لدعم تدخلها العسكري في ليبيا وسوريا والعراق بالإضافة إلى الساحل الإفريقي، أرسلت فرنسا حاملة الطائرات “شارل ديغول”، والتي ستبحر قريبًا إلى شرق البحر المتوسط دعما للتحالف الدولي ضد ثورات الربيع العربي، ولإسقاط أي شرعية ديمقراطية انتخبتها شعوب المنطقة، ودعمًا لأمثال السفيه السيسي والمجرم حفتر والسفاح بشار، والسؤال: “أليس للشرق الأوسط أهل يسألون عليه من تدخلات من هب ودب؟!”.
وبحسب ما أعلنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الخميس، فإن حاملة الطائرات شارل ديجول ستبحر قريبًا إلى شرق البحر المتوسط دعمًا للتحالف الدولي ضد مسمار جحا المخابراتي أو ما اصطلح بتسميته “تنظيم داعش”.
وعقب إرسال تركيا قوات عسكرية لدعم حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا في ليبيا، استجابة لطلب حكومة الوفاق لمواجهة هجوم قائد قوات شرق ليبيا “خليفة حفتر” على العاصمة الليبية طرابلس، بدعم مصري إماراتي روسي فرنسي في الأساس، تحركت سلطات الانقلاب دبلوماسيًّا بشكل سريع.
وأجرى جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي اتصالات هاتفية بكل من الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، والروسي “فلاديمير بوتين”، والفرنسي “إيمانويل ماكرون”، ورئيس الوزراء الإيطالي “جوزيبي كونتي”، للاستنجاد بهم خشية التدخل التركي في ليبيا.
ضد تركيا
وكان مجلس جامعة الدول العربية، قد رفض في وقت سابق للتدخل الخارجي في الشأن الليبي أيا كان نوعه، وذلك في اجتماع طارئ طلبه السفيه السيسي بشأن إرسال تركيا قريبا قوات إلى ليبيا بطلب من حكومة الوفاق المعترف بها دوليا.
بينما خرس صوت الجامعة عندما علا صوت ماكرون مؤكدًا أن حاملة الطائرات “ستكون في صلب عمليات مشتركة بين عدة دول أوروبية”، موضحًا أن “ألمانيا وبلجيكا وهولندا وإسبانيا والبرتغال واليونان ستشارك في مواكبة “شارل ديغول” خلال عملياتها”.
وأشار إلى أن “هذه القوة الأوروبية، كما هو حال انتشارنا في دول البلطيق، ستأتي لتعزيز الرابط بين جانبي محيط الأطلسي ولتعزيز حلف شمال الأطلسي، وهذا دليل إضافي أن الدفاع الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ركيزتان لهيكل واحد”.
وشدَّد الرئيس الفرنسي على أنه “في الشرقين الأدنى والأوسط، ورغم التحولات التي تشهدها المنطقة، فإن قواتنا المشاركة في عملية الشمال تواصل عملياتها في مكافحة داعش الذي لا يزال تهديده ماثلاً، بشكل آخر، كامن وأكثر مكرًا”.
وخلال الأسبوع الماضي، ناقش أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتن الأزمة الليبية، ودعا الرجلان إلى “وقف دائم لإطلاق النار في ليبيا، مدعومًا بالإجراءات اللازمة التي يتعين اتخاذها من أجل استقرار الوضع على الأرض، وعودة حياة الناس اليومية في طرابلس وغيرها من المدن إلى طبيعتها”، وذلك اعتباراً من منتصف ليل الأحد 12 يناير 2020.
ويعتبر هذا الإعلان المشترك بمثابة مؤشر على التوصل إلى تسوية بين الطرفين، تضمن لهما دورًا أكبر في ليبيا خلال المرحلة المقبلة، الجانب التركي عجّل بإجراءات تنفيذ اتفاقية التعاون العسكري والأمني على وجه التحديد مع حكومة الوفاق الوطني، بعد التقارير المتزايدة عن دور المرتزقة الروس في إعطاء الكفة الوازنة في الصراع القائم إلى ميليشيات حفتر، وذلك بموازاة زيادة وتسارع الدعم المقدّم لمقاتليه من بعض الدول العربية والأوروبية للإطاحة بحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًّا، والسيطرة على طرابلس.
انسحاب المرتزقة
شكّل البيان التركي، الروسي المشترك اختبارًا لمدى جدّية موسكو من جهة، ومدى تأثيرها على مجريات الأحداث في الميدان أيضًا، وكانت رد الفعل الأوّلي لحفتر على لسان الناطق باسمه، المساري الذي رفض الدعوة التركية، الروسية، مؤكّدًا استمرار العمليات العسكرية ضد حكومة الوفاق.
وما إن أشارت تقارير إلى بدء انسحاب المرتزقة الروس من المعارك، فضلاً عن الضغط الذي مارسه الجانب الروسي على السفيه السيسي للتوقف عن المراوغة، حتى أعلن حفتر قبوله لوقف إطلاق النار، لا شك أنّ الموافقة على وقف إطلاق النار هي انتصار دبلوماسي لتركيا من جهة، ودليل على نفوذ روسيا على حفتر وداعميه من جهة أخرى.
وثمة حاجة بالتأكيد إلى آلية لتثبيت وقف إطلاق النار، ولا شك أنّه سيكون هناك سجالات حول ضرورة انسحاب حفتر من المناطق التي دخلها، والخروقات التي من الممكن أن تحصل، لكن مبدئيًا يمكن القول إنّه وعلى الرغم من الانتقادات الحادة التي وُجّهت لتركيا بشأن دخولها الملف الليبي، والضجيج المفتعل من قبل بعض الدول العربية والغربية، فإن أنقرة أثبتت أنّ دخولها استطاع تغيير المعادلة على الأقل حتى الوقت الراهن.
واستطاعت أنقرة ضمان مصالحها، وجذب روسيا باتجاهها، وهو الأمر الذي كان له التأثير الأكبر على قرار حفتر وداعميه بالموافقة على وقف لإطلاق النار.
أنقرة ردّت على الخطوة الروسية بتصريح أشارت فيه هي الأخرى أنّها لا تعارض اشتراك كل المكونات في العملية السياسية، بما في ذلك حفتر نفسه إذا التزم بعملية إطلاق النار.
في ألمانيا
الجانب التركي نجح أيضًا- من خلال تلويحه بالورقة العسكرية، ومن خلال الاتفاق الذي تم مع روسيا- في إعطاء المؤتمر، الذي تسعى ألمانيا إلى عقده بعد منتصف الشهر الحالي لدفع العملية السياسية قدمًا إلى الأمام، ثقلاً لم يكن ليتمتع به لولا إيقاف العملية العسكرية.
التحدّي الأكبر الآن يكمن في تثبيت وقف إطلاق النار، والمضي قدمًا في عملية سياسية ذات مصداقية، هذا الدور بالتحديد سيختبر كذلك موقف الأوروبيين الذين انقسموا على أنفسهم في الملف الليبي، لكن من المتوقع أن يجمعهم الحد الأدنى من الخوف من التداعيات التي قد تتركها الفوضى على الأمن الأوروبي.
وبانتظار مؤتمر برلين المقبل، تبقى هناك عدّة تساؤلات، لا يوجد جواب واضح لها حتى الآن، منها: ما يتعلّق بالثمن الذي طلبته موسكو مقابل موقفها السياسي الداعم لتركيا فيما يتعلق بإجبار حفتر على وقف إطلاق النار، والثاني هو هل سيتجرّأ المخرّبون على تحدّي التوافق التركي- الروسي هناك؟