أثارت الحفاوة السعودية برئيس المجلس العسكري المؤقت اللواء عبدالفتاح البرهان وتجاهل الرئيس اليمني عبدربه هادي منصور كثيرًا من التساؤلات حول أسباب تراجع الاهتمام بملفي اليمن وليبيا لحساب ملفات إيران والسودان خلال قمم مكة التي عقدت مؤخرا.
وبحسب تقرير بثته قناة “الجزيرة” فإن البرهان يستقبل ويحتفى به في قمة مكة وهو رئيس المجلس العسكري المؤقت في السودان وتلك صفة يؤكد دستوريون وقانونيون أنها لا تؤهله لتمثيل بلاده التي تمر فيها الشرعية بمرحلة انتقال عسيرة ومختلف عليها.
هنا يبدو الرجل الثاني في السعودية معتنيًا برئيس مجلس عسكري مؤقت، وكأنهما صديقان قديمان، بينما تحفل الصورة الجماعية للزعماء بما هو أكثر من لافت، فثمة رئيس شرعي اختير له أن يكون في آخر الصف الأول.. إنه الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وهو شرعي وليس مؤقتا، بل إن الحرب التي دخلت عامها الخامس في بلاده خيضت تحت شعار استعادة الشرعية؛ أي إعادتها إلى اليمن بعد إلحاق الهزيمة بخصومه وبمن ألجأه إلى هجر دياره تحت جنح الليل.
وبحسب تقرير بثته قناة “الجزيرة”، مساء أمس، الصور نفسها لا تترك الرئيس اليمني في حاله.. إنه هنا يلحق ليس في الصف الأول بل الثاني وحتى هنا ليس في المنتصف بل في آخر مكان وكأنها صدفة حدثت، هنا القمة العربية الطارئة، وقد عقت بعد أخرى خليجية طارئة أيضا، وفي كلتيهما غاب أو غيب، لا الرئيس اليمني، بل بلاده، فمن حضر فعليا وإن غاب هم الحوثيون.. إنهم الخطر الذي هدد والذي صوغ تضخيم خطر آخر محتمل صور بأنه داهم وهو إيران.
وبقراءة سريعة التقط كثيرون هيمنة إيران على القمتين العربية والخليجية، فإذا البنود العشرة لبيان القمة العربية الختامي كلها حول إيران، وثمة الحوثيون في تلك البنود باعتبارهم مجرد أداة، لكن لا توجد اليمن وهي التي يخوض فيها الجيشان السعودي والإماراتي حربا لم تحرز نصرًا ولم تجبر الحوثيين على إعلان الهزيمة قدر ما قسمت تلك البلاد بين النفوذين السعودي والإماراتي في الموانئ والمحافظات.
في القمة الخليجية هناك 9 بنود للبيان الختامي تبدأ بإدانة الهجمات التي قامت بها من وصفها البيان بالمليشيات الحوثية الإرهابية على محطتي ضخ نفط في الرياض وتلك عاصمة السعودية نفسها وليست مدينة نائية في المملكة تنتهي هذه البنود بالتنديد بما وصفت بالتهديدات الإيرانية لحرية الملاحة البحرية ولإمدادات النفط وبدعوة المجتمع الدولي لتحمل مسئولياته في تأمين حرية الملاحة والممرات المائية وذاك عمليا نداء استجداء للحماية، وفق ما وصفه البعض لا يليق بدول لم تترك سلاحا حديثا وفتاكا في العالم إلا وابتاعته لمواجهة عدو يوصف بأنه مجرد ميليشيات تحركها إيران التي تتدخل فتهدد سيادة هذه الدول التي لا تستطيع منفردة لا مواجهة الحوثيين ولا من يقف وراءهم.
غياب اليمن لم يكن الوحيد فقد غابت ليبيا أيضا حضر السراج لكن بلاده لم تحضر على طاولة النقاش مثلما غابت تماما عن بياني ختام القمتين وكان لذلك أن يمر فلا يستوقف أحد لولا أن الحضور ويقال التدخل السعودي والإماراتي في هاتين الدولتين أكبر مما يعتقده البعض وهو متناقض بشكل صارخ مع مضمون الدعوة لهاتين القمتين بالتحديد.
فكيف لدولة تحتضن قمة عربية لجمع الصف أن تفسر استقبال رأس هرمها للجنرال المتقاعد خليفة حفتر الذي يخوض حربا لإسقاط حكومة السراج التي تدعي السعودية الاعتراف بها وتسعى لاستقطاب صوتها في إطار سعيها لاستصراخ العرب من أجل أمنها.
لعله الأمن القومي العربي عندما يصغر ويختزل فإذا هو هواجس دولتين ليس أكثر.
