مع تزايد الصراع بين العمال وبين إدارة شركة وبريات سمنود بمحافظة الغربية ولجوء العمال إلى الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية والإضراب عن العمل ففى المقابل يلجأ مجلس الإدارة إلى الاستعانة بميلشيات أمن الانقلاب لفض الاعتصامات بل واعتقال بعض العمال وفصلهم من العمل ..كل هذه المؤشرات تجعل العاملين بالشركة يتخوفون من تصفيتها خاصة وأن السيناريو الذى تشهده الشركة فى السنوات الآخيرة هو تكرار لما حدث فى شركات آخرى تم تصفيتها.
كانت الشركة قد شهدت ، فى أغسطس 2024، إضرابًا عماليًا استمر أكثر من شهر احتجاجًا على استثنائها من تطبيق قرار الحد الأدنى للأجور، والمطالبة بتحسين الأوضاع المالية للعاملين. وخلال الإضراب، ألقت قوات أمن الانقلاب القبض على عدد من العمال والعاملات، ووجهت إليهم اتهامات بتحريض العمال وتعطيل العمل، قبل أن يُخلى سبيلهم لاحقًا.
وفي سبتمبر 2024، أصدرت إدارة شركة سمنود للنسيج والوبريات قرارًا بوقف عشرة من العاملات والعمال المتهمين على ذمة القضية رقم 7648 لسنة 2024 إداري سمنود، وقررت صرف نصف الأجر الأساسي لهم لحين البت في القضية، على خلفية الإضراب العمالي المطالب بتطبيق الحد الأدنى للأجور.
ومنذ إضراب أغسطس، نفّذ العمال وقفات احتجاجية وإضرابات خلال أشهر مارس وأبريل ومايو الماضية، احتجاجًا على سوء الإدارة والتأخر في صرف الحقوق. وشهدت هذه الفترة اتهامات متكررة للإدارة بالتقاعس عن صرف العلاوات الدورية وتأخير دفع الأجور، ما زاد من حدة الأزمة.
يُشار إلى أن شركة وبريات سمنود بمحافظة الغربية تأسست عام 1974 كأحد مصانع الغزل والنسيج التابعة لشركة غزل المحلة، قبل أن تنتقل ملكيتها إلى بنك الاستثمار القومي وجهات حكومية أخرى. واشتهرت بإنتاج الأقمشة والوبريات والجينز، لكنها شهدت تراجعًا كبيرًا منذ أوائل الألفية، وتوقفت عن العمل لنحو ثلاث سنوات قبل إعادة تشغيلها جزئيًا في 2014 ضمن خطة لإعادة الهيكلة شملت برنامجًا للمعاش المبكر أنهى خدمة نحو نصف العاملين. ورغم ضخ أموال حكومية لإنقاذها، ظلت الشركة تعاني من تدني الأجور وتدهور أوضاع العمل، ما أدّى إلى موجات احتجاجية متكررة، كان آخرها سلسلة الإضرابات المتواصلة منذ عام 2024.
بنك الاستثمار القومي
من جانبه قال القيادي العمالي بالشركة هشام البنا إن قرار فصله في يوليو 2025 لم يكن نتيجة مباشرة لإضراب أغسطس 2024 فقط، بل تتويج لمحاولات متواصلة لإبعاده عن الشركة .
وأكد البنا فى تصريحات صحفية أن هذه المحاولات بدأت منذ انتقال ملكية شركة وبريات سمنود إلى بنك الاستثمار القومي، بعد أن فرضت حكومة الانقلاب برئاسة رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم محلب، على البنك الاستحواذ على الشركة، وجرى حينها ضخ نحو 72 مليون جنيه لتصفية العمال، أُنفِق منها قرابة 35 مليون جنيه في برنامج للمعاش المبكر أسفر عن خروج نحو 600 عامل، أي نصف القوة العاملة، وكان من المقرر تصفية الشركة بالكامل بحلول فبراير 2015.
وأشار إلى أنه كان من أبرز المعترضين على خطة التصفية، وساهم في تجميدها، حتى صدر قرار بإعادة تشغيل الشركة. ومنذ ذلك الحين اعتبر بنك الاستثمار القومي موقفه تحديًا لمخطط التصفية، فبدأت محاولات فصله، التي تجسدت أولًا في قرار عام 2016، لكنه عاد إلى عمله بحكم قضائي ومنذ ذلك الوقت، دخل في سلسلة من النزاعات القضائية مع إدارة الشركة.
سياسة الإهمال
وأكد الباحث في الشئون العمالية حسن البربري أن تكرار النزاعات فى شركة وبريات سمنود مع العمال وما يصاحبها من إضرابات طويلة ومتتالية، فضلًا عن الاستعانة المستمرة بأمن الانقلاب لفض الاعتصامات واعتقال العمال وتعطيل نشاطهم النقابي، كلها عوامل تُضعف بيئة العمل وتفاقم الأزمة.
وقال البربري فى تصريحات صحفية، إن المؤشر الأقوى يكمن في ”سياسة الإهمال” التي تمارسها إدارة الشركة، وهي سياسة سبق أن شهدتها شركات أخرى في القطاع العام قبل تصفيتها.
وأوضح أن هذا النمط يقوم على ترك الأزمات تتراكم دون حلول، ما يؤدي إلى تراكم الخسائر، خاصة الخسائر التشغيلية المرتبطة بالإنتاج، الأمر الذي يجعل استمرار النشاط غير مجدٍ اقتصاديًا.
وأشار البربري إلى أن مثل هذا المسار قد يفتح الباب أمام قرارات بيع أو تصفية، حتى لو لم تكن هناك نية معلنة في البداية، إذ تصبح الخسائر المتراكمة ذريعة رسمية لاتخاذ القرار. ومع ذلك، يظل أي إجراء من هذا النوع مرهونًا بصدور قرارات وإجراءات إدارية واضحة من الجهات المختصة.
مشروعات عقارية
واعتبرت وفاء عشري، عضو اللجنة المركزية بحزب العيش والحرية -تحت التأسيس-، أن فصل هشام البنا أبرز قيادات شركة وبريات سمنود والمعروف بموقفه الرافض لتصفية الشركة قد يكون خطوة تمهيدية أو جزءًا من خطة ضغط لإزالة أي مقاومة داخلية أمام مشروع التصفية.
وقالت وفاء عشري فى تصريحات صحفية إن هذا الأسلوب متكرر في عدد من شركات القطاع العام أو الشركات المملوكة لدولة العسكر، إذ تبدأ الإدارة أو الجهة المالكة بإضعاف الأصوات المعارضة من الداخل لتمهيد الطريق أمام البيع أو التصفية.
وأوضحت أن الإصرار على تصفية “وبريات سمنود” قد يرتبط بعدة عوامل، أبرزها أن الشركة تقع على مساحة أرض واسعة وفي موقع استراتيجي بمدينة سمنود، ما يجعلها هدفًا مغريًا للمستثمرين أو لمشروعات عقارية وتجارية مستقبلية.
وأشارت وفاء عشري إلى وجود توجه عام لتقليص دور دولة العسكر في قطاعات صناعية تقليدية، خاصة النسيج، وهو ما يجري تنفيذه أحيانًا عبر ما يعرف بـ”الخصخصة المقنعة" .
ولفتت إلى أن “وبريات سمنود” تمثل رمزًا لمقاومة الخصخصة منذ تسعينيات القرن الماضي، وبالتالي فإن فصل قياداتها العمالية يوجه رسالة واضحة لباقي العمال بأن المعارضة سيكون ثمنها باهظًا.
وكشفت وفاء العشري أن الكثير من الشركات التي يتم تصفيتها يكون قد جرى إهمالها عمدًا أو تحميلها ديونًا أو إدارتها بشكل سيئ، لتظهر للرأي العام وكأنها ميئوس من إنقاذها، وبذلك يتم تقديم التصفية باعتبارها “الحل المنطقي”.