قبل أيام كانت زيارة السيسي الخاطفة إلى مدينة جدة السعودية، ولقاؤه بولي العهد محمد بن سلمان، وكان لافتا سفره بطائرة رئاسية متواضعة، ولم يكن يرتدي ملابس رسمية، ما أعطى انطباعا بأن السيسي ذهب إلى ابن سلمان على هيئة رجل “متسول” طالبا إنقاذ جمهوريته الجديدة من الإفلاس.
ذهب السيسي إلى ابن سلمان طالبا “العيدية” قبل انقضاء شهر رمضان وحلول عيد الفطر المبارك، وبالعودة إلى كتاب «صعود محمد بن سلمان إلى السلطة» للكاتب الأمريكي بن هابرد، مدير مكتب صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية السابق في الرياض، يتبين حجم الجنرال الحقيقي أمام كفيل الانقلاب.
ووفقا لما ورد، فقد استضاف جون كيري ولي ولي العهد أنذاك محمد بن سلمان على العشاء في فترة تولي الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في قصره في جورج تاون.
وروى الكاتب أن المساء بدأ بجلسة محادثات في غرفة الجلوس بالطابق الأرضي للقصر، مشيرا إلى أن “ابن سلمان” بدأ بالنظر إلى البيانو فسأله جون كيري إن كان يعرف العزف، ليفاجئه بالجلوس وعزف مقطوعة موسيقية متقنة.
ونظرا لعداء الوهابية مع الموسيقي -من وجهة نظر الكاتب- لم يتوقع مضيفو محمد بن سلمان بأنه يعرف العزف، وبحسب الكتاب، فقد انتقل الجميع بعد ذلك لغرفة في الجزء السفلي من القصر، حيث تقع غرفة طعام تطل على الحديقة الخلفية للقصر، وفي أثناء مناقشة سياسات الشرق الأوسط، فاجأ “ابن سلمان” مضيفَه باقتراحه أنه يستطيع تحديد مَن يحكم في أي مكان في العالم العربي.
وقال “إذا أردت خروج السيسي فسيخرج” في إشارة إلى أن الكفيل هو من يحرك الانقلاب في مصر، ومنذ انقلابه في 30 يونيو 2013. السيسي زار السعودية 14 مرة، كان آخرها في ديسمبر 2022، لحضور القمة الصينية العربية، وتعد الزيارة الأخيرة رقم 15.
إلا أن الزيارة هذه تأتي في ظل ظروف سادها التوتر بين الكفيل السعودي وخادمه في مصر، بعد التلاسن الذي ارتقى إلى مستوى كُتاب وإعلاميين مقربين من الطرفين، وتوالت المؤشرات منذ أسابيع، على وجود إحجام خليجي عن دعم السيسي ماليا، لإنقاذه من أزمة اقتصادية كبيرة تضرب البلاد منذ الربع الأول من العام الماضي، أوقعت عملة البلاد إلى هاوية سحيقة غير مسبوقة تاريخيا.
ويثار الحديث عن رفض بعض دول الخليج العربية دعوات صندوق النقد الدولي الأخيرة التي أطلقها في 10 يناير الجاري لمساعدة مصر، ومطالبته من وصفهم بـحلفاء مصر الخليجيين بالوفاء بتعهداتهم الاستثمارية لتغطية فجوة التمويل الخارجي.
وبالعودة الى ما سطره “هابرد” في كتابه، فوجئ المسؤولون الأمريكون بجدية حديث ولي ولي العهد السعودي آنذاك، بشأن السيسي، ولكن حينما وصل التقرير الرسمي عن العشاء للبيت الأبيض فوجئ كثيرون بغرور الأمير محمد بن سلمان.
كتاب “صعود الأمير محمد بن سلمان إلى السلطة” في السعودية لمراسل نيويورك تايمز السابق في الرياض بن هابرد يكشف تفاصيل الصراع الملكي الذي أدى إلى وصول الملك سلمان إلى الحكم وابنه والتفاصيل التي أدت إلى اختيار سلمان لابنه محمد بن سلمان بين بقية أبنائه لنقل السلطة من الجيل الثاني للعائلة المالكة إلى الجيل الرابع.
وقدّم بن هابرد في كتابه، استنادا إلى سنوات من التقارير ومئات المقابلات السرية، رؤى جديدة حول التدخل العسكري السعودي الكارثي في اليمن، والاعتقال الغريب لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، والاعتقال المفاجئ لمئات الأمراء ورجال الأعمال، بالإضافة إلى أكبر فضيحة تمثلت في القتل الوحشي للصحفي السعودي جمال خاشقجي على يد مسؤولين سعوديين على صلة بمحمد بن سلمان، في جريمة صدمت العالم، ودعم انقلاب السيسي.
