قلّص رجل الأعمال نجيب ساويرس حجم منصته الإعلامية “موني فاي” بعد أشهر قليلة من إطلاقها الباذخ في دبي، وذلك عقب إنفاق عشرات الملايين من الدولارات دون تحقيق عائدات واضحة، وفق تقرير نشرته “بلومبرج“.
ويبدو أن ساويرس كان يعتمد على الدعم الإماراتي (مقر مشروعه الإعلامي) حيث إن لهم شراكات في منصة “يورونيوز” ومشاريع إعلامية أخرى، وبعد سلسلة من الفضائح العالمية لنظام “بن زايد” منها خسارة فصيله في السودان المعروف باسم “الدعم السريع”، قالت حسابات إماراتية معارضة لسياساته إنه جرى “تجميد مشاريع إعلامية كبيرة مؤقتًا، وتحويل ميزانياتها إلى حملات ضغط قانوني ودبلوماسي”، بحسب (وزير ظل إماراتي).
ففي سياق التقرير قال ساويرس: لموظفي مونيّفاي: إن “هذه ستكون مغامرته الأخيرة”، وذلك بحسب ما صرّح به آنذاك واستعرض معدل فشله المنخفض في الأعمال التجارية بعد مسيرة طويلة في قطاعي الاتصالات والتعدين، حيث أجرى أعمالًا في دول مثل كوريا الشمالية وباكستان، وطلب منهم أن يساعدوه في إنجاح هذا المشروع”، ويبدو أن انطلاقته من دبي كانت مساعدة من الإمارات بشكل مباشر تقلصت فجأة.
استعدات الفريق
وكان ساويرس وضع على رأس مشروع “مونيّفاي” منذ البداية، رجلين يُنظر إليهما على أنهما يمتلكان شخصيتين ونهجين مختلفين.
فقد تولى مايكل بيترز الإدارة بعدما كان على رأس “يورو نيوز” – التي كانت تُوصف يومًا ما بأنها النسخة الأوروبية من “سي إن إن” وكلاهما يتشارك فيهما ساويرس والإمارات، وذلك خلال فترة امتلاك ساويرس للقناة، وكان الملياردير قد انتهى به المطاف إلى بيع حصته الكبرى في القناة بعد معاناة طويلة مع الخسائر.
وأوضحت بلومبرج أن مايكل بيترز ينظر له على أنه يلعب دورًا خلفيًّا في “مونيّفاي”، ولم يتحرّك بالسرعة المطلوبة خلال مرحلة التأسيس، وفقًا لأشخاص مطّلعين على الأمر.
ومع اقتراب موعد الإطلاق، بدا أن ياسر بشر بات يُمسك بزمام الأمور أكثر، وكان يُنظر إليه داخليًا على أنه المدير الأكثر نشاطًا، وأعطى ذلك انطباعًا لدى بعض العاملين في الشركة بوجود تيارات متنافسة تتصارع على السيطرة في قلب المشروع، بحسب ما قاله أولئك الأشخاص.
ومع ذلك، كانت المعنويات مرتفعة نسبيًا في فترة الإطلاق، وكان هناك شعور داخلي بوجود شيء جديد، ورغم إدراك الكثيرين لمخاطر المشروع في بيئة إعلامية صعبة، إلا أنه كان مدعومًا من ملياردير يُعرف بعلاقته القوية مع الجمهور المستهدف من الشباب.
عقد الاستشارة الخاص “ياسر بشر” انتهى مع الشركة في وقت متزامن تقريبًا مع موعد الإطلاق، ليبقى بيترز في المسؤولية، إلا أن ساويرس بدأ يُبدي قلقًا متزايدًا بشأن كيفية تطور المشروع، وفوجئ عدد من العاملين داخليًا بما اعتبروه افتقارًا لاستراتيجية واضحة لتحقيق الإيرادات من محتوى “مونيّفاي”، بحسب قولهم.
وكانت “مونيّفاي” قد أطلقت في البداية برامج مختلفة عدة، لكل منها رئيس خاص به، وقد قُدّرت ميزانية عام 2025 بحوالي 50 مليون دولار، وفقًا لشخصين مطلعين على الأمر، جاء ذلك بعد أن كان ساويرس قد ضخ بالفعل عشرات الملايين من الدولارات كمصاريف أولية.
أسابيع قليلة من الإطلاق، قلص ساويرس حجم المشروع وبدأت عمليات التسريح، وقد كانت هذه التخفيضات شديدة التأثير على الموظفين الذين انتقلوا إلى الإمارات من خارج البلاد، وواجه العديد منهم خطر الطرد من الدولة في حال لم يعثروا على وظيفة جديدة بسرعة بسبب قيود التأشيرات الصارمة.
فريق عاجز
وترجم @ZaidBenjamin5 تقريرا ل”بلومبرج” بعنوان (كيف انتهى مشروع نجيب ساويرس الإعلامي بسبب التنافس وعجز القيادات عن وضع استراتيجية؟) .
الموقع الإخباري الأمريكي بلومبرج (الإمارات تستحوذ على نسبة منه) قال: “كان من المفترض أن تكون هذه المبادرة الأخيرة لملياردير أمضى قرابة خمسة عقود في عقد الصفقات، ومحاولته الثانية للنجاح في مجال الإعلام” وأن المنصة “انطلقت من دبي المزدهرة، وكان يُنظر إليها كمنصة إعلامية جديدة تهدف إلى نقل أسرار بناء الثروة لجمهور شاب وطموح في الأسواق الناشئة الرئيسية، وكل ذلك بدعم من رجل أثبت نجاحه بنفسه”.
ويبدو أن انطلاقة دبي كانت لهذا السبب “منصة إعلامية جديدة تهدف إلى نقل أسرار بناء الثروة لجمهور شاب وطموح في الأسواق الناشئة الرئيسية، وكل ذلك بدعم من رجل أثبت نجاحه بنفسه”.
ف”مونيّفاي” المستمرة إلى اليوم، تعتمد على مقاطع إعلامية قصيرة ومحتوى مكتوب محدود بشكل رئيسي، حيث تقودها لانا ساويرس نحو مواضيع مالية شخصية، مثل: متى ينبغي جني الأرباح في سوق صاعدة،؟ والفخاخ المالية التي تُبقيك مفلسًا، وشراء الأحذية الرياضية كاستثمار.
انطلقت الشركة في موجة توظيف قبل الإطلاق في نوفمبر الماضي، واستقطبت موظفين من نيويورك إلى الشرق الأوسط، مقدّمة رواتب مغرية، وتم تعيين مايكل بيترز، الرئيس التنفيذي السابق لـ”يورو نيوز”، كرئيس تنفيذي للشركة، كما انضم ياسر بشر، الذي أسّس القسم الرقمي لقناة الجزيرة، كمستشار رئيسي لساويرس، وكان هناك انطباع بأن “مونيّفاي” لن تحقق أرباحًا في البداية، لكنها تملك موارد مالية تكفي لعدة سنوات، ما طمأن الموظفين بشأن عمق جيوب مالكها الجديد.
واستضاف “متحف المستقبل” بدبي الإطلاق الرسمي والحفل الفاخر بعد أن استعانت المنصة بثنائي الخدع البصرية الأوروبي “لي فْرَنش توينز” لتقديم عرض، كما ظهر ساويرس بدور دي جي على غرار ديفيد سولومون، وتحدث عن المشروع الجديد بلهجة خيرية أمام جمهور أنيق، وضحك بأسى على ما أنفقه عليه حتى الآن.
وقال: ” كان من المفترض أن تكون هذه المبادرة الأخيرة لملياردير أمضى قرابة خمسة عقود في عقد الصفقات، ومحاولته الثانية للنجاح في مجال الإعلام” وأنه أسسها لتكون بمثابة قناة “CNBC” لجيل تيك توك.
وقال نجيب ساويرس، (كوّن ثروة قدرها 8.4 مليار دولار) 70 عامًا، في تسجيل صوتي: “في سني هذا، يبدأ الإنسان في التفكير: يجب أن أترك إرثًا، شيئًا أُعيد به للمجتمع، لذا، مع كل الأموال التي أنفقناها على مونيّفاي، تُسجّل تحت هذا البند”.
تقليص مفاجئ
وكشف تقرير الوكالة أنه بدون سابق إنذار، بدا أن هناك تغييرًا مفاجئًا في الموقف، حيث جرى تقليص الميزانيات وخطط الترويج، ما أدى إلى دفن بعض المحتوى، وبدأت الشركة موجة تسريحات واسعة في يناير، وغادر الرئيس التنفيذي بيترز منصبه، وكل ذلك من دون توضيحات تُذكر للموظفين، بحسب مصادر مطلعة، مضيفة أن الشركة، التي تقودها حاليًا ابنة ساويرس، لانا، خفضت من طموحاتها الأصلية في جوانب عدة.
ونقلت عن مطلعين أن “ساويرس بدا بعيدًا عن التفاصيل حتى لحظة الإطلاق، ثم فوجئ بوتيرة حرق الأموال، التي قُدّرت بعشرات الملايين من الدولارات”.
وأوضحت أن “شعورٌ تعدّد المسؤولين قبل بدء البث شكل ارتباكًا بين بعض الموظفين، وربما الأهم من ذلك، أن أحدًا داخل الشركة لم يكن يعرف بدقة كيف ستحقق مونيّفاي الأرباح” كما يرد ساويرس أو فريقه على اتصالات بلومبرج.
وساويرس ليس غريبًا عن البيئات التجارية المعقدة، فهو الأكبر بين ثلاثة أشقاء مليارديرات تعود ثرواتهم إلى والدهم، أنسي ساويرس، قطب الإنشاءات المصري.
ونقلت الوكالة عن عمر الغزّي، أستاذ الإعلام والاتصالات المساعد في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية القول: “رغم وجود فجوة في السوق لجذب الشباب، خصوصًا المهتمين بعالم الأعمال، إلا أن الاستثمار في هذا المجال ينطوي على مخاطر، من الصعب على المنصات الإعلامية الجديدة أن توازن بين الابتكار وتجنب الظهور بمظهر السذاجة أو السخافة”.
وبدأت بعض علامات التحذير تظهر عندما جاء ساويرس إلى دبي مطلع العام الجديد، وفاجأ الحضور في اجتماع داخلي عندما طلب من الصحفيين وغيرهم مساعدته في ابتكار استراتيجية لتحقيق الإيرادات لشركة “مونيّفاي”، بحسب أشخاص حضروا الاجتماع.
وأعطى ذلك الانطباع لبعضهم بأنه غير مطّلع على تفاصيل المشروع، أو أنه يواجه مشكلة في خطة العمل كان من المفترض أن يعالجها معاونوها منذ وقت مبكر، على حدّ قولهم.
رحلة المغادرة
وانتقلت كارلي رايلي، البالغة من العمر 31 عامًا، من نيويورك إلى دبي في بداية نوفمبر 2024 لتقديم برنامج “مونيّفاي ديلي” البرنامج الرئيسي في مجالي التقنية والمال، وقد عملت هناك لمدة ثلاثة أشهر فقط قبل أن يتم الاستغناء عنها في مطلع فبراير.
وقالت في مقابلة: “كان واضحًا جدًا لأي شخص تحدث إلى أي فرد من القيادة أن أمامنا فترة تمتد من ثلاث إلى خمس سنوات من التمويل”، وأضافت: “كانوا يعلمون أن الأمور تحتاج إلى وقت“.
وغادر “بيترز” في وقت مبكر من العام الجديد، تزامنًا تقريبًا مع بث مقابلة أجراها مع ماي ماي ماسك، والدة إيلون ماسك، ضمن سلسلة “آي آيكونز” التي تنتجها “مونيّفاي”، وتم تعيين ابنة ساويرس، لانا، خلفًا له، وكانت لانا قد عملت سابقًا كمديرة للتواصل الرقمي لدى “كريستيان لوبوتان”، ثم مديرة فنية في “كيث”.
وجاء هذا التغيير ليضع شخصًا في القيادة يتمتع بملف شخصي أقرب إلى الفئة التي تستهدفها العلامة التجارية القائمة في دبي، وكان ساويرس قد أطلق “مونيّفاي” بناءً على فكرة بسيطة: الشباب كانوا يسألونه دائمًا كيف يمكنهم أن يصبحوا أثرياء مثله.
وقال ساويرس في فيديو نُشر على قناة “مونيّفاي” على يوتيوب: “فقلت في نفسي: لماذا لا أقدّم لهم أداة، منصة، تقدم كل شيء في حزمة واحدة تساعد هؤلاء الشباب على تحقيق أحلامهم؟ أنا أحب أن أُسهم دائمًا في خدمة المجتمع، ومن الأفضل أن يكون العطاء موجهًا للشباب، لجيل الألفية، هذا كان الدافع“.
وليس ساويرس أول رجل ثري يواجه تحديات قطاع الإعلام، إذ إن العديد من المليارديرات، مدفوعين بثرواتهم الكبيرة وأفكارهم الطموحة، اشتروا صحفًا ومحطات تلفزيونية بل ومواقع تواصل اجتماعي أحيانًا، لكنهم واجهوا صعوبات في وقف الخسائر أو اصطدموا بالخلافات بشأن الاستقلالية التحريرية.
وتصدرت عائلة ساويرس المصرية قائمة أغنى العائلات العربية للعام 2025، وفقاً للإحصاءات التي نشرتها مجلة “فوربس” في الثالث من الشهر الجاري.
وبلغت قيمة ثروة عائلة ساويرس 11.6 مليار دولار، بينما حلت عائلة منصور المصرية أيضاً في المركز الثاني بثروة بلغت 5.8 مليار دولار.
وشكل ساويرس محفظة مالية للانقلاب العسكري، ففي المؤتمر السنوي السادس لموقع جريدة حابي (أحد نوافذه الإعلامية) وواصل دعمه لاقتصاد الانهيار الذي يرعاه عسكر الانقلاب وأعاد طرح بيع حصة مصر في شرطة مصر للطيران، وقال نجيب ساويرس: “نحتاج إلى صفقتين أو ثلاث على غرار رأس الحكمة”، مضيفا أن “استبدال الديون بأصول منطق جيد”.
