وسط حرب عاتية بين جيش الاحتلال والمقاومة الفلسطينية تدور رحاها لليوم الـ63، مرت اليوم الذكرى الـ36 على الانتفاضة الفلسطينية الأولى “انتفاضة الحجارة”، في وقت مرير على قطاع غزة وفلسطين، لتسجل صفحة من تاريخ النضال الفلسطيني امتدت ما بين1987 -1994 لـ 79 شهرا، واستشهد فيها نحو 1550 شهيدا فلسطينيا، وجرح حوالي 70 ألف فلسطيني واعتقل فيها ما بين 100 إلى 200 ألف فلسطيني، بحسب مؤسسة رعاية أسر الشهداء والأسرى.
ومن مخيم جباليا وعقب استشهاد أربعة عمال على حاجز بيت حانون “إيريز” الخاضع لسيطرة الاحتلال، بعد أن أقدم مستوطن على دهسهم بشاحنته، في ديسمبر 1987 انطلقت شرارة الانتفاضة الأولى على دماء؛ الشهيد طالب أبو زيد (46 عاما) من المغازي، والشهيد عصام حمودة (29 عاما) من جباليا البلد، والشهيد شعبان نبهان (26 عاما) من جباليا البلد، والشهيد علي إسماعيل (25 عاما) من المغازي.
في صباح اليوم التالي انطلقت المظاهرات العارمة في ربوع مخيم جباليا بقطاع غزة، وما أن تحولت إلى ومواجهات واسعة عنيفة ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وكان حاتم السيسي هو أول شهيد يسقط في الانتفاضة.
وأدى ذلك إلى اشتعال لهيب المواجهات وانتقالها لخارج جباليا لمخيمات الضفة الغربية في مخيم نابلس ومخيم بلاطة، واستشهد في 10 ديسمبر إبراهيم العكليك (17 عاما)، وفي اليوم الثاني استشهدت الشابة سهيلة الكعبي (19 عاما) والفتى علي مساعد (12 عاما) من مخيم بلاطة.
يقول عاطف مقيد @atefmoq “في8 ديسمبر 1987 دهست شاحنة إسرائيلية يقودها إسرائيلي من أشدود سيارة يركبها عمال فلسطينيون من جباليا متوقفة في محطة وقود، مما أودى بحياة أربعة أشخاص وجرح آخرين.
وأضاف “اعتبر الفلسطينيون أن الحادث هو عملية قتل متعمد، في اليوم التالي وخلال جنازة الضحايا اندلع احتجاج عفوي قامت الحشود خلاله بإلقاء الحجارة على موقع للجيش الإسرائيلي في جباليا فقام الجنود بإطلاق النار دون أن يؤثر ذلك على الحشود، وأمام ما تعرض له من وابل الحجارة وكوكتيل المولوتوف طلب الجيش الإسرائيلي الدعم، وهو ما شكّل أول شرارة للانتفاضة”.
https://twitter.com/atefmoq/status/1733130542285983793
الناشط الفلسطيني أدهم أبو سلمية @adham922 قال: إنها “انتفاضة حجارة المساجد، والتي انطلقت من جباليا شمال قطاع غزة لقد كانت تعبيرا عن إرادة الشعب الفلسطيني في الخلاص من ظلم الاحتلال ورفضا لجرائمه وعدوانه”.
وأوضح أنه “لم يكن يملك شعبنا يومها إلا الحجارة لمواجهة الجيش الصهيوني الذي قابلهم بالقوة المفرطة قتلا وجرحا واعتقالا، لكن من هم في الصورة المرفقة آمنوا أن العدو يجب مقارعته بكل القوة الممكنة، وها هم اليوم في جباليا يخوضون معارك ضارية لنفس الأسباب، لكن بأسلحة صنعوها بأيديهم المباركة فيوقعون هذا العدو بين قتيل وجريح ولسان حالهم يقول؛ نحن من تجاهلنا العالم وتجاهل حقوقنا قبل 36 عاما، ولأنه كذلك ما زلنا نقاوم ونقاتل حتى الحرية والتحرير”.
وعلق قائلا: “هذا العالم بدل أن يمنح المظلومين حقوقهم ويعيد لهم وطنهم المسلوب، يقف مع المحتل المجرم ويدعمه، وما دام كذلك فالمقاومة مستمرة وهي تتطور كل يوم حتى يفهم الاحتلال والعالم من خلفه أننا طلاب حرية وأننا نرفض العبودية مهما كلفنا الأمر، وسنقاوم جيلا بعد جيل”.
https://twitter.com/adham922/status/1733062624336601309
دماء يتحملها سافكوها
ولمن يحملون المقاومة سيل الدماء التي يسفكها المجرمون الصهاينة، فإنه خلال 23 عاما شهدت غزة أيضا لاحقا للانتفاضة سنة 2000 بداية الانتفاضة الثانية، وفي 2005 انسحاب الصهاينة وجيشهم من غزة، وفي 2007 بدأ الحصار الظالم، وفي 2008 الحرب الأولى، ثم في 2012 الحرب الثانية، وفي 2014 الحرب الثالثة، وفي 2018 كانت المقاومة السلمية، وفي 2019 بدأت الحرب الرابعة، ثم في 2021 بدأت الحرب الخامسة، وفي 2022 كانت الحرب السادسة، وفي 2023 كانت الحرب السابعة والعدوان الواسع على الشعب الأعزل.
وقال مراقبون: إنه “في مثل هذا اليوم قبل 36 عاما، بدأت الإنتفاضة الأولى إنتفاضة الحجارة، شارك فيها كل الأشبال والشبان والرجال والنساء للدفاع عن الأراضي المحتلة، القسام والسرايا والأقصى وألوية الناصر والمجاهدين والشعبية وأبو علي مصطفى، وأن هؤلاء جميعهم هُم أطفال الحجارة خرجوا من قلب المعاناة والظلم والاستبداد والاضطهاد واليوم كبروا ليكونوا رجال فلسطين وأبطالها يُدافعون عن الشعب والأراضي المحتلة والمقدسات.
7 سنوات ثورة
وعلى مدار 7 سنوات استمر لهيب الانتفاضة في أرجاء فلسطين التاريخية، من غزة إلى القدس والضفة الغربية وحتى للداخل الفلسطيني المحتل، فوصل عدد الجرحى إلى ما يزيد عن 70 ألف جريح، 40% منهم أصيبوا بإعاقات دائمة، و65% عانوا من الشلل الدماغي أو النصفي أو العلوي أو الشلل في أحد الأطراف، بالإضافة إلى بتر أو قطع لأطراف هامة.
واستشهد 40 فلسطينيا خلال الانتفاضة الأولى داخل السجون ومراكز الاعتقال الصهيونية، وذلك لاستخدام المحققون أساليب التنكيل والتعذيب لانتزاع الاعترافات.
وعذب زبانية الاحتلال عشرات الآلاف من الفلسطينيين خلال استجوابهم، وأصدرت المحكم الصهيونية 18 ألف أمر اعتقال إداري ضد فلسطينيين، وهدم 447 منزلا فلسطينيا هدما كاملا كعقوبة، وإغلاق 294 منزلا إغلاقا تاما كعقاب، كما جرى هدم 81 منزلا فلسطينيا هدما كاملا خلال قيام جنود الاحتلال الإسرائيلي بعمليات البحث عن المطلوبين، وهدم 1800 منزل فلسطيني، بزعم البناء بدون ترخيص.
الانتفاضة الثانية
بعد انكشاف أن أوسلو 1993 كانت لوقف انتفاضة الحجارة التي هددت المحتل في بقائه، استدعى المحتل بعون من واشنطن ولندن وباريس وعواصم أوروبية أخرى عملاء الاحتلال في الداخل وخدع فصائل أبرزها “فتح” ليجعلهم حراس على باب زنانة واسعة لتطلعات الفلسطينيين.
الانتفاضة الثانية التي جرت في سنة 2000، كانت تحمل في طياتها دلالات سياسية ونضالية كبرى، في مقدمها أنها أكدت وصول اتفاق أوسلو إلى طريقه المسدود.
وأكدت الانتفاضة فشل اتفاق أوسلو كمشروع للتحرر من الاحتلال والفوز بالحقوق الوطنية المشروعة، وأن المقاومة الشاملة بكل الوسائل، هي الطريق نحو استنزاف الاحتلال، وإرغامه على دفع ثمن احتلاله غاليا، على طريق دحره والخلاص منه ومن الاستيطان، واستعادة كل شبر من أرضنا الفلسطينية المحتلة بالحرب العدوانية في 1967.
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قالت: إن “تطويق الانتفاضة بالاتفاقات والتفاهمات وأوراق العمل المختلفة، ومنها خطة خارطة الطريق سيئة الصيت، ووثيقة جنيف- البحر الميت، وغيرها من الشروط التي فرضت على شعبنا، بتواطؤ من بعض أركان السلطة، جدد المأساة السياسية لمشروع أوسلو وتداعياتها الكارثية على أوضاع شعبنا وحقوقه الوطنية”.
تجربة العودة إلى المفاوضات، منذ العام 2005، أكدت التجربة أنه مسار مغلق، لم يحقق لشعبنا منذ ذلك التاريخ سوى الانحدار أكثر فأكثر، في أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، وتهالك أوضاع السلطة الفلسطينية وتفكك مؤسساتها، واتساع مشروع الاستيطان والضم (السلب والنهب) والزحف”.
ودعت الجبهة كفصيل عضو في منظمة التحرير الفلسطينية وتحمل السلاح أيضا، في أحد بياناتها إلى العودة إلى استلهام روح انتفاضة الاستقلال (الانتفاضة الثانية) بالذهاب في خطوة موحدة نحو المقاومة الشعبية الشاملة بكل الوسائل، في إطار إستراتيجية وطنية توحد شعبنا وقواه السياسية، وتعيد بناء المؤسسات الوطنية.