“إذا أردت أن تفعل شيئا فانفِ نيتك في فعله أولا”.. تلك النظرية التي ابتكرها قائد الانقلاب مع المصريين؛ بداية من نفيه حين كان وزيرا للدفاع أي تحرك للجيش ضد الرئيس محمد مرسي ثم انقلب عليه، ومرورا بأن الناس في مصر لم تجد من يحنو عليهم، وأنه عليه أن يُغني الناس أولا ثم يرفع عنهم الدعم، إلا أنه رفع الدعم وزاد الناس فقرا على فقر ولم يغنهم، وانتهاء بالحديث عن ملف التوريث، الذي فتحه معه محاور صحيفة “الشرق الأوسط” ونفاه السيسي نفيًا قاطعًا.
وقال المنقلب خلال الحوار: إن مصر تجاوزت «مسألة التوريث»، ولا مكان للعودة إلى القديم بكل أشكاله. ورد السيسي على سؤال التوريث، الذي طرحه عليه محاور صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، عام 2015: «هناك واقع جديد تشكل في وجدان الناس، وأصبح كل ما تم تداوله بشأن التوريث حلمًا صعب المنال، بل يستحيل حتى التفكير في ذلك». وأضاف مازحًا: «المهم أن يكمل الرئيس ولايته».
التوريث بين مبارك والسيسي
لعل واقع الحال بين الرئيس المخلوع حسني مبارك وعبد الفتاح السيسي يختلف جليا في ملف التوريث؛ نظرا لبعد أبناء مبارك عن المؤسسة العسكرية، حيث كان علاء وجمال مبارك بعيدين عن الحياة العسكرية، والتحقوا بالعمل والدراسة المدنية، حيث بدأ جمال مبارك موظفا في أحد بنوك بريطانيا قبل الالتحاق بالعمل السياسي وطرح ملف التوريث، وكان علاء مبارك رجل أعمال.
غير أن وثائق سرية على موقع «ويكيليكس» كشفت عن أن قيادات رفيعة في الجيش المصري وجهت إنذارات صارمة للرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك، وأشارت إلى أن الدولة كانت تدار لصالح المؤسسة العسكرية.
الوثائق التي صدرت عن مركز أبحاث مركز «ستراتفور» للاستخبارات والتحليل الاستراتيجى، المعروف بـ«ظل المخابرات الأمريكية»، نشرتها صحيفة المصري اليوم، وجاء في إحداها، بتاريخ 12 ديسمبر 2011، دراسة لـ«مافريك فيشر»، أحد الباحثين بالمركز، تحت عنوان: «التحديات المعاصرة.. الحياة بعد مبارك».
«فيشر» قال إن الدولة كانت تدار لصالح القيادة العسكرية، فكل شيء، بدءاً من البنوك، مروراً بعمليات الاستيراد والتصدير الزراعية، تم دمجه في سلسلة من حكم الأقلية العسكرية، وبدلاً من العمل على رفع مستوى مصر اقتصاديًا قسمت القلة العسكرية الغنائم المحلية.
الباحث أضاف: «واجه (العسكر) تحديا داخليا يتمثل في توريث الحكم لـ(جمال)، وكان الأمر يقتضي عدم سيطرة الجيش على الاقتصاد، لذلك عمل الرئيس السابق على خصخصة ممتلكات الدولة، لكن الجيش رأى أن (جمال) مبتدئ».
«فيشر» أكد أنه قبل شهور من ثورة 25 يناير وجهت قيادات رفيعة في الجيش إنذارات صارمة لـ«مبارك» بالتخلي عن أي آمال في تمرير الحكم لنجله، في الوقت الذى بحثت فيه عن خيارات أخرى للإطاحة بـ«مبارك».
السيسي شكل تاني
وبالنظر للاختلاف ما بين حال مبارك والسيسي، من حيث ملف التوريث، نجد أن الخط الأحمر الذي كان يضعه الجيش ضد خروج الحكم عن إطار المؤسسة العسكرية، وما فشل فيه مبارك من توريث الحكم لابنه جمال نظرا لبعده عن المؤسسة العسكرية، ربما ينجح فيه السيسي، نظرا لانتماء أحد أبنائه الذكور للمؤسسة العسكرية، والعمل في المخابرات الحربية.
ووضحت خطة عبد الفتاح السيسي مبكرا في إحكام قبضة أسرته على الأجهزة العسكرية والرقابية للدولة، بعد ثلاثة أعوام فقط من سيطرته على مصر.
وأثار التوسع الكبير لعائلة “السيسي” في مختلف المناصب المرموقة تساؤلاً مهمًا حول موقف قيادات الجيش من السياسة التي يتبعها قائد النظام العسكري بالسيطرة على كافة أجهزة الدولة، بعد خمس سنوات فقط من وقوفهم في وجه خطة “التوريث” التي كان “المخلوع” مبارك يسعى لتنفيذها.
محمود السيسي
قام عبد الفتاح السيسي بتعيين نجله محمود السيسي كمسئول عن “الأمن الداخلي” في “المخابرات العامة”، حيث بات يوصف بأنه “الرجل القوي” في الجهاز.
وتقول دوائر سيادية إن محمود السيسي بات يشارك في الاجتماعات الرسمية التي يعقدها والده، مشيرا إلى أن أوثق مقربي السيسي باتوا يسيطرون على “المخابرات العامة”، بعد تنفيذ عمليات “تطهير واسعة” داخل الجهاز.
وذكر المركز أن السيسي قام بثلاث عمليات تطهير داخل المنظومة الاستخبارية المصرية في غضون عامين، مشيرا إلى أنه أحال للتقاعد عشرات القيادات من قادة المخابرات العامة بسبب رفضهم تسليم جزيرتي ”صنافير” و”تيران” للسعودية.
الأمر الذي يعطي السيسي شرعية قوية من خلال طرح ملف التوريث في وقت لاحق، خاصة وأن كل استطلاعات الرأي القريبة من دوائر الحكم، تؤكد أن السيسي لن يترك الحكم مبكرا.
شقيق السيسي
هناك نحو 10 أفراد من أسرة عبد الفتاح السيسي أصبحوا يشغلون مناصب رفيعة المستوى في الدولة المصرية، آخرهم شقيقه الأكبر أحمد السيسي، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس محكمة النقض، والذي تم تعيينه رئيسًا لمجلس أمناء وحدة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
أبناء السيسي وصهره
كما تم تعيين صهره الآخر خالد فودة محافظًا لجنوب سيناء، فضلاً عن الرقابة والنيابة الإدارية والمخابرات الحربية، حيث يعمل نجل السيسي الأكبر “مصطفى” ضابطاً بالرقابة الإدارية، فضلاً عن شقيقه وزوجة نجله اللذين يعملان بهيئة النيابة الإدارية، فيما يشغل نجل شقيقه منصب وكيل النيابة العامة.
ابنة شقيقة السيسي
ابنة شقيقة السيسي كان لها نصيب من “التورتة” التي يقتسمها عمها مع عائلته، بعدما أصدر السيسي قراره بتعيين دفعة جديدة لمعاوني النيابة الإدارية والتي ظهر بها اسم هاجر سعيد ابنة شقيقته، في “وساطة” وصفها البعض بـ”الفضيحة”.
محمد بن سلمان يفتح الطريق
من بين الدعائم التي تدعم توريث السيسي الحكم لابنه، ما اعتبره العالم انقلابا غير مسبوق في نظام الحكم بالسعودية، حينما نجح محمد بن سلمان الذي عرف أبوه قواعد اللعبة مبكرا، وسدد ثمن رضا الإدارة الأمريكية ممثلة في ترامب ووكيلها الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط، وأطاح بكل ثعالب العائلة المالكة، ليقفز على ظهرهم ويصل في غضون عامين فقط من مجرد أمير شاب لا يعرفه أحد، ويصبح المتحكم الأول والرئيس في السعودية، بعد أن أطاح بمباركة ترامب برقاب كل أفراد العائلة المالكة من الصقور والثعالب.
بين ليلة وضحاها، قفز الأمير الشاب محمد بن سلمان من ولي ولي العهد، إلى ولي مباشر للعهد بتأييد 31 من أصل 34 عضوا في هيئة البيعة، ليسلك بذلك الطريق السريع المؤدي إلى العرش، في مملكة تشهد تحوّلات مفصلية، سواء على المستوى الداخلي، أو في سياق علاقاتها الخارجية، لا سيما الإقليمية منها، في شرق أوسط مضطرب.
محمد بن سلمان، المولود في 31 أغسطس عام 1985، والابن السادس للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود، بات على مسافة خطوة واحدة من تولي الحكم، سواء بوفاة الملك الحالي، أو من خلال توريث مباشر، عبر تنحي الأخير، بعدما بات متقدماً في العمر، ويواجه وضعا صحيا متدهورا.
الصعود السريع للأمير محمد بن سلمان، قد جرى في سياق يمكن وصفه بـ”الانقلابي” للأسس التي قام عليها النظام السعودي، منذ وفاة الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، وانتقل الحكم من المستوى الأفقي (إخوة الملك)، إلى المستوى العمودي (ابن الملك)، أو لجهة التموضعات الجديدة في جهاز الدولة، خصوصاً أن المسار الترفيعي للأمير الشاب، قد جاء على حساب أمراء آخرين، أولهم أبناء الملك الراحل عبد الله، وليس آخرهم ابن ولي العهد الراحل محمد بن نايف، الذي عزل من منصب ولي العهد، ووزارة الداخلية في آن واحد.
وفي فترة قياسية، بات محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة النفطية، جامعاً كافة المناصب الحساسة في النظام الملكي، فهو لم يعد ولياً للعهد ووزيراً للدفاع فحسب، بل نائباً لرئيس مجلس الوزراء، بالإضافة إلى مناصبه الأخرى كرئيس الديوان الملكي والمستشار الخاص للملك سلمان، ورئيس مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية، عدا عضويته في مجلس الشئون السياسية والأمنية.
هكذا بات محمد بن سلمان يتمتع بسلطات لم ينلها أي أميرٍ سعودي من قبل، ما يجعله، في حال تولي الحكم، ملكا بصلاحيات قيصرية، ربما بات يتمتع بها، بحكم الأمر الواقع، في الوقت الحالي، بعدما اكتسب ما يكفي من القوى لخلافة أبيه، وهو ما يفتح الباب مبكرا لتوقع نفس السيناريو في مصر.