رغم حرب الإبادة التى تشنها دولة الاحتلال الصهيونى على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 إلا أن المقاومة الفلسطينية مازالت تثبت كل يوم ليس فقط قدرتها على التصدى للاحتلال ومقاومته والدفاع عن الشعب الفلسطيني بل ونقل المعارك إلى عمق دولة الاحتلال عبر الصواريخ التى تطلقها من وقت إلى آخر وتستهدف مختلف المناطق المحتلة .
هذه الصواريخ رغم أنها لا تحقق ميزان القوة مع جيش الاحتلال، لكنها مع الإرادة الفلسطينية حققت ميزان الرعب وهى توجه رسالة للاحتلال الصهيونى مفادها أن الأمن مقابل الأمن وأنه ما دام الاحتلال يستهدف الفلسطينيين فان المقاومة ستواصل استهداف الصهاينة فى كل مكان .
كانت كتائب القسام قد أطلقت قبل أيام رشقة صاروخية قصيرة المدى من منظومة "رجوم" باتجاه مستوطنة نير إسحاق في غلاف غزة، في حين قال المتحدث باسم جيش الاحتلال إن القبة الحديدية اعترضت 3 صواريخ منها دون وقوع إصابات.
الأمن مقابل الأمن
من جانبه قال الخبير العسكري اللواء محمد الصمادي إن إطلاق صواريخ المقاومة يجري وفق تخطيط عملياتي ويمثل إعجازا عسكريا، نظرا للسيطرة الجوية الكاملة لدولة الاحتلال معتبرا أن هذه الصواريخ توجه رسالة للاحتلال بأن الأمن سيكون مقابل الأمن.
وأكد الصمادي فى تصريحات صحفية أن سكان مستوطنات غلاف غزة لن يعيشوا حياة مستقرة، ما دامت دولة الاحتلال تواصل حربها على قطاع غزة مشيرا إلى أن صواريخ المقاومة تستنزف القدرات الدفاعية للاحتلال وتستنفره عسكريا .
وأوضح أنه رغم أن القدرات التفجيرية لهذه الصواريخ ليست كبيرة، لكنها تؤكد قدرة المقاومة على مواصلة إطلاق هذه الصواريخ، لافتا إلى أن كتائب القسام استهدفت مركز الثقل الاستراتيجي في تل أبيب، ثم استهدفت عسقلان بينما استهدفت سرايا القدس مستوطنات غلاف غزة التي هي مناطق تحشد عسكري.
وأشار الصمادي إلى أن الرشقة الصاروخية التي أطلقتها كتائب القسام مؤخرا تجاه مستوطنة نير إسحاق تكشف هشاشة السردية الصهيونية بشأن السيطرة الأمنية الكاملة على قطاع غزة، وتؤكد أن المقاومة ما زالت تمتلك زمام المبادرة رغم شدة الحصار والضربات الجوية.
وأضاف : توقيت العملية يحمل رسالة مزدوجة؛ فمن جهة يثبت فشل الاحتلال في فرض السيطرة على محاور التوغل جنوب القطاع، ومن جهة أخرى يوجه صفعة إعلامية لادعاءات الجيش الصهسونى بإحكام قبضته على منطقة رفح .
إعجاز ميداني
وشدد الصمادي على أن هذه الصواريخ، رغم محدودية مداها التدميري، فإنها تشكل في العلم العسكري "إعجازا ميدانيا"، إذ أُطلقت بعد أكثر من 40 يوما من الحصار المتواصل و26 يوما من استئناف العمليات القتالية، مما يعكس قدرة المقاومة على الحفاظ على منظومة نارية فعالة.
وقال إن صواريخ "رجوم" القصيرة المدى لا تعترضها عادة القبة الحديدية، وهذا ما يعزز فاعلية استخدامها كأداة تكتيكية لإرباك العدو في نقاط التماس، مشيرا إلى أن دولة الاحتلال لا يمكنها أن تزعم بوجود أمان حقيقي في مستوطنات الغلاف ما دامت المقاومة تحتفظ بهذه القدرة.
وأكد الصمادي أن استمرار إطلاق هذه الصواريخ يوجه رسالة ضمنية بأن "لا أمن في الغلاف"، وأن قدرة المقاومة على الفعل في ظل الإطباق الميداني والجوي ما زالت قائمة، وهو ما يضرب المنطق الصهيوئي في العمق .
أهداف مشروعة
قال الخبير العسكري اللواء واصف عريقات ان المقاومة الفلسطينية تمكنت من تطوير أدائها على كافة الأصعدة، فلديها غرفة عمليات مشتركة تضم مختلف الفصائل ، وهناك تنسيق مشترك بينها، وهذا يشكل عامل حاسم في قدرة المقاومة على الصمود والتصدي لجيش الاحتلال .
وأكد عريقات فى تصريحات صحفية أن هناك تطورا نوعيا في استخدام الأسلحة والمعدات والخطط العسكرية والصواريخ وفي اختيار أهدافها وإصابتها .
وقال إن الشعب الفلسطيني منذ عام ١٩٤٠ وهو في حرب مستمرة، ويتعرض لاعتداءات صهيونية في كل لحظة ، في المسجد الأقصى وفي الجامعات وفي البيوت، مؤكدا أن مسار العمليات ليس في أرض المعركة فقط، والشعب الفلسطيني لن يتوقف عن مقاومة الاحتلال بمختلف أشكال المقاومة.
وأضاف عريقات أن المقاومة متخندقة في خندق واحد وهذا سر نجاحها، لافتا إلى أن المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها استفادت من الحربين السابقتين في عامي ٢٠٠٨ و٢٠١٢، وعملت على تطوير أدائها وأسلحتها .
وأوضح أن بنك الأهداف الفلسطيني ظاهر وموجود، وفي مقابله لا يوجد بنك أهداف صهيوني سوى قتل ما يمكن قتله من الشعب الفلسطيني، وبما أن الكل الفلسطيني استهدف، فهذا يجعل من جيش الاحتلال والمستوطنين والكل الصهيوني أهدافا مشروعة، مؤكدا أن هذه هي الرسالة التي حملتها الصواريخ التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية والتي غطت مساحة ٧٠ في المائة من الأراضي التي يسيطر عليها الاحتلال، وهذا يعني نقل المعركة إلى أرض العدو.
وأكد عريقات، أن الصواريخ الفلسطينية صنعت محليا وبشكل بدائي وحققت أهدافها، بشكل لا يقل عن الصواريخ التي صنعت في أمريكا وروسيا وغيرها موضحا أن هذه الصواريخ لا تحقق ميزان القوة مع جيش الاحتلال، لكنها مع الإرادة الفلسطينية حققت ميزان الرعب للصهاينة.
إرادة واصرار
كشف الباحث باسم جلال القاسم عن مراحل تطور القدرات الصاروخية الفلسطينية، موضحا أن المراحل الأولى لإنتاج الصواريخ، في قطاع غزة بدأت بالبحث عن الوسائل والمواد المتفجرة المستخدمة في الصواريخ، حيث واجهت المقاومة الفلسطينية الكثير من الصعوبات؛ لعدم توفر المواد اللازمة في الأراضي المحتلة، مما دفع وحدات الأجنحة المسلحة للاعتماد على الذات في صناعة المواد اللازمة لصنع الصاروخ.
وقال القاسم فى تصريحات صحفية : الاحتلال حاول منع وصول الأسلحة والمواد اللازمة إلى أيدي المقاومين، من خلال فرض حصار مشدد على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، حتى إن قوات الاحتلال قامت بمنع معظم المواد الأولية التي تدخل في بعض الصناعات الفلسطينية، وأهمها مواد “التنظيف” التي يُعتقد أنها تحتوي على مركّبات لها استخدام مزدوج، وتستفيد منها المقاومة في تصنيع المتفجرات. كما حاولت منع دخول بعض المواد التي تُستخدم في الزراعة، وأهمها مادة “اليوريا” التي تعتقد قوات الاحتلال أنها العنصر الرئيسي في تصنيع العبوات الناسفة.
وأكد أن هذا التضييق لم يوقف التفكير في استحداث طرق محلية لتخطي ذلك؛ لافتا إلى أن المقاومة لجأت إلى رَوْث البهائم لاستخراج بعض الغازات والمواد الكيماوية التي يمكن استخدامها في تصنيع المتفجرات.
وأشار القاسم إلى أن فصائل المقاومة استفادت من سيطرة حركة حماس عسكرياً على القطاع، بعد أن بات التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال من الماضي، وأصبحت عمليات إدخال وتصنيع وتخزين وتجارب الصواريخ بعيدة عن الرصد والاستهداف من قبل قوات الاحتلال، موضحا أنه في المقابل لعب التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال في الضفة الغربية، دوراً متقدماً في الحدّ من قدرة المقاومة الفلسطينية على نقل تكنولوجيا الصواريخ من قطاع غزة إلى الضفة .
وكشف أنه لم تكن التزامات أوسلو هى الدافع الوحيد لهذا التوجه لدى السلطة، بل كان الدافع الأقوى خوف السلطة من انتقال سيطرة حماس إلى الضفة بعد سيطرتها على القطاع في منتصف 2007.