أكدت وكالة رويترز في تقرير لها الجمعة 15 يوليو 2022م أن مصر على شفا الإفلاس، وقالت إنه في ضوء تجارب الانهيارات الاقتصادية التاريخية ما أدت إليه من إفلاسات في العديد من الدول، فإن هناك علامات متشابهة تنطبق على عدة دول باتت في دائرة خطر الإفلاس ومن بينها مصر وتونس والأرجنتين وأوكرانيا وإثيوبيا وباكستان.
ورصدت رويترز هذه العلامات المتشابهة بين هذه الدول المعرضة لخطر الإفلاس مع دول سبق وأن أفلست ومرت بهذه المراحل التي تمر بها مصر حاليا، وأبرز هذه العلامات أزمة الديون المتمثلة في انهيار العملات وفروق في عوائد السندات بمقدار 1000 نقطة أساس وتراجع احتياطيات العملات الأجنبية، تشير إلى وجود عدد قياسي من الدول النامية التي تعاني الآن من مشاكل. وتخلفت بالفعل دول لبنان وسريلانكا وروسيا وسورينام وزامبيا عن سداد الديون، وأصبحت روسيا البيضاء على حافة الهاوية، وما لا يقل عن 10 دول أخرى في منطقة الخطر إذ أدى ارتفاع تكاليف الاقتراض والتضخم والديون إلى تأجيج المخاوف من الانهيار الاقتصادي.
وبحسب رويترز، تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في مصر حوالي 95 بالمئة، وتشهد واحدة من أكبر عمليات نزوح النقد الأجنبي هذا العام، والتي تقدر بحوالي 11 مليار دولار وفقا لجيه.بي مورجان. تقدر إف.آي.إم بارتنرز للاستثمار أن مصر لديها ديون تبلغ 100 مليار دولار بالعملة الصعبة على مدى السنوات الخمس المقبلة، بما في ذلك سندات ضخمة بقيمة 3.3 مليارات دولار تستحق في 2024. وخفضت القاهرة قيمة الجنيه بنسبة 15 بالمئة، وطلبت من صندوق النقد الدولي المساعدة في مارس/ آذار، لكن فروق عوائد السندات تجاوزت الآن 1200 نقطة أساس، بينما تم تحديد سعر مقايضات التخلف عن السداد، وهي أداة للمستثمرين للتحوط من المخاطر، عند فرصة 55 بالمئة في التخلف عن السداد. لكن فرنسيسك بالسيلس، رئيس قسم معلومات ديون الأسواق الناشئة في إف.آي.إم بارتنرز، يقدر أن ما يقرب من نصف المئة مليار دولار التي تحتاج مصر إلى دفعها بحلول عام 2027 هي لصندوق النقد الدولي أو ديون ثنائية، ولا سيما لدول الخليج. وقال بالسيلس: "في الظروف العادية، يجب أن تكون مصر قادرة على السداد".
وكان الدكتور عبد الخالق فاروق، الخبير الاقتصادي والمتخصص في إعداد موازنات الدول النامية، قد صرح قبل أيام أن مصر دولة ثرية وليست فقيرة كما يردد بعض المسؤولين، وإن أكبر أكذوبة يرددها المسؤولون في الدولة، سواء في فترة ما قبل ثور 25 يناير أو ما بعدها، هي أن مصر دولة فقيرة، وبلد موارده محدودة. وأضاف أن مصر بالتحليل الدقيق والرقمي، لكل مصادر الدخل، هي بلد غني جدا، ولكنها تدار بطريقة، إما يحكمها عدم الكفاءة من ناحية، أو جماعات الفساد والمصالح الضارة من ناحية أخرى، وبالتالي يُهدر جانب كبير من الثروة.
فاروق الذي تعرض للاعتقال قبل سنوات ثم إفراج عنه لاحقا، عندما رفض مقولة إن "مصر بلد فقير"، واستطاع من خلال كتبه وأبحاثه أن يثبت للقضاء أن مصر بلد غني بثرواته، قال ــ في حوار مع صحيفة "العربي الجديد" اللندنية أجراه الكاتب عادل صبري، رئيس تحرير الوفد ومصر العربية سابقا، إن من يورط مصر في الديون أكثر من قدرتها على السداد، سيؤدي فعله حتما في المرحلة التالية إلى ما حدث في عهد الخديوي إسماعيل، حينما رهن أصول أمواله الشخصية وممتلكات الدولة، والتي من بينها أراضي مصر والسكك الحديدية والموانئ، لأصحاب الديون الأجانب. والنظام يقوم الآن بنفس الإجراء، من خلال قانون توريث الديون المصرية، حيث سيطرح جزء من هذه الديون للتداول في البورصات، وبالتالي تصبح سندات الدين، في مرحلة تالية مطلبا من أصحاب الدين بأن تتحول المؤسسات والمنشآت العامة إلى ضمانات للسندات، بما فيها هيئة قناة السويس وآبار البترول والغاز.
وبحسب فاروق، فإن وهذه السياسات تضع مصر في مسار شديد الخطر، شديد الضرر، في المستقبل القريب. مصر تقترب من حافة الإفلاس الفعلي، في خلال 4 إلى 5 سنوات. وها نحن نرى أن السعودية تفضل الآن تقديم القروض في شكل استثمارات، وكذلك فعلت الإمارات، حيث يفضلون شراء الأصول المصرية، سواء كانت منشآت صناعية، أو موانئ أو حقوقا بترول. وبذلك يتجه بنا النظام الآن إلى الجحيم.
ويواجه نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي عدة مشاكل وأزمات بالغة القسوة؛ على المستويين المحلي والإقليمي، تتراوح بين الضغوط الاقتصادية بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع فاتورة الدين الخارجي، وبين أخرى أمنية وسياسية وإقليمية، أبرزها أزمة نقص المياه المحتملة الناتجة عن سد النهضة الإثيوبي، والأوضاع غير المستقرة التي تغرق بها دولتا الجوار، ليبيا والسودان، والتي تهدد استقرار مصر. واضطرت حكومة الانقلاب، أول الأربعاء 13 يوليو 2022م، لرفع أسعار المحروقات بنسبة قاربت الـ 20 في المائة، بالإضافة للمساس بسعر السولار الذي يتحكم في أسعار الكثير من السلع الغذائية واحتياجات المواطنين اليومية، حيث يعد الوقود الأساسي المستخدم في سيارات النقل. ومن أبرز الأزمات التي يقف النظام أمامها عاجزا رغم أنها تمثل تهديدا للأمن القومي للبلاد؛ أزمة عدم القدرة على تثبيت سعر السولار، وأزمة ملء إثيوبيا سد النهضة وشح المياه المرتقب، وأزمة فشل الحوار الوطني وعدم مشاركة الإسلاميين فيه بعد اشتراط النظام الاعتراف بشرعية 3 يوليو ودستور الانقلاب، ثم تراجع الدور المصري إقليميا في كل من ليبيا والسودان.