أثار انتشار مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي موجة غضب واسعة في مصر بعد الكشف عما وصفه ناشطون بـ"فضيحة غذائية غير مسبوقة"، حيث بيّنت تحاليل معملية أن عينات من عسل النحل المتوفر في الأسواق المصرية لا تطابق المواصفات، وتُصنف كمنتج "مغشوش" لا يحتوي على مكونات العسل الطبيعي.
المفارقة أن هذه الكارثة تأتي في وقت تتفاخر فيه الدولة المصرية بتصدير عسلها إلى أسواق عالمية كأحد أجود الأنواع عالميًا، الأمر الذي فتح باب التساؤلات حول الجهة المسؤولة عن هذا الغش، وأين تذهب الأنواع الجيدة من العسل؟
اعتراف وزاري صادم: "خفضنا الجودة لأجل السعر"
في تطور لافت، تداولت وسائل الإعلام تصريحات لمسئول بحكومة الانقلاب اعترف فيها بأن الحكومة أصدرت تعليمات بتخفيض جودة المواد الغذائية، بما فيها العسل، لتوفيرها بأسعار منخفضة في منافذ البيع التابعة للقوات المسلحة ووزارة الداخلية. ووفقاً للتصريح، فإن الأولوية كانت "لتوفير الغذاء بسعر في متناول المواطن"، ولو على حساب الجودة.
هذا الاعتراف فتح الباب أمام اتهامات مباشرة للسلطات بتعمّد إغراق الأسواق بمنتجات منخفضة الجودة، ما يعزز الشكوك بأن عمليات الغش الغذائي تتم بمعرفة رسمية، وربما بتوجيه مباشر.
مناحل الجيش… اللاعب الخفي في سوق العسل
ويزيد من تعقيد المشهد حقيقة أن القوات المسلحة تمتلك عشرات مناحل العسل المنتشرة في مناطق متفرقة، وعلى رأسها منطقة شرق العوينات، حيث تدير المؤسسة العسكرية أكبر مشروع إنتاجي للعسل في البلاد.
ويرى مراقبون أن الجيش، بصفته لاعبًا رئيسيًا في قطاع الأغذية، لا سيما العسل، قد يكون مستفيدًا من انخفاض جودة منتجات منافسة في السوق، ما يمنحه سيطرة أكبر على سوق الغذاء الوطني، عبر شبكات توزيع ضخمة تضم "منافذ القوات المسلحة"، التي تُباع فيها سلع بأسعار منخفضة نسبياً.
البرلمان يتحرك
على إثر الفضيحة، تقدم النائب فى برلمان الانقلاب أيمن محسب بطلب إحاطة عاجل إلى رئيس الوزراء ووزيري الصحة والتموين، إضافة إلى رئيس جهاز حماية المستهلك، مطالبًا بفتح تحقيق فوري في ظاهرة غش عسل النحل، وسحب المنتجات المخالفة من الأسواق.
وكشفت التحاليل التي اعتمد عليها النائب أن العديد من المنتجات لا تحتوي على عسل طبيعي، بل مزيج من الجلوكوز الصناعي ومحليات ونكهات وألوان صناعية، وأحيانًا مواد مجهولة المصدر تهدد صحة الأطفال ومرضى السكري.
كما طالب محسب بعقد جلسة طارئة في البرلمان لمواجهة هذه الأزمة، وإطلاق حملة توعية لحماية المستهلكين.
اتحاد النحالين: هناك غش.. لكن لا تعمموا
من جانبه، نفى رئيس اتحاد النحالين العرب الدكتور فتحي البحيري الاتهامات الواردة في الفيديو المنتشر، واصفًا إياها بـ"غير الدقيقة"، لكنه أقر بوجود عسل مغشوش في السوق مثل أي صناعة أخرى، مؤكدًا أن العسل المُصدّر يمر برقابة صارمة من الجهات المصرية والمستوردة.
وأضاف أن هذه الاتهامات تسيء إلى صناعة يعمل فيها آلاف المصريين وتخضع لمتابعة من هيئة سلامة الغذاء ووزارات الصحة والزراعة.
صناعة مربحة تحت الضوء
بحسب البيانات الرسمية، تصدّر مصر نحو 3000 طن من العسل سنويًا، تدر عائدات تصل إلى 300 مليون دولار. كما تصدر مصر طرود نحل حية إلى السعودية والسودان وغيرها من الدول بواقع نحو مليون طرد سنويًا.
ويقدَّر إنتاج مصر المحلي بنحو 20 ألف طن سنويًا، ما يعني أن ما يُستهلك محليًا يمثل قطاعاً ضخماً ومعقداً قد يكون بعضه خارج الرقابة الفعّالة.
تساؤلات بلا إجابة
- لماذا يُباع للمصريين عسل منخفض الجودة بينما يُصدر الأفضل للخارج؟
- ما حجم دور القوات المسلحة في توجيه السوق، خاصة أنها تمتلك مناحل إنتاج وتتحكم في قنوات التوزيع؟
- وهل تُمارس الدولة رقابة حقيقية على منتجات منافذها، أم أن هذه المنافذ نفسها فوق المحاسبة؟
تبقى هذه الأسئلة بلا إجابات واضحة، وسط دعوات لفتح ملف "غش الغذاء" في مصر، ليس فقط في قطاع العسل، بل في منظومة أوسع تبدو فيها "الأولوية لتوفير المنتج" على حساب "جودته وسلامته الصحية".
