قالت دراسة، إنه وفقًا لمكانة الولايات المتحدة فإنها تتحمل قدرًا من المسئولية في الداخل الأمريكي بقدر ما تتحملها في الخارج، وأن هذا يعني بالضرورة أن أي تقدم أو تراجع في الداخل لا بد وأن ينعكس على النفوذ في الخارج، بحيث يزيد أو يقلص من حدود الهيمنة دون أن ينال الانحسار بالضرورة من مستوى التفوق، وهنا يكمن جوهر أي استراتيجية أمريكية قومية.
وتحت عنوان “السياسات الدولية تجاه الثورات العربية المحددات والمسارات” كتب د. عصام عبد الشافي دراسته، التي نشرها موقع المعهد المصري للدراسات، وأكد أنه رغم التراجع في قوتها، ستظل الولايات المتحدة تتمتع بقدر من القوة لا تتمتع به أي دولة أخرى على الساحة الدولية، وإذا لم تستطع، خلال السنوات العشر القادمة، فرض هيمنتها على المجتمع الدولي، كما كان بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي في التسعينيات من القرن العشرين، فإنها لن تنسحب من الساحة العالمية، حيث سيظل دورها محوريًا في إدارة تفاعلاتها، صراعية كانت أو تعاونية.
استراتيجية أوباما
وذكر أن الولايات المتحدة تتعامل مع المنطقة منذ بداية من يناير 2009، بالعمل على إعادة هيكلة الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، مستفيدة من التحولات التي شهدتها مع تحولات الثورات الشعبية التي انطلقت في عدد من دولها في ديسمبر 2010.
وأشار إلى أن الرئيس باراك أوباما في يناير من عام 2012 وضع توجيها استراتيجيا، تضمن التأكيد على الأهداف الرئيسة التي تمثل جوهر استراتيجية الأمن القومي الأميركي في المنطقة، وهي: هزيمة القاعدة، وردع القوى المعتدية التقليدية، واحتواء التهديد الذي يمكن أن ينتج عن أسلحة غير تقليدية، وخلال السنوات الثلاث التالية لهذا التوجيه، قامت السياسة الأمريكية في المنطقة على:
1- التخلي عن سياسة الضربات الاستباقية لمصلحة استعادة سياسة الاحتواء التي حاولت الإدارة الأمريكية تنفيذها بدرجات متفاوتة من النجاح في مواجهة عراق صدام حسين، وإيران قبيل توقيعها اتفاق التسوية النووية.
2- محاولة خلق توازنات إقليمية بديلا عن التدخل الأمريكي، أو محاولة انتهاج سياسة الاحتواء، حين تكون عالية التكلفة، بل وخطرة، بالنسبة للمصالح الأمريكية. ويتمثل الخيار الأمريكي في هذه الحالة في تعزيز القدرات العسكرية للقوى الإقليمية للحيلولة دون أن ترضخ لهيمنة القوة العسكرية الصينية النامية، وتعزيز الوجود البحري والجوي الأمريكي لردع أي نزعات توسعية صينية.
3- محاولة دعم حلف الناتو، وتعزيز قدرة الحلفاء الأوروبيين على أداء بعض الأدوار الأمنية، خاصة في مناطق الاضطراب والصراعات المجاورة من الفضاء الأوروبي. وهنا تضغط الولايات المتحدة على الدول الأعضاء في حلف الناتو للالتزام بالحد الأدنى الذي تفرضه العضوية للإنفاق العسكري، وهو 2% من الناتج المحلي الإجمالي لكل منها.
عقيدة أوباما
وذكرت أنه في إطار هذا التوجيه الاستراتيجي، قامت “عقيدة أوباما” تجاه المنطقة بين 2009، ونهاية 2016، على عدة محددات وهي إعادة تعريف القوة الأمريكية وإعادة توازن الدور القيادي الأمريكي في الشئون العالمية، حيث اعتقد أوباما أن سياسة الولايات المتحدة لم تكن متوازنة، وسعى إلى استعادة التوازن بين الأولويات في مناطق مختلفة، وبين الأولويات المحلية والدولية، وفي مختلف الشراكات الأمريكية.
وأنه عمل على تطوير التزامات مستدامة في الشرق الأوسط تكون متوازنة مع مصالح أخرى، فالقيادة الأمريكية وقدرتها على وضع جداول الأعمال العالمية، تشكلان عنصرا أساسيا لأي سياسة مستدامة ومتوازنة.
وشدد على أن تفضيل أدوات القوة الأمريكية الأكثر دقة وسرية، مثل هجمات الطائرات بدون طيار والعمليات الخاصة والعقوبات المحددة الأهداف، مع استراتيجية مغايرة لنشر القوات الأمريكية، وتعزيز وضع شركائها في منطقة الخليج، حيث شهدت فترة إدارته عمليات ضخمة لمبيعات الأسلحة وتحديث قدراتها العسكرية، كما أن الولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بشراكات أمنية في المنطقة، ولكن هذه العلاقات معقدة، فهي ليست عبارة عن اتفاقيات دفاع متبادلة وملزمة، مماثلة لتحالفات حلف شمال الأطلسي، أو التحالفات الأمريكية في آسيا.
أبرز العوامل
وأكدت عقيدة أوباما التأكيد على أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية تثير قلق الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وهي: منع أي بلد منفرد من فرض هيمنته، ومنع الانتشار النووي، والحفاظ على الوصول العالمي إلى النفط في المنطقة. وعلى الرغم من أن التكنولوجيا الجديدة قد جعلت الولايات المتحدة أقل اعتمادا على موارد الطاقة في الشرق الأوسط، إلا أن اليابان وأوروبا الغربية لا يزالان يعتمدان عليها، ولذلك فإن الحفاظ على علاقات الولايات المتحدة مع هؤلاء الحلفاء المقربين سيتطلب الاستمرار في إعطاء الأولوية لأمن النفط في المنطقة.
واعتبر عبد الشافي أن هناك حالة من التشاحن والتنافس بين القوى الإقليمية الفاعلة والتي تتمثل في طرفين عربيين مصر والسعودية، وثلاثة أطراف غير عربية إسرائيل وتركيا وإيران. ومن ثم تعتمد كل من هذه القوى على قوى دولية كبرى لتدعيم مكانتها ومصالحها الإقليمية الأمر الذي يزيد من الاختراق الدولي الخارجي للمنطقة، مع الغياب النسبي للفواصل بين البعدين الداخلي والخارجي في العلاقات الدولية، وزيادة الدور الذي تقوم به هذه القوى وسياساتها داخل الدول العربية.
واعتبر أن هذه التدخلات تشكل معضلة للأمن الإقليمي في المنطقة وليس مجرد تهديد أمني؛ إذ إنها تؤكد أن أية ترتيبات أمنية في المنطقة يصعب أن تكون بمنأى عن القوى الكبرى الدولية، ومن ثم فإن أية ترتيبات محتملة يجب أن تتوافق مع مصالح القوى الكبرى الأكثر نفوذا في المنطقة.
التشاركية السياسية
واستعرض د.عبد الشافي مجموعة من الأطر والضوابط الحاكمة، التى أفرزتها خبرة السنوات الست الماضية منذ انطلاقة الثورات العربية في يناير 2011، ومن بين هذه الأطر وتلك الضوابط:
1ـ أنه لا مستقبل للدول العربية دون تصالح حكوماتها مع الشعوب، عبر بناء دولة القانون والمؤسسات والشفافية والتنمية، وإقامة قواعد إنتاجية حقيقية واستخدام كل الثروات العربية لصالح كل الطبقات في كل المجتمعات العربية، عبر برامج تنمية وعدالة اجتماعية يستفيد منها كل عربي، والتمسك بمقومات هويتهم الجامعة من لغة ودين وتاريخ وحضارة، بل واستخدام القوة الكامنة في كل هذه المقومات الناعمة لتقوية المجتمعات العربية ومؤسساتها وسياساتها، ومواجهة عدوهم الحقيقي، ممثلاً في الكيان الصهيوني وسياساته العنصرية والتوسعية، ومواجهة كافة سياسات الهيمنة العالمية.
2ـ أنه لا مستقبل للعرب إلا بالتعامل مع الأتراك والإيرانيين كحلفاء وأصدقاء وليس كمنافسين أو أعداء، ومع قيام حكومات عربية مسئولة أمام شعوبها سيتم النظر إلى تركيا وإيران بالشكل الطبيعي، كجارتين شقيقتين وحليفتين طبيعيتين لأي تكتل عربي حقيقي.
3ـ العمل على امتلاك إرادة العمل وإصلاح الخلل عبر حكومات إنقاذ وطنية وبناء نظام إقليمي جديد، ولن يكون هناك بديل لهذا الخيار، إلا انتظار موجة جديدة من الثورات العربية، والتي لا مفر أمامها إلا أن تأخذ شكل حركات تحرر وطني ضد الحكومات العاجزة في الداخل والتبعية والهيمنة من الخارج، ولن يكون أمام هذه الحركات إلا الهدم أملا في إفساح المجال لشعوب المنطقة وقواها الوطنية لتولي موقع المسئولية.