بعد بدء تحقيق الاكتفاء الذاتي بعهد مرسى  ..”عمولات الجيش” تطيح بقمح الفلاحين…والسيسى : نستورده ونصدر محاصيل أخرى؟!!

- ‎فيتقارير

 

في خطوة تثير الكثير من التساؤلات، كشفت وثائق رسمية أن مشتريات حكومة الانقلاب  من القمح المحلي تراجعت بنسبة تفوق 37% هذا الموسم، رغم محاولات الحكومة رفع أسعار التوريد لتحفيز الفلاحين. هذا التراجع، بحسب خبراء ومصادر مطلعة، لا يمكن تفسيره فقط بانخفاض المساحات المزروعة، بل يرتبط أساساً برغبة القيادات العسكرية المسيطرة على ملف الاستيراد في التوسع في شراء القمح المستورد، حيث يحصل كبار الضباط الحاليون والسابقون على عمولات ضخمة من صفقات الاستيراد.

 

فمنذ تأسيس جهاز "مستقبل مصر" التابع للقوات الجوية عام 2022، وانتقال مهمة شراء القمح من الهيئة العامة للسلع التموينية إلى هذا الجهاز، تغيرت الأولويات بشكل لافت، إذ لم يعد هدف الاكتفاء الذاتي من القمح قائماً، بل أصبحت الغلبة لاستيراد القمح من الخارج، وبخاصة من روسيا، لضمان استمرار تدفق العمولات على حساب الفلاحين المحليين والإنتاج الوطني.

 

مقارنة مع تجربة مرسي الناجحة

هذا الواقع المأساوي يعيد إلى الأذهان تجربة عام حكم الرئيس الشهيد محمد مرسي، الذي تبنى، عبر وزير التموين اللامع آنذاك باسم عودة، خطة طموحة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح. وخلال عام واحد فقط، تمكنت الحكومة آنذاك من رفع الإنتاج المحلي بشكل غير مسبوق وتقليص الاعتماد على الاستيراد، ما كان يبشر بتحقيق الاكتفاء الكامل خلال سنوات قليلة لولا الانقلاب الذي أوقف هذا المسار.

 

على النقيض، تظهر البيانات الحديثة أن مصر استوردت نحو 14.7 مليون طن من القمح في عام 2024، 74.3% منها من روسيا، وهو ما يمثل عودة مكثفة للاعتماد على الخارج. كما تراجع الهدف الرسمي للاكتفاء الذاتي من القمح من 65% إلى نحو 49% فقط، في حين أقر عبد الفتاح السيسي في مايو/أيار 2024 بعدم الحاجة لزراعة مزيد من القمح، مفضلاً استيراده بتمويل خليجي، مثل الاتفاقية مع مكتب أبوظبي للصادرات التي تتيح تمويلاً بقيمة 500 مليون دولار لشراء القمح على خمس سنوات.

 

السيسي: لا نزرع القمح… نستورد ونصدر محاصيل أخرى!

تصريحات السيسي الأخيرة تكشف بوضوح عن الانحراف في السياسات الزراعية، إذ دعا إلى تقليص زراعة القمح لصالح محاصيل تصديرية، بهدف جني عملات صعبة تستخدم لاحقاً لاستيراد القمح! وهي سياسة وصفها خبراء زراعيون واقتصاديون بأنها "كارثية" وتهدد الأمن الغذائي للبلاد.

 

وفي السياق ذاته، يظهر أن سعر شراء القمح المحلي (2200 جنيه للأردب) لم يكن محفزاً بالشكل الكافي، مع مقارنة الفلاحين بين عوائد القمح ومحاصيل أكثر ربحية كالبنجر، الذي ارتفعت المساحات المزروعة منه من 500 ألف فدان إلى 700 ألف فدان خلال عام واحد.

 

تهالك الإنتاج… وانتعاش عمولات الاستيراد

رغم التسهيلات الشكلية المعلنة لتوريد القمح المحلي، بلغ حجم القمح المورد من المزارعين هذا الموسم نحو 3.42 ملايين طن فقط، وهي كمية قريبة جداً من العام الماضي، وأقل بوضوح من أرقام 2022. وبالمقابل، تتجه الحكومة لاستيراد نحو 6 ملايين طن إضافية هذا العام لتلبية احتياجات برنامج الخبز المدعم الذي يغطي أكثر من 69 مليون مصري.

 

كل هذه المعطيات ترسم صورة قاتمة لسياسات القمح في مصر اليوم، في ظل تغليب مصالح فئة ضيقة من كبار العسكريين على حساب الأمن الغذائي القومي، في مشهد يتناقض جذرياً مع توجهات فترة الرئيس مرسي الذي أعطى القمح المحلي أولوية وطنية قصوى.