فشلُه المتتالي في تحقيق أي تقدم عسكري نحو العاصمة طرابلس، حتّم على اللواء الأمريكي الجنسية المناهض للشرعية في ليبيا، خليفة حفتر، الاستعانة بمرتزقة أفارقة في البداية، لكن ذلك لم يفِ بالغرض، ما حتّم عليه اللجوء إلى المرتزقة الروس، لعلّه يتقدم ولو قليلا في المعركة التي قال إنها لن تدوم أكثر من 48 ساعة، وها هي الآن على أبواب الشهر الثامن.
وبعد أربعة أعوام من الدعم الروسي المالي والعسكري من وراء الكواليس لمن كان يتوقع له أن يصبح رجل ليبيا القوي، تدفع موسكو حاليًا بشكل مباشر وحازم باتجاه حسم نتيجة الحرب الأهلية الفوضوية في ليبيا.
قناصة روس
ولقد استخدمت في سبيل ذلك طائرات “سوخوي” المتطورة وضربات صاروخية منسقة ومدفعية موجهة بدقة، إضافة إلى القناصة، وهو نفس السيناريو الذي مكن موسكو من أن تكون صاحبة الأمر والنهي في ساحة الحرب الأهلية السورية.
ينتمي القناصة الروس إلى “الإخوة واغنر”، وهي شركة خاصة على ارتباط بالكرملين، وهي التي قادت كذلك التدخل الروسي في سوريا، وذلك بحسب ما صرح به ثلاثة من كبار المسئولين الليبيين وخمسة من الدبلوماسيين الغربيين الذين يتابعون مجريات الحرب عن كثب.
في كلا الصراعين، تقوم القوى الإقليمية المتنافسة بتسليح عملائها المحليين، وكما حدث في سوريا، فإن الشركاء المحليين الذين تحالفوا مع الولايات المتحدة لقتال تنظيم (داعش) يشكون الآن من أنهم تم التخلي عنهم بل والغدر بهم.
وظل الحديث عن وجود “مرتزقة روس” يحاربون في صف حفتر لفترة طويلة في السر، لكنه انتقل مؤخرًا للعلن، حيث ذكرت وكالة “بلومبرج” الأمريكية، في تقرير لها، أن بوتين أرسل مرتزقة إلى ليبيا لدعم حفتر في حربه على حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا.
بلومبرج نقلت عن مصادر ليبية، أن نحو 100 رجل من المرتزقة التابعين لما يعرف بـ”مجموعة فيغنر” التي يرأسها يفغيني بريغوزين، المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين، وصلوا قبل شهرين إلى شرق ليبيا؛ لدعم قوات حفتر في محاولاتها للسيطرة على العاصمة طرابلس.
وصول هؤلاء المرتزقة تزامن مع تصاعد الغارات الجوية لدعم حفتر الذي يسعى لتحقيق مكاسب حاسمة في ساحة المعركة، قبل مؤتمر السلام الدولي المتوقع انعقاده الشهر المقبل في العاصمة الألمانية برلين.
ونقلت بلومبرج عن مسئول مقرب من حكومة موسكو، أن روسيا تنأى بنفسها عن الحكومة المؤقتة المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس؛ لأنها تتوقع أن يكسب حفتر الحرب الأخيرة، رغم فشله إلى الآن في تحقيق أي انتصار.
فرض حفتر
وقال الجنرال أسامة الجويلي، القائد البارز في القوات المتحالفة مع الحكومة: “من الواضح أن الروس ألقوا بثقلهم في هذا النزاع”، واشتكى من تردد الدول الغربية في توفير الحماية لحكومة طرابلس ومنع قوى أجنبية تحاول فرض حفتر على ليبيا، وطالما ظلت روسيا في الخلف من النزاع، في وقت لعب فيه كل من جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي وابن زايد شيطان الإمارات، الدور القيادي في دعم حفتر.
وبحلول سبتمبر، توقفت حملة الجنرال للسيطرة على طرابلس، ومن هنا وجدت روسيا فرصة للتدخل، ونظرا للطبيعة غير البارعة التي تدار فيها الحرب على الأرض، فدخول القناصة الروس إلى الميدان مع حفتر قد يترك أثرا كبيرا، ورفض متحدث باسم حفتر الرد والتعليق حول الدور الروسي.
ومنذ نهاية القذافي تحولت ليبيا إلى مجموعة من المدن، ولم تعد دولة فاعلة بقدر ما هي دافعة للرواتب، وما يجمع الناس في كل هذه المدن هو اعتمادهم على أموال الحكومة من موارد النفط التي تتدفق من المصرف المركزي في طرابلس، وتصل أحيانا بعض الرواتب إلى جيوب المقاتلين على جانبي النزاع.