فضح صندوق النقد الدولي أكاذيب حكومة الانقلاب التي تزعم أن الصندوق يطلب منها عبر ما تسميه برنامج الإصلاح الاقتصادي رفع الأسعار وإلغاء الدعم .
وأكد أليكس سيجورا-أوبيرجو، الممثل المقيم الأول لصندوق النقد الدولي في مصر، إن الصندوق لا يوصي بزيادة أسعار الوقود في مصر، مشيرًا إلى أن حكومة الانقلاب هي التي قررت رفع الأسعار تدريجيًا بزعم أن الاقتصاد يتحمل تكلفة كبيرة نتيجة استمرار الدعم.
وفيما يتعلق ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، قال أوبيرجو: إن "التقدم في ملف الطروحات الحكومية وتنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة لم يكن كافيًا حتى الآن، معربًا عن تطلع الصندوق لرؤية مزيد من التقدم في هذا المسار".
وشدد على أن الصندوق لا يوصي بزيادات سعرية، بل يركز على ضرورة الحفاظ على الأسعار تحت السيطرة وخفض معدلات التضخم.
وأشار أوبيرجو إلى أن أسعار الفائدة في مصر، لا تزال مرتفعة، وهو ما يتطلب توازنًا دقيقًا بين الحفاظ على الاستقرار النقدي وتحفيز النشاط الاقتصادي، موضحا أن تدفقات الاستثمار في أدوات الدين مفيدة، لكنها لا يجب أن تكون مصدر الاعتماد الأساسي، وأن تكون الأولوية لتحسين بيئة الأعمال وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
إلغاء الدعم
في المقابل قال الخبير المصرفي محمد عبد العال: إن "الصندوق لا يطلب بالفعل بشكل مباشر زيادة أسعار السلع الاستراتيجية، لكنه يستخدم كلمات وسياسات بديلة مثل تحرير الدعم ومرونة السوق وتحريك الأسعار وفق العرض والطلب معترفا بأن هناك سوء فهم للمصطلحات التي استخدمها ممثل الصندوق".
وأضاف عبد العال في تصريحات صحفية أن صندوق النقد الدولي يضع روشتة واضحة لتمويل برنامج الإصلاح الاقتصادي لأي دولة تتضمن سياسات منها رفع الدعم عن أي سلعة مثل السولار والبنزين والكهرباء على أن تكون أسعار السلع تعادل الأسعار العالمية.
وأكد أن البرنامج الموقع بين حكومة الانقلاب والصندوق ينص بشكل أساسي على رفع الدعم عن الوقود بهدف إتاحة وفرة في الموارد لحكومة الانقلاب وتوجيه الدعم لمستحقيه.
وأشار عبد العال إلى أن صندوق النقد الدولي في تقاريره حث حكومة الانقلاب مرارا على ضرورة رفع الدعم نهائيا عن السولار والبنزين والكهرباء، بهدف تخفيف عبء عجز الموازنة مؤكدا أن هذا لا يتناقض مع تصريحات أوبيرجو الذي نفي أن يكون الصندوق يصدر توصيات برفع الأسعار، لأنه لا يطلب رفع أسعار السلع ولكن يطلب رفع الدعم، وتحرير السوق، وهي سياسات تؤدي لتحريك الأسعار، كما أن الصندوق يساند خفض التضخم، باعتباره دليلا واضحا على نجاح برامج الإصلاح، لكن دون أن يكون ذلك على حساب استنزاف الموازنات.
مراجعة دقيقة
وقال الباحث الاقتصادي محمد رمضان: إن "الاقتصاد المصري لم يحقق تقدمًا جوهريًا خلال العقد الأخير، وأن الخلط بين ما يطرحه الصندوق وما تنفذه حكومة الانقلاب يحتاج إلى مراجعة دقيقة" مشيرًا إلى أن المسار الذي اتخذته حكومة الانقلاب خلال السنوات الماضية لم يكن مفروضًا بالكامل من الصندوق، بل جاء نتيجة خيارات حكومية معلنة، بينما اقتصر دور الصندوق على المراجعات الدورية وتقديم الملاحظات.
وأكد رمضان في تصريحات صحفية أن الاعتقاد السائد حول شروط خارجية صارمة يفرضها الصندوق لا يعكس الواقع، معتبرا أن حكومة الانقلاب كانت صاحبة اليد العليا في رسم السياسات الاقتصادية.
وكشف أن جوهر الأزمة يكمن في ضعف الإنتاجية والتصنيع المحلي، وهي قضايا لم تُحل حتى الآن، لافتا إلى أن صندوق النقد أرجع هذا الوضع إلى تدخل دولة العسكر والأجهزة السيادية في الاقتصاد، لكن هذا تفسير غير دقيق، لأن الإصلاحات الهيكلية يمكن أن تتحقق حتى في ظل وجود دولة العسكر إذا توفرت الحوكمة ومكافحة الفساد وضمان المنافسة العادلة.
وشدد رمضان على أن حكومة الانقلاب أخطأت بالتركيز على مشروعات البنية التحتية والقطاع العقاري على حساب الصناعة والابتكار والقطاعات ذات القيمة المضافة، لافتًا إلى أن التخلي عن هذا المسار كان أولى بكثير من إعلان التخلي عن الصندوق .
وأكد أن حكومة الانقلاب بعد عشر سنوات من التعاون مع صندوق النقد، لم تحقق أي تقدم اقتصادي حقيقي، ليس بسبب الصندوق وحده، بل نتيجة للخيارات الاقتصادية التي تبنتها حكومة الانقلاب نفسها، معتبرا أن الحديث عن نهاية مطلقة للتعاون مع الصندوق ليس إلا عنوانًا سياسيًا، بينما الواقع يفرض أن الانقلاب سيظل بحاجة إلى هذا الإطار الدولي كلما واجه أزمة جديدة.
أزمة ديون
وقال الخبير الاقتصادي إلهامي الميرغني: إن "الديون هي الأزمة الحقيقية لحكومة الانقلاب، وإنها تبحث عن كل الطرق للحصول على أموال لسداد فوائد وأقساط الديون، مشيرا إلى أن حكومة الانقلاب سددت نحو 38 مليار دولار قروض خارجية عام 2024 بحسب ما قاله رئيس وزراء الانقلاب .
وأشار الميرغني في تصريحات صحفية إلى أن البنك الدولي كشف أن الانقلاب واجه تحديًا ضخمًا في سداد 43.2 مليار دولار من التزامات ديون خارجية خلال أول تسعة أشهر من عام 2025، موضحا أن هذا المبلغ يرتبط بالديون الخارجية المتراكمة التي تشمل سداد قروض وودائع واتفاقيات مبادلة عملة للبنك المركزي والبنوك التجارية، حيث يتضمن المبلغ 5.9 مليار دولار من الفوائد و37.3 مليار دولار من أصل القروض، لذلك تواجه حكومة الانقلاب والبنك المركزي والبنوك التجارية تحديات كبيرة في سداد هذه المبالغ الكبيرة.
وأوضح أن حكومة الانقلاب تعهدت ببيع الأصول في خطاب النوايا الذي قدمته للصندوق قبل الحصول على القروض، مشيرا إلى أن حكومة الانقلاب منذ عام 2016 وحتى الآن كل ما تفعله هو بيع كل ما تملكه وفاء للديون ولتنفيذ التخارج الاقتصادي الذي تعهدت به للصندوق.
وأعرب عن أسغه لأنه في ضوء هذا التوجه، حولت حكومة الانقلاب عشرات المستشفيات العامة الي المجالس المتخصصة وأصدرت قانونا لتأجير المستشفيات الحكومية .
وقال الميرغني: "شاهدنا جميعا ما حدث في مستشفى الهرمل وحرمان المرضي الفقراء من العلاج، وهو ما سبق وحذرنا منه، وكذلك تطرح حكومة الانقلاب تأجير المدارس الصناعية فهي تحولت الي سمسار لعمليات البيع والتأجير بغض النظر عن التنمية وحق المصريين في العلاج والتعليم".