بطيئًا يمر الوقت على من ينتظرون في الرياض وأبو ظبي إعلان واشنطن حربها على طهران، تبحر أساطيل الحرب وحاملات الطائرات الأمريكية متجهة إلى مياه الخليج فيستبشرون باقتراب ساعة الخلاص مما يسمونه الخطر الإيراني، بعد أن دفعوا ثمنها مسبقًا مئات المليارات من الدولارات، غير أن سيد البيت الأبيض الذي ما انفك يباهي بحلبهم نظير حمايتهم يتردد مرة ومرتين في إصدار الأمر بالضغط على الزناد، بل يبلغ به التردد حد استبعاد خيار المواجهة العسكرية واستبداله بخيار التفاوض السلمي، فيرسل رقم هاتفٍ خاص إلى قادة الجمهورية الإسلامية وينتظر اتصالهم فلا يتصلون.
ما لهذا دفعنا المال وبددنا الثروات، كاد الدافعون يقولون وقد عقدوا رهانهم على الرئيس دونالد ترامب ليفعل ما خيبهم فيه سلفه باراك أوباما، ثم يحدث في ذروة التحشيد العسكري الأمريكي أن يرسل حوثيو اليمن، وهم بعض من قوى ومليشيات ينظر إليها على أنها أذرع إيرانية، طائرات مسيرة مرارًا وتكرارًا لضرب منشآت النفط في عمق السعودية، بحسب تقرير بثته قناة “الجزيرة” مساء أمس، فتعجز الرادارات والأسلحة المتطورة التي تستنزف موارد البلاد عن كشفها أو منعها، كما تتجدد الشكوك إزاءها في صدقية وعود الحماية الأجنبية باهظة التكاليف.
وهنا تحديدا ينطق الذين تعلو رؤوسهم طائرات الحوثيين فيتذكرون أن لبلادهم عمقا خليجيا وعربيا وإسلاميا قد ينفع استنفاره ليُسهم مع صقور الإدارة الأمريكية في تشجيع ترامب على الانتقال من التلويح بالقوة إلى استخدامها فعلا ضد إيران، وإلا فإن بيانات عالية النظر ستصدر عن هؤلاء الذين دعاهم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى 3 قمم في وقت واحد، وستكون كافية ربما لمداراة الإخفاق في إشعال شرارة الحرب وتقاسم الحرج الناجم عنه مع نحو 60 دولة أخرى.
لكن الدعوة التي لاذت بقداسة مكة المكرمة واستخدمتها عنوانًا للحدث العتيد لم يتلقفها المدعوون جميعا بالحرارة المأمولة، وسرعان ما أثارت مقارنات مؤلمة، منها مثلا أن القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، هُودت على نحو صارخ فلم تحرك الرياض ساكنًا، بل سعت حتى إلى إجهاض القمة الإسلامية التي دعا إليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إسطنبول بعد نقل السفارة الأمريكية إلى المدينة المحتلة، واعتراف واشنطن بها عاصمة لإسرائيل، ثم إن شعوبًا عربية عدة تطحنها الحروب في اليمن وسوريا وليبيا منذ سنين عدة فلا تحظى شلالات دمها بأي مسعى من السعودية لاستنفار العرب والمسلمين على غرار ما تفعل الآن، تحت ذريعة حقن نفطها من الإهراق بصواريخ الحوثيين.
ثمة أيضا تساؤلات قد لا تحتاج إلى أية أجوبة عن صور قمم مكة في نظر اليمنيين الذين أغرقتهم عاصفة الحزم السعودية الإماراتية في أسوأ كارثة إنسانية يعرفها العالم المعاصر، أو المصريين الذين مولت الرياض وأبو ظبي ثورة مضادة لأحلامهم في الكرامة والحرية والديمقراطية، ناهيك عن الأشقاء الأقربين في قطر وقد حوصرت بلادهم وكانت على شفا حفرة من غزو عسكري خطط له، وفق صحيفة وول ستريت جرنال، طمعًا بثروتها.
على أية حال ربما كان يمكن للقمم الخليجية والعربية والإسلامية المنعقدة في مكة أن ترتسم على غير صورتها المحزنة تلك لو أنها عقدت بهدف وضع حد لتدخل إيران، ولم يسمَ عبثها الدموي ومعها مليشياتها في العراق وسوريا لا من أجل التماهي في الصراع الأمريكي الإيراني أو بغية تبرير التحالف الذي صار شبه معلن مع إسرائيل.
ويظل آخر أهم ما قد يوجز دلالات ما يحدث أن أحدا لن يستطيع رؤية الحشد الذي تسعى إليه السعودية ومعها الإمارات في مكة بحجة مواجهة إيران من دون أن يرى معه الحشد الآخر الذي تتهيأ ثالثتهم البحرين لاستضافته بعد أقل من شهر، بمشاركة إسرائيل، وبغية البدء بإنشاء مشروع حل أمريكي لقضية فلسطين يرفضه أهلها ويقاومونه.
