاب.
مما لا شك فيه أن الناس على دين ملوكهم، تبعًا لهم، ونحن منذ ثمانى سنوات نلاحظ حربًا لا هوادة فيها على الدين والمتدينين؛ إذ عقب بيان الانقلاب بدقائق أُغلقت القنوات الإسلامية، وبعدها بأيام أُغلقت الجمعيات الخيرية وصُودرت أموال الوقف، ولا زلنا من يومها نتابع سلسلة منع مساجد الله من أن يُذكر فيها اسمه؛ مرة بسيطرة «الأوقاف» عليها جميعًا، وتوحيد الخطبة، وغلقها عقب الصلوات، ومنع أنشطتها الدعوية، بل لم تسلم من الهدم، هُدِّم العشرات منها، وبعضها تاريخى، من دون مبرر، ومؤخرًا رأينا كل الأماكن أُعيد فتحها عقب زوال الجائحة إلا المساجد، لا يزالون يلزمون الناس بالتباعد المنافى لصفة صلاة الجماعة، ولا تزال دورات المياه مغلقة وكذلك قاعاتها وملحقاتها..
كما لا يخفى هبَّات إعلام النظام ضد الدين والمتدينين، حتى صارت المنافسة محتدمة بين وسائله أيهم أسرع فى هدم ثوابت الدين وطعن علمائه وأبطاله، وأكثر تسفيهًا لشعائر الله وقيم الإسلام، وراجعوا إن شئتم «دراما رمضان» على مدى السنوات الثمانى لتتأكدوا أن تلك خطط يتم تنفيذها بعناية ودعم كبيرين، هدفها إفساد الناس، وتشكيكهم فى عقائدهم وإضعاف الإيمان في قلوبهم..
كل هذا لتوكيد أن «الالتزام الدينى» يتعارض مع مصالحهم، وأنه مجلبة للفقر والإقصاء، والحرمان من المنصب والجاه ومخالطة مجتمعات النخبة، وهى «إستراتيجية» تهدف لأن يتخلى ضعاف الإيمان عن إيمانهم، فإذا أضفنا ما يقع على المتدينين من قتل وسجن وسلب أموال وانتهاك حرمات بيوت وأعراض قال ضعيف الإيمان: ما لى والدين إذا كان أهله يُعذَّبون ويُقتَّلون ويُحرمون من الحياة الهانئة والعيش الرغيد؟
وقد تنبأ الرسول ﷺ بوقوع هذا البلاء على المؤمنين، قال: «.. كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرًا والمنكر معروفًا؟ قالوا: أوكان ذلك يا رسول الله؟ قال: والذى نفسى بيده وأشد منه سيكون»، وقال كعب: «ليأتين على الناس زمانٌ يعيَّر فيه المؤمن بإيمانه كما يعيَّر اليوم الفاجر بفجوره حتى يُقال للرجل: إنك مؤمن فقيه».
وإذا لم يتصد أهل الحق لهؤلاء الفُجَّار، بالطرق الشرعية للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، لصار حالنا وحالهم كحال آل لوط مع قومهم؛ بعدما صار التطُّهر تهمة والنقاء وصمة، وقد تواصى هؤلاء الأراذل فيما بينهم بألا يجاورهم مصلح؛ (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة: 67].. وهذا مؤشر هلاك لنا جميعًا؛ يقول الله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 25]، ويقول النبى ﷺ: «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيِّروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب منه»، وسُئل ﷺ: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم، إذا كثُر الخبث»
