في حدث لاشك يؤثر استراتيجيا على مصر ليس أقل من الحرب الصهيونية البربرية على قطاع غزة، أكدت ورقة بعنوان “نقل العاصمة السودانية إلى بورتسودان” هل يتكرر سيناريو اليمن؟ إن ذلك يُهدِّد بتفكك السودان، ويُشكِّل خطرا بظهور ما يُمكن تسميته بـالسودان الجديد المُقسم.
الورقة البحثية التي نشرها موقع “الشارع السياسي” نقل تخوقات وتحذيرات سودانية منها تحذير قوي الحرية والتغيير المجلس المركزي، التي تقود الجهود السياسية الحالية لإيقاف الحرب، في بيان، من أن أي خطوة قد يتخذها البرهان لإعلان حكومة تباشر مهامها من بورتسودان ستؤدي إلى تقسم البلاد.
وقالت: إن “هناك تخوفا في أوساط قيادات الجيش من أن يدفع تشكيل حكومة في بورتسودان قوات الدعم السريع للتصعيد أكثر وعزل العاصمة تماما، وبالتالي تعقيد العمليات العسكرية خصوصا في ظل سيطرة الدعم السريع على معظم المقرات العسكرية والمدنية الاستراتيجية في الخرطوم”.
إعلان التخوفات أثر بحسب الورقة في تراجع قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان عن خطة تشكيل حكومة تسيير أعمال في الوقت الحالي، بسبب العقبات اللوجستية والسياسية والضغوط الداخلية والخارجية.
التشابه مع الملف اليمني
وقالت الورقة مع انتقال العاصمة الفعلية ومقر حكم الجيش لبورتسودان على غرار انتقال الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا من صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون لعدن، برزت المقارنة بين التجربتين.
وأوجه التشابه:
أولها؛ عدم قدرة حكومتي عدن وبورتسودان على توفير الحماية أو الخدمات للمدنيين الذين يعيشون أسوأ الأزمات الإنسانية.
وثانيها؛ الموقف الدولي المائع، فرغم كل الانتهاكات الحقوقية؛ إلا أنه ليس هناك موقف دولي حاسم تجاه الحوثيين أو الدعم السريع.
وثالثها؛ كلاهما يعتمد على قوات عشائرية تنحدر من الأقاليم الأكثر تهميشا ووعورة وقسوة في الظروف وقبائلية دارفور في السودان وصعدة في اليمن، وبالتالي هم مقاتلون أكثر شراسة وصلابة من منافسيهم.
ورابعها؛ العداء التاريخي للبعثيين والناصريين واليساريين تجاه الإسلاميين يقودهم للتحالف مع قوى ميليشياتية تتبنى خطابا طائفيا عنصريا فجا؛ ففي الحالتين، يناصب الحوثيون وحميدتي الحركات الإسلامية ذات الجذور الإخوانية العداء، وفي الحالتين، يحاول الطرفان حميدتي والحوثيون مغازلة القوى الانفصالية أو الاستفادة، منها بدرجات متفاوتة من النجاح والفشل.
أما أوجه الاختلاف:
فأولها؛ أن الدعم السريع يعتمد بشكل أساسي على موارده الذاتية من الذهب السوداني، إضافة لنهب المدنيين والتهريب، بينما الحوثيون يعتمدون على الدعم الإيراني إضافة للنهب والتهريب، ما يعطي ميزة للدعم.
وثانيها؛ أن الحصار الذي ينفذه التحالف العربي على اليمن لمنع وصول الأسلحة والإمدادات للحوثيين محكم نسبيا في ظل التفوق الجوي والبحري السعودي.
وقال الورقة: إن “اليمن بلد له حدود بحرية طويلة تحاصرها البحرية السعودية وتتواجه فيها البحرية الأمريكية، فيما حدود البلاد البرية هي مع السعودية أو سلطنة عمان المحايدة، وهي مسيطر عليها من قِبل قوى حليفة أو ليست معادية للتحالف العربي، بينما حدود السودان طويلة للغاية وتصعب السيطرة عليها، والحدود الغربية تحديدا مع تشاد تحت سيطرة الدعم السريع عليها، بل تتاخم منطقة نفوذه التقليدية في دارفور، وهذه الحدود هي مصدر تجنيد بالنسبة له من القبائل العربية في تشاد، كما أن هذه الحدود مفتوحة على أماكن وجود شركة فاغنر الروسية للمرتزقة بإفريقيا، والتي يعتقد أنها مصدر تسليح قوات الدعم الرئيسي وشريكتها في تهريب الذهب عبر الحدود.
وثالثها؛ من حيث طبيعة القوات، فإن وضع الجيش السوداني أفضل نسبيا من قوات الحكومة الشرعية في اليمن، فهو أقل اعتمادا على الدعم الخارجي، ويسيطر على أجزاء من العاصمة والمنطقة الوسطى المركزية، ولديه سلاح مدفعية وطيران فعّال حتى الآن.
الوضع الأسوأ بحسب الورقة يأتي من ناحية التحالفات الخارجية، حيث وضعه أسوأ من الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.
وضع مأزوم
وأشارت الورقة إلى أن بورتسودان باتت العاصمة الفعلية للسودان، وأن ذلك مؤشر على أن البلاد تسير تدريجيا على خطى النموذج اليمني، حيث يسيطر التمرد على العاصمة، بينما تنتقل الحكومة المعترف بها دوليا للميناء الرئيسي المحمي جيدا، ومن ثم فالسيناريو المطروح يشير إلى أن الحرب قد تطول.
واستدركت أن الحرب قد تأخذ شكل جبهات مستقرة، يسيطر فيها الدعم السريع على أجزاء واسعة من العاصمة عبر سيطرته على منازل أعداد كبيرة من المواطنين وبعض المؤسسات، فيما يسيطر الجيش على مقراته في الخرطوم، وفي الأقاليم للجيش اليد العليا في المنطقة الوسطى والشرقية، مع غياب للدعم خاصة في المنطقة الشرقية، بينما له اليد العليا في الغرب خاصة دارفور، مع استمرار وجود الجيش.
وأشارت إلى أن نقل العاصمة الإدارية لبورتسودان، رغم أنه قد يضعف وضع الجيش في الخرطوم، ولكنه قد يتيح له قدرة أكبر على الاستمرار في القتال؛ لأن قدرة قوات الدعم السريع في الضغط على رأس الحكم وأسر قادة الجيش والحكومة ومؤسسات الدولة سوف تتراجع، وهي كلها عوامل دافعة في اتجاه استمرار الحرب، وهي أيضا مؤشرات على أنه لا طرف يبدو قريبا من حسمها.
وأوضحت أن نقل العاصمة الإدارية لبورتسودان، يؤشر لتقسيم السودان لمناطق نفوذ بين الطرفين الرئيسيين، إضافة لمناطق أصغر للحركات الانفصالية والثورية، حيث يصبح لكل طرف مراكز قيادة آمنة، بورتسودان للجيش، ودارفور للدعم السريع، بينما يتركز القتال في أماكن محددة تتحول لنقاط تماس كما في الخرطوم.
وهي وصفة لاستمرار الحرب أكثر من كونها مؤشرا على قرب نهايتها، بل إنها مؤشر إلى أن أية تسوية قد تؤدي لترسيخ هذا الوضع التقسيمي، فحتى لو بدأت مفاوضات سلام جدية، فإن هناك شبكة من المصالح سوف تتراكم لمنع إنهاء هذا التقسيم في النفوذ.
https://politicalstreet.org/6216/?fbclid=IwAR3YkuflHDYXaBhMmDOOoKCcO5bDeRNoxbKGZ1Z-nGYgjA_RaEV3n4iqM3k
