الكويت تعطي درسا للأنظمة القمعية وتعفو عن المعارضين

- ‎فيعربي ودولي

تتميز الكويت عن غيرها من البلدان العربية بأمرين: الأول سبقها في التجربة الديمقراطية، وحرص الإمارة على تقليد تاريخي يتمثل في العفو عن المعارضين حرصا على استقرار البلاد.

لذلك جاءت قرارات العفو الأميرية عن المعارضين في إسطنبول، لتحرج أنظمة عربية قمعية أخرى دفعت العديد من أبنائها للهجرة إلى تركيا وأوروبا هربا من البطش خصوصا مصر والسعودية وغيرها.

وأصدر أمير الكويت، الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح مرسومين أميريين بالعفو وتخفيض مدة العقوبة المحكوم بها على 35 معارضا، تلبية لمطلب رئيسي لنواب المعارضة بإنهاء مواجهة مستمرة منذ شهور مع الحكومة.

مهد الأمير في أكتوبر الطريق لإصدار عفو عن هؤلاء الساسة والنواب السابقين، وهو ما اشترطته المعارضة لإنهاء المأزق السياسي الذي تسبب في تعطيل إصلاحات مالية مقررة.

ونُشر مرسوم في الجريدة الرسمية ألغى أحكاما بالسجن بحق 11 سياسيا، منهم مسلم البراك وجمعان الحربش وفيصل المسلم، أدينوا باقتحام مبنى البرلمان خلال احتجاجات الربيع العربي عام 2011.

وسبق أن أعلن مجلس الوزراء الكويتي 7 نوفمبر 2021 أن الأمير نواف الأحمد استخدم حقه الدستوري بالعفو عن معارضين غالبيتهم من نواب البرلمان والإسلاميين، صدرت عليهم أحكام، نبذا للخلافات وتجاوزا للعقبات التي أدت إلى تعطيل جلسات مجلس الأمة.

ويوجد  قرابة 20 معارضا من نواب البرلمان محكوم عليهم في 8 يوليو 2018 بالحبس مدة 6 سنوات، يعيشون في تركيا شكلوا تحالفا للمعارضين الكويتيين أبرزهم جمعان الحربش ووليد الطبطبائي، مسلم البراك وفهد الخنة وفيصل المسلم وخالد شخير ومبارك الوعلان ومحمد الخليفة وفلاح الصواغ.

وكانت محكمة كويتية قد أدانت 16 شخصا، نصفهم من النواب السابقين، بتهم اقتحام المجلس بالقوة خلال المظاهرات، وتكسير الأملاك العامة، والاعتداء على الحراس غالبيتهم من النشطاء السياسيين وأعضاء البرلمان السابقين والحاليين، بسجن 13 متهما 3 سنوات.

وتعود وقائع القضية إلى 16 نوفمبر 2011، عندما اقتحم المئات من ناشطي المعارضة مبنى مجلس الأمة، للمطالبة بإقالة رئيس الوزراء الشيخ ناصر محمد الصباح، بسبب اتهامات بالفساد.

كان أمير الكويت قد كلّف في 20 أكتوبر 2021، رؤساء السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بإعداد اقتراحات وضوابط وشروط تمهيدا لإصدار مرسوم للعفو عن بعض المحكومين ممن يعيشون في تركيا.

وقالت صحيفة "الراي" الكويتية اليوم عن مصادر وصفتها بـ المطلعة (لم تسمّها) قولها إن "العفو يشمل نوابا سابقين ونشطاء يتواجدون خارج البلاد".

وقالت إن "العفو يشمل أيضا موقوفين بتهمة التستر على خلية العبدلي، وأن يتم تخفيض مدة عقوبة المحكومين المتورطين في القضية ذاتها.

وتعود قضية خلية العبدلي إلى 13 أغسطس 2015، حيث أعلنت السلطات الكويتية ضبط عدد من المتهمين، مع كمية كبيرة من الأسلحة، عُثر عليها في مزرعة في منطقة العبدلي، قرب الحدود العراقية.

أشارت الصحيفة الكويتية إلى أن المدة المتاحة للاستفادة من العفو هي شهر، مشيرة إلى أن العفو يخص العقوبة المقيدة للحرية.

لكن نوابا معارضين قالوا إن "أولويتهم في الحوار هي العفو عن معارضين، بمن فيهم نواب سابقون مدانون باقتحام البرلمان في 2011، وهم موجودون في منفى اختياري بالخارج".

جاء العفو بعدما دعا الأمير نواف الأحمد إلى حوار وطني في مسعى لإنهاء المواجهة بين الحكومة والبرلمان، التي أحبطت الجهود الرامية لتنفيذ الموازنة المالية العامة للدولة وتنفيذ إصلاحات اقتصادية ومالية.

كان نواب المعارضة قد شككوا أيضا في دستورية إجراء تم التصويت عليه في البرلمان في مارس 2021، يقضي بتأجيل الاستجوابات المقدمة والمُزمع تقديمها إلى رئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد الصباح إلى نهاية 2022.

وأدت هذه الخلافات بين الحكومة ونواب المعارضة لانعكاس سلبي على الكويت، ومخاطر تتعلق بشح شديد في السيولة، بعد أن تضررت ميزانيتها، لأن البرلمان المنتخب رفض الإذن للحكومة بالاقتراض.

 

الحركة الإسلامية ترحب

ورحبت الحركة الدستورية الإسلامية، التي ينتمي لها نواب نزحوا إلى تركيا خشية الاعتقال، بإعلان مجلس الوزراء قرار الأمير بالعفو الخاص عن بعض النواب والناشطين السياسيين.

وقالت الحركة في بيان إن "العفو جاء استجابة للجهود المخلصة التي انحازت إلى قيم العفو والتسامح التي رغّب فيها ديننا الإسلامي الحنيف وعظّم من شأن دعاتها".

وأشادت الحركة بـالجهود النيابية والحكومية والشعبية التي لم تدخر وسعا ولم تختزل وقتا من أجل إقرار هذا العفو الكريم عن ثلة من أبناء الوطن، واعتماد الحوار الوطني البناء آلية حضارية لتبادل وجهات النظر.

وأكدت أن هذه التجربة أثبتت قدرة النخبة السياسية في البلاد على إدارة حوار وطني منتج وفعال بشأن مختلف القضايا والتحديات المحدقة بمستقبل الوطن.

https://www.facebook.com/icmkw/posts/5345164142165708

وسبق للحركة الدستورية الإسلامية التي ينتمي لها غالبية المعارضين في تركيا الترحيب بقرار الأمير إصدار عفو خاص عن النواب السابقين والنشطاء السياسيين.

وقالت في بيان لها 20 أكتوبر 2021 "لقد تابعنا باهتمام بالغ وتقدير عالٍ الحراك السياسي النيابي والحكومي والشعبي خلال الساعات الماضية، الذي تُوج بإطلاق مبادرة عفو الأمير عن النواب السابقين والناشطين السياسيين".

اعتبرت التوافق على رؤية مشتركة تضع المصالح العليا للبلاد على رأس الأولويات السياسية والوطنية وتتخذ من الحوار الجاد سبيلا لحل المشكلات هو أعلى درجات النضج والرشد السياسي الذي نأمل بأن يسود.

وسبق أن أصدر نواب سابقون في البرلمان الكويتي، مساء 23 أكتوبر/ تشرين أول 2021، بيانا يرحبون فيه بالعفو الخاص الذي أعلن أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح 20 أكتوبر الجاري أنه سيصدره قريبا بشأن نواب سابقين معارضين يقيمون بتركيا.

 

ترحيب النواب

ومهد بيان النواب وما تلاه من بيان لأمير الكويت الطريق لصدور العفو الأميري وإنهاء وجود 9 من النواب السابقين ومعارضين أخرين كويتيين يعيشون في تركيا منذ 2018 بعد الحكم بسجنهم بعد شغب جرى في البرلمان عام 2011.

وعبر النواب عن تقديرهم لأمير البلاد ولـتوصيات لجنة الحوار الوطني، واعتبروا تطبيق تلك التوصيات كفيل بتخفيف حدة التوتر السياسي.

والبيان صادر عن النواب السابقين مسلم البراك وجمعان الحربش ومبارك الوعلان وسالم النملان وخالد الطاحوس ومعهم مشعل الذايدي وناصر الرداس ومحمد البليهيس وعبد العزيز جار الله.

ووصف النواب المقيمون في تركيا العفو الذي سيستفيد منه الإسلاميون خصوصا بـالمحافظة على ما جُبل عليه الشعب الكويتي من العادات الكريمة والمحافظة على الوحدة الوطنية لما فيه مصلحة الكويت.

وسيكون العفو المرتقب تتويجا لنضال كبير خاضه نواب بمجلس الأمة على مدار سنوات ماضية، كما أنه سيكون ثمرة الدعوة الأميرية إلى الحوار التي أدت إلى حلحلة الخلاف الذي احتدم بشدة بين السلطتين خلال الشهور الأخيرة.

وتأمل الحكومة أن يثمر حل هذا الخلاف تعاونا نيابيا لتمرير بعض القوانين المهمة لدعم اقتصاد البلاد المتعثر، وفي مقدمتها قانون الدين العام الذي سيمكّن الحكومة من اقتراض أكثر من 60 مليار دولار على 30 عاما.

ومثل ملف العفو عن هؤلاء النواب، وعلى رأسهم مسلم البراك وفيصل المسلم وجمعان الحربش، النقطة الرئيسية في الحوار بين الحكومة والمعارضة.

وأعلن وزير شؤون الديوان الأميري أيضا انطلاق حوار وطني بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بغية مناقشة سبل تحقيق المزيد من الاستقرار السياسي وتهيئة الأجواء لتعزيز التعاون بين السلطتين.

وسبق أن تقدم هشام الصالح عضو اللجنة التشريعية بالبرلمان باقتراح بقانون بالعفو الشامل عن جميع الجرائم الجنائية والجنح والأفعال المجرّمة قبل 31 ديسمبر 2020 والقتل والاعتداء على المال العام وغسيل الأموال والجرائم الأمنية وغيرها.