قضاة جزائريون يعتذرون للشعب عن خيانتهم طوال 20 عامًا.. متى يفعلها قضاة السيسي؟

- ‎فيتقارير

بين الديكتاتور وعصابته علاقة خاصة جدًّا أشبه بالبلطجى وزوجته “الدلوعة”، هى تمنحه الإحساس بالتميز والنجاح الدائم وهو يمنحها المال والمكانة، لذلك دائما ما يُبتدع للديكتاتور اسمُ دلع، مثل الحاكم بأمر الله، أو زعيم الحرب والسلام، أو سيادة المشير الخطير طبيب كل الفلاسفة عبد الفتاح السيسي!.

ويأتي على قائمة حاشية الديكتاتور القضاة، وكلما فشل أعوان الديكتاتور فى إقامة العدل والوقوف بجوار حقوق الشعب، وتوفير الحماية للمظلوم والقصاص من الظالم، كلما جنحوا إلى تحويل الديكتاتور إلى نبي أو نصف إله، حتى يغطى على غبائهم وفسادهم فى إدارة منصة القضاء، حدث هذا مع كل الطغاة السابقين أمثال مبارك وزين العابدين والقذافي وصالح وبشار وبوتفليقة، ويحدث الآن مع اللاحقين أمثال محمد بن سلمان ومحمد بن زايد والسفيه السيسي.

نعتذر للشعب

من المعلوم أن الفرعون مثل السفيه السيسي لا يُخلق بل يُصنع، وكل الطغاة الذين مروا على كوكب الأرض صناعة محلية، وأشهر طغاة العالم لم يكونوا فى بداياتهم شيئا مذكورا، فالذى يقرأ بدايات هتلر أو موسولينى أو عبد الناصر لا يمكنه أن يصدق النهايات، كانوا نماذج بشرية بسيطة وطبيعية تحولوا فجأة إلى سفاحين ومصاصى دماء، فهل لبسهم عفريت أم لدغهم عقرب أم أن أعوانهم صنعوا منهم وحوشًا مخيفة؟

وتداول عدد من مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى، صورة لقضاة الجزائر الذين يعتذرون للشعب عما بدر منهم، حيث ظهر فى الصورة قاضيان يحملان ورقة مطبوعًا عليها: نعتذر للشعب على خيانتنا طوال 20 سنة لأن النظام استعملنا”.

من جهتها علقت الإعلامية الجزائرية خديجة بن قنة بالقول: “صورة تُغني عن ألف كلمة.. هذا المحامي يتوب إلى الله ويعتذر للشعب عن مساندة جهاز القضاء لبوتفليقة ونظامه”.

ويوضح اعتذار قضاة الجزائر أن وراء كل ديكتاتور ظالم جماعة أظلم منه، هم يصنعونه ليأكلوا من ورائه، ينفخوا فيه كالمنطاد ليرتفع بهم فى عباب السماء، ولا يفيق الجميع إلا بالارتطام على بلاط الثورة، كما سقط مبارك وسيسقط السفيه السيسي، وخطيئة أى ديكتاتور أن ينظر إلى الشعب من خلال عصابته المنتفعة، وأن يصدق نفاقهم ويكذب علامات الغضب الثوري.

أو أن تطغى أصوات مديحهم الزائف ومظاهراتهم المدفوعة، على أصوات المعترضين وأنين المظلومين، هنا يتحول إلى شيطان، فالديكتاتور مثل السفيه السيسي يصنعه من حوله من الجنرالات والقضاة والسياسيين والإعلاميين، ليختفوا خلفه فيحصلوا على المناصب والمرتبات، والظهور على الفضائيات، وهو يشعر من خلالهم بالرضا عن الذات.

وعقب كل عملية إعدام لرافضي الانقلاب في مصر وأغلبهم من الشباب، يصرح الديكتاتور السفيه السيسي بأن القضاء مستقل، وأنه “لا أحد يستطيع التدخل في عمل القضاء واستقلاله”، ويشدد على أنه يدعم “مختلف الهيئات القضائية باعتبار أن سيادة القانون هي أساس الحكم”!.

لكنَّ المراقبين يؤكدون أن السفيه السيسي، بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013 تحديدًا، عمل على استخدام القضاء كأداة لتصفية المعارضين وترهيب الشعب المصري، وأنشأ دوائر قضائية عرفت بـ”دوائر الإرهاب”، عُيّن على رأسها قضاة اشتهروا بإصدار المئات من أحكام الإعدام في حق معارضي العسكر.

قضاة الإعدام

وما فتئت المنظمات الحقوقية الدولية توجّه المرة تلو الأخرى انتقادات لاذعة لقضاة السفيه السيسي، وتؤكد غياب شروط المحاكمة العادلة في القضايا المرتبطة بمعارضة النظام تحديدا، متهمة سلطة العسكر بالسيطرة على المؤسسة القضائية.

ويؤكد ناشطون سياسيون مصريون أن “قضاة الإعدام” هم الأداة الأبرز لعصابة السفيه السيسي لإسكات صوت المعارضة، وترهيب كل من تسول له نفسه الوقوف في وجه العسكر.

فيما أكد تقرير حقوقي حول أوضاع الاحتجاز في سجون مصر، أنه “رغم اقتراب موعد الاستعراض الدوري الشامل لملف مصر الحقوقي أمام الأمم المتحدة، المقرر في 13 نوفمبر القادم، لم تخفت مزاعم التعذيب المنهجي في مصر ولم تقل وتيرته”.

ورصد التقرير شهادات للمقبوض عليهم بعد مظاهرات “انتفاضة سبتمبر” في بعض المحافظات المصرية يومي 20 و27 سبتمبر الماضي، الذين بلغ عددهم نحو 4000 شخص.

واعتبرت منظمات حقوقية أن “ما كشفت عنه شهادات التعذيب، مثل شهادة المحامي الحقوقي محمد الباقر، والمدون والناشط علاء عبد الفتاح، والناشطة إسراء عبد الفتاح، يعد بمثابة نزر يسير من شهادات أكثر تم توثيقها عن التعذيب والمعاملة القاسية خلال السنوات الخمس الماضية، وعدد منها رفض أصحابها الكشف عن هوياتهم خوفًا من أعمال انتقامية”.

وبحسب التقرير المشترك الذي أعدته ست منظمات مصرية ودولية أطلقت على نفسها وصف “التحالف”، والمقدم للأمم المتحدة وفق القواعد المنظمة لعملية الاستعراض الدوري، “لم تكتف السلطات المصرية باستخدام التعذيب كوسيلة لانتزاع الاعترافات الملفقة من المختفين قسريًا في أماكن الاحتجاز غير الرسمية، وإنما توسعت في توظيف التعذيب في أماكن الاحتجاز الرسمية.”

وأوضح التقرير: “خلال الفترة بين 2014 وحتى نهاية 2018، توفي 449 سجينًا في أماكن الاحتجاز، من ضمنهم 85 سجينا نتيجة التعذيب، بالإضافة إلى الإهمال الطبي المتعمد، وحرمان المحتجزين من الرعاية الصحية اللازمة، الأمر الذي يهدد حياة رئيس حزب مصر القوية، عبد المنعم أبو الفتوح، المحتجز منذ فبراير 2018، وسبق أن أودى بحياة الرئيس الراحل محمد مرسي في يونيو الماضي”.

وهكذا فضح التقرير القضاة الذين حكموا على المصريين ظلما بالسجن أو الإعدام، فيما يتجاهلون أن الاعترافات انتُزعت تحت التعذيب بالصعق أو الجلد أو الاغتصاب، فيما يقوم الإعلام بشغل المصريين عن الغلاء وسوء الخدمات وكوارث الطرقات والقطارات وانتشار المرض والجهل والبطالة، بسطوة الحاكم السياسية وقوته الفرعونية، ويحشدون الفقراء والمساكين بملاليم ليهللوا ويؤيدوا قرارات المعظم على بياض، ويرفعونه على قوانين البشر مهما فعل ومهما أمر.

وعندها يخرج لهم السفيه السيسي ليخطب فيهم وحدهم، فهم شعبه وصفوته، وهم البسطاء العاشقون لحكمته، يريح ضميره بهم ويتكسّبون هم من طلّته، ووسط هذا الحب العارم وقصائد العشق الممنوع، يتحول كل المعارضين أو المنتقدين أو الرافضين إلى ملحدين متآمرين مرتزقة أمام القضاء.

فيجوز فيهم أحكام السجن والإعدام، ويطبق عليهم حد المطالبة بالحريات، فيموت من الشعب من يموت، ويتحول الجنرال الأوزعة إلى ديكتاتور ظالم، ويتحول الشعب إلى مليشيات وأعداء، ويتحول حلم الوطن الجميل إلى كابوس دموى مفزع.