ارتفاعات صادمة في أسعار الإسكان المتوسط:
في مفارقة تعكس التحول العكسي في دور الدولة، سجلت أسعار الوحدات المطروحة حديثًا من وزارة الإسكان بحكومة الانقلاب ، ممثلة في صندوق الإسكان الاجتماعي، زيادات غير مسبوقة تجاوزت 100% في بعض المدن، لتصبح الوحدات الحكومية أغلى من نظيرتها في القطاع الخاص، وهو ما يثير تساؤلات حول دور الجيش في إدارة ملف الإسكان وتحول الوزارة إلى وسيط تجاري لا يوفر السكن المدعوم بل ينافس به السوق الحر.
شقق وزارة الإسكان.. رفاهية لا يقدر عليها متوسّطو الدخل
في الطرح الأخير الذي شمل 15,244 وحدة بـ12 مدينة جديدة، تراوح سعر المتر ما بين 11,100 جنيه في 15 مايو، و11,500 جنيه في مدينة بدر، مقارنةً بـ7,000 و5,555 جنيهًا فقط للمتر في طروحات سابقة قبل أقل من عامين. وتصل أسعار بعض الوحدات إلى 1.89 مليون جنيه في مدينة العلمين الجديدة، أي ما يتجاوز قدرات متوسطي الدخل.
دور الجيش.. من مقاول إلى سمسار؟
يرى خبراء أن هذه القفزات السعرية تعود جزئيًا لتورط شركات تابعة للجيش في تنفيذ وتسويق هذه الوحدات، ما حوّل الدولة إلى تاجر عقاري. يقول الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق المعتقل بسجون السيسى فى تصريحات سابقة :
"دخول الجيش في السوق العقارية حوّل الوزارة من جهة دعم اجتماعي إلى شركة وساطة تستهدف الربح، بل وتنافس القطاع الخاص بأسعار أعلى في كثير من الأحيان، وهو أمر غير مسبوق."
من جهته، يوضح ممدوح الولي، نقيب الصحفيين الاقتصاديين السابق، أن ارتفاع تكلفة التنفيذ الذي تتذرع به الحكومة لا يبرر هذه القفزات، مضيفًا:
"الشركات التابعة للجيش لا تخضع لمراجعة مالية مستقلة، وتنفذ المشروعات بالأمر المباشر، ما يرفع الأسعار ويضرب الشفافية ويُقصي شركات القطاع الخاص الأقل تكلفة."
عهد مرسي: أسعار تناسب الدخول
بالمقارنة، كانت أسعار وحدات وزارة الإسكان في عهد الرئيس الشهيد محمد مرسي أقل بكثير. ففي مشروع "ابني بيتك" و"محدودي الدخل" تراوح سعر المتر آنذاك بين 1,100 و1,800 جنيه، ولم تتجاوز أسعار الوحدة حاجز 150 ألف جنيه في أغلب المدن الجديدة.
إنفوجراف: مقارنة بين أسعار الوحدات في عهدي مرسي والسيسي
المدينة | زمن مرسي (2012-2013) | زمن السيسي (2025) | نسبة الزيادة |
---|---|---|---|
بدر | 1,800 جنيه/متر | 11,500 جنيه/متر | +539% |
15 مايو | 1,700 جنيه/متر | 11,100 جنيه/متر | +553% |
السعر الإجمالي | ~150 ألف جنيه | حتى 1.89 مليون جنيه | +1160% |
هل الدعم حقيقي؟
تدافع وزارة الإسكان عن نفسها بأن الدعم لا يكون فقط في السعر بل أيضًا في تحمل فوائد قروض التمويل العقاري الممتدة لـ20 عامًا. غير أن هذا "الدعم" بات مشكوكًا فيه، إذ تشير أرقام الطرح الأخير إلى أن أغلب الوحدات في طور التخطيط، وتُباع على الورق بأسعار تفوق حتى أسعار السوق الخاص، ما يفقد المشروع صفته الاجتماعية.
عندما تُنافس الحكومة السوق بدلًا من دعمه
في ظل هذه الأسعار الفلكية، ومع اختفاء الدور الاجتماعي لوزارة الإسكان، لم يعد مشروع الإسكان المتوسط في مصر يستهدف متوسطي الدخل، بل أصبح مشروعًا تجاريًا ضخمًا تُديره مؤسسات ذات طابع عسكري، بما يعزز من تآكل الطبقة الوسطى ويضعف دور الدولة كمظلة حماية اجتماعية.