في لحظة مراجعة حاسمة، يبدو أن السعودية بدأت تعيد النظر في مشاريعها العملاقة التي وُصفت يومًا بأنها "ثورية"، لكنها اليوم تواجه اختبار الجدوى والتمويل، تقرير صحيفة التايمز البريطانية يعلن إسدال الستار على مسرحية "المشاريع العملاقة"، مشيرًا إلى أن مشروع التحوّل السعودي البالغ 2 تريليون دولار يضغط الآن على زر التوقف المؤقت .
وهناك اعتراف من أحد مستشاري ولي العهد (الملك التنفيذي للسعودية) يقول: "نقطة ضعفنا كانت في المُبالغة والبهرجة، أُصبنا بـ"داء دبي"!، في إشارة إلى أن الطموحات البراقة قد تجاوزت حدود الإمكانيات الواقعية.
وكان أبرز ما ورد في عدة تقارير ل"فايننشال تايمز" و"التايمز" و"ميدل إيست آي" و"دويتشه فيله" أن أولويات الحكومة السعودية تغيّرت بفعل عجز الميزانية، ما أدى إلى إعادة ترتيب المشاريع.
ومن ذلك الإلغاء؛ مشروع "تروجينا" لن يكتمل في موعده، ودورة الألعاب الآسيوية الشتوية ستُنقل إلى كوريا الجنوبية. و"المربع الجديد" لن يرى النور قبل عام 2040، رغم الترويج له كأيقونة عمرانية. وإلغاء مشروع "سندالة" الفاخر بسبب استخدام "جلد تمساح نادر" في تصميماته، ما أثار انتقادات بيئية.
وصرح مستشار ولي العهد بأن "ذا لاين" كان يفترض أن يكون تجربة مختبرية، لا مشروعًا عقاريًا ضخمًا في حين أقر مسؤول سعودي بأن المملكة تحتاج إلى عامين أو 3 من ارتفاع أسعار النفط لسداد ديونها المتراكمة.
تقرير فايننشال تايمز
كشف تقرير فايننشال تايمز أن مشروع "ذا لاين" السعودي يواجه انهيارًا فعليًا، بسبب تحديات مالية وهندسية ضخمة، مع تقليص حجم المشروع بشكل كبير وتراجع ثقة المستثمرين.
وأبرز ما ورد في التقرير الإشارة إلى ارتفاع تكلفة المشروع من 1.6 إلى 4.5 تريليون دولار، وهو رقم غير مسبوق لمشروع عمراني، وتقليص عدد وحدات المدينة من 20 إلى 3 فقط، ما يعكس تراجعًا كبيرًا في الطموحات الأصلية.
وأضاف التقرير أن أعمال البناء الفعلية لا تزال في مراحل الحفر والأساسات فقط، رغم مرور سنوات على إطلاق المشروع. حيث أن أكثر من 20 مهندسًا ومديرًا تنفيذيًا سابقًا أكدوا أن المشروع "لن يخرج من الأرض" بسبب الجدول الزمني غير الواقعي، نقص العمالة، وغياب التمويل.
والمح التقرير إلى غياب الاستثمارات الأجنبية أدى إلى تأجيلات متكررة وقلق داخلي بشأن جدوى المشروع. مشيرا إلى أن عقبات فيزيائية وهندسية مثل كمية الفولاذ والخرسانة والزجاج المطلوبة، جعلت التنفيذ شبه مستحيل.
حتى إن صندوق الاستثمارات العامة السعودي أوقف العمل مؤقتًا على "ذا لاين" ومنتجع "مقنا" الفاخر.
https://ig.ft.com/saudi-neom-line/
تقرير ميدل إيست أي
وتناول موقع Middle East Eye مشروع "ذا لاين" السعودي، لكنه لم ينشر تقريرًا تفصيليًا عن انهيار المشروع كما فعلت فايننشال تايمز، بل ركز على التحديات والمراجعات الاستراتيجية الجارية.
وضمن المراجعات الاستراتيجية الجارية كان إعادة هيكلة المشروع وتركيز مشروع نيوم حاليًا على تحسين الكفاءة وتسريع التقدم ضمن نطاق أكثر واقعية وتحويل ملكية بعض المشاريع إلى جهات حكومية حيث حولت "تروجينا" إلى وزارة الرياضة، و"سندالة" إلى شركة "ريد سي جلوبال"، و"أوكساجون" إلى شركة "أرامكو".
كما تسبب هذا التراجع في نقل الموظفين (نحو 1000 موظف نُقلوا إلى الرياض) وتسريح المئات من العاملين في نيوم، إضافة لتحويل "ذا لاين" من مشروع عقاري إلى تجربة مختبرية بحسب مستشار ولي العهد، كان الهدف الأصلي هو اختبار نماذج حضرية وليس بناء مدينة كاملة.
ومن التحديات التي أعلن عنها موقع "ميدل إيست آي" كان العجز المالي في الميزانية السعودية والذي ظهر مع انخفاض أسعار النفط وتزايد الإنفاق على مشاريع رؤية 2030 أدى إلى ضغوط مالية كبيرة.
ووصلت تكلفة المشروع الضخمة إلى نحو 500 مليار دولار، ما يجعله من أغلى المشاريع الحضرية في العالم.
إضافة إلى تحدي غياب الجدوى الاقتصادية الواضحة وتقارير دولية شككت في قدرة المشروع على تحقيق عوائد مستدامة، خاصة مع تقليص حجمه.
فضلا عن نقص العمالة والموارد حيث ظهر أن المشروع يتطلب كميات هائلة من الفولاذ والزجاج والخرسانة، ما يضع عبئًا على سلاسل التوريد. ما تسبب في تأجيلات متكررة في التنفيذ رغم مرور سنوات على إطلاق المشروع، لا تزال الأعمال في مراحل الحفر والأساسات فقط.
وعليه تراجعت ثقة المستثمرين الدوليين ولم يتم جذب استثمارات أجنبية كافية لدعم المشروع، ما أدى إلى تعليق بعض مراحله.
صحيفة التايمز البريطانية
وأشار تقرير صحيفة التايمز البريطانية إلى أن السعودية بدأت فعليًا في تقليص مشاريعها العملاقة، معتبرًا ذلك "إسدال الستار على مسرحية المشاريع العملاقة"، في ظل تحديات مالية وانخفاض أسعار النفط.
وأشارت المجلة إلى انخفاض أسعار النفط وخسائر استثمارية ضخمة أجبرت الرياض على مراجعة طموحات رؤية 2030، وتحويل بعض المشاريع إلى ملفات معلّقة أو مؤجلة.
والآن فإن مشاريع مثل "ذا لاين" و"مقنا" و"أوكساجون" تم تقليصها أو تعليقها مؤقتًا، رغم الترويج الإعلامي المكثف لها. كما أن الرهان على التحول من اقتصاد نفطي إلى اقتصاد معرفي اصطدم بواقع التخطيط المالي المحدود، وغياب العوائد المباشرة من المشاريع العملاقة.
وكشف منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" عن محاولة لإعادة صياغة السردية عبر التركيز على شركات مثل "هيومن" للذكاء الاصطناعي، المدعومة من الصندوق السيادي السعودي، والتي وقّعت صفقات مع أرامكو وبلاكستون.
ووصف التقرير المشاريع العملاقة بأنها "مسرحية استعراضية" تهدف إلى جذب الانتباه العالمي، لكنها تفتقر إلى الجدوى الاقتصادية والتنفيذ الواقعي.
هل ترغب في تحليل كيف يؤثر هذا التحول على مستقبل رؤية السعودية 2030؟ أم نناقش كيف يمكن للسعودية إعادة توجيه استثماراتها نحو مشاريع أكثر استدامة؟
تقرير DW
تقرير "هل انهار مشروع ذا لاين؟" منشور في "دويتشه فيله" بتاريخ 26 سبتمبر 2025، وقال: إن "مشروع ذا لاين يتقلص بشكل كبير وأنه كان من المفترض أن يمتد بطول 170 كم ويستوعب 9 ملايين نسمة، لكن تم تقليصه إلى 2.4 كم فقط".
وكانت البداية أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي أوقف العمل مؤقتًا على "ذا لاين" ومنتجع "مقنا" الفاخر. وأن تقارير دولية تؤكد أن المشروع يواجه صعوبات مالية وهندسية، مع تأجيلات وتضخم في التكاليف.
وأضاف التقرير أنه شُطبت 8 مليارات دولار من قيمة المشاريع العملاقة في تقرير صندوق الاستثمارات العامة، وأن التقديرات تشير إلى خسارة فعلية تصل إلى 44 مليار دولار.
وأن لذلك تداعيات على الفعاليات الرياضية حيث أن دورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029 مهددة بالإلغاء أو النقل من "تروينا"، وأن كأس العالم 2034 قد يُنقل من "ذا لاين" إلى مدينة سعودية بديلة.
وبحسب المحلل رالف لينغلر: "السعودية فقدت الثقة في نيوم وتفكك المشروع تدريجيًا"، وأن "ذا لاين" بشكله الأصلي قد انتهى فعليًا، والمشاريع الأخرى ستُنفذ بشكل أكثر تواضعًا.
فقط قناة موقع (CNBC Arabia) يعلنان استمرار المشروع كأولوية استراتيجية، رغم التحديات، تؤكد إدارة نيوم أن "ذا لاين" لا يزال ضمن أولويات رؤية 2030، لكن بوتيرة أبطأ.
في حين وصفت (Xpert Digital ) المشروع بأنه تحول من "معجزة مستقبلية إلى رمز للفشل"، مشيرًا إلى تقليص طوله من 170 كم إلى 2.4 كم فقط.
