سيُسجل التاريخ أن مقدار الجزية التي أخذها المسلمون نتيجة الفتوحات الإسلامية من أوروبا وإفريقيا وشرق آسيا، منذ عصر صدر الإسلام إلى نهاية العصر العثماني ١٣٤٦هـ، استلم أضعافها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من حكام العرب، خلال زيارة واحدة إلى الجزيرة العربية.
قال ترامب، خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة فوكس نيوز في سبتمبر 2019: إن السعودية "تدفع ما عليها" من نفقات لإرسال القوات الأمريكية إلى الأراضي السعودية، وبعد سؤاله عن عدم إصدار الإدارة الأمريكية أوامر بتوجيه ضربة عسكرية لإيران، قال "لقد جنينا ثروة بعدم ضرب إيران.. إيران هاجمت ناقلات نفطية سعودية، ونحن قمنا بإرسال قوات إلى هناك لحمايتها".
عقلية التاجر الأمريكي يبدو أنها وجدت في السعودية سوقا للربح أكثر من بقية الدول، فمئات مليارات الدولارات التي أعلن ترامب الحصول عليها من هذا البلد الخليجي في مقابل شراء الأسلحة، لم تكن كافية ليترك المملكة دون أن يستمر في استغلالها لتحقيق أرباح أخرى.
لكنَّ ترامب كان دائمًا يتحدث عن أموال السعودية، وأن هذه الأموال يمكن أن تنعش اقتصاد بلاده، معتبرا أن هذا الربح يكفي للتغاضي عن جرائم حكومة الرياض.
الجزية العربية
وأضاف ترامب أن "السعودية تدفع مقابل" حمايتها، قائلا إنه طلب من الرياض تحمل كل النفقات بما فيها نفقات الجنود، واعتبر ترامب أن هذا ما لم يحدث من قبل، في إشارة إلى الإدارات السابقة.
وأكد ترامب أن السعودية حاليا "تدفع لأنه ليس لديها شيء غير الأموال"، مضيفا أن الولايات المتحدة الأمريكية أرسلت جنودًا إلى السعودية ونسعى لتوفير "حماية جيدة" لها.
وكانت صحيفة "واشنطن بوست" قد نقلت تصريحا مماثلا للرئيس الأمريكي، خلال مؤتمر صحفي، قال فيه "نريد مساعدة المملكة العربية السعودية. لقد كانوا حليفًا جيدًا جدًا".
وواصل "لقد وافقوا على دفع ثمن هذه القوات.. لقد وافقوا على الدفع بالكامل مقابل تكلفة كل ما نفعله هناك… تدفع المملكة العربية السعودية 100 بالمئة من التكلفة، بما في ذلك تكلفة جنودنا".
كما تطرق ترامب إلى خلفيات "الصفقة الرابحة" والتي لم تستغرق وقتًا طويلا جدا، حسب ترامب، الذي قال "استغرق هذا التفاوض وقتًا قصيرًا جدًا، ربما، حوالي 35 ثانية" فقط.
فهل فقدت أمتنا بوصلتها لمعرفة أعدائها، أم جُعل على بصرها غشاوة؟!، أم أنهم أبوا إلا أن يعيدوا تاريخ الأندلس وذل بني الأحمر على أيدي إيزابيلا وزوجها؟!، والذي تجسدت ملامح الذل والخزي في كلمته التي ألقاها على مسامع خمسين من العملاء العرب الذين حضروا قمة الرياض ودفعوا الجزية له نظير إهانة دينهم ورميه بالإرهاب، ليتبجح في حضرتهم متهِمًا بالإرهاب كل ما يمت للإسلام بصلة، قائلًا: "هذا يعني بأمانة مواجهة أزمة التطرف الإسلامي والإسلاميين والإرهاب الإسلامي بجميع أنواعه".
وما زال يعول هؤلاء الأذلاء على ترامب الذي لا يفتأ يجاهر بسياساته العدوانية تجاهنا، بل لا يخجل من تحقيرهم ثم فرض الإتاوات والفرمانات عليهم، فهل يعتقدون حقًا بجدوى بيعتهم لترامب ككفيل بتولي شئون المسلمين؟!
الخدمة الجديدة
وعلى هامش توقيع ما عُرف بـ"صفقة القرن" وفي الواحد والعشرين من مايو للعام 2017، تحت عنوان "العزم يجمعنا" التقى ترامب الذي عُرف بمواقفه المُثيرة للجدل ضد المسلمين والعرب خمسين من قادة الدول العربية والإسلامية؛ ليُلقي على مسامعهم شروط وسياسات الخدمة الجديدة للبيت الأبيض.
تلك القمة التي أتت في إطار المباحثات الأمريكية العربية الإسلامية للقضاء على ما يسمى “الإرهاب والتطرف الإسلامي”، ذلك الإرهاب الذي ذَكَر ترامب أن 95 بالمئة من ضحاياه من المسلمين!.
فأي صنف من البشر هؤلاء الذين وصلوا لدرجة أصبحت فيها الوضاعة والخنوع وموالاة أعداء أمتنا الذين يتسولون أموالنا هي السياسة المعتمدة لديهم لمعالجة قضايانا؟!
ويقدمون من القرابين ما يضمن إنعاش الخزينة الأمريكية ورفع الديون عن كاهل الأمريكان، ثم هم يفرضون السياسات التقشفية والخطط الاقتصادية المهلكة؛ زعمًا منهم أنهم يريدون مصلحة شعوبهم، ومعالجة اقتصادهم، والحفاظ على سيادتهم.
وأي سيادة هذه التي يتحدث عنها هؤلاء والطائرات التي تحوم فوق رؤوسنا في سوريا والعراق وغزة ومصر وليبيا واليمن وأفغانستان هي طائرات صُنعت بأموال المسلمين، وزُوِّدت بوقودهم وثرواتهم، ثمَّ هي تحمل الموت والدمار معها أينما حلت؟!.
الخطر الحقيقي الذي يقض مضاجع دول الهيمنة العالمية، هو قيام الشعوب العربية بنهضة شاملة تعتمد على استغلال مواردها الطبيعية والبشرية، لتتمكن من أن تزرع غذاءها، وتصنع دواءها، فهنا يكمن مربط فرس التحرر من التبعية، لكن هذه الدول قد تغللت في مفاصل الأنظمة العربية لإبقائها في حظائر الطاعة.
وعندما تحطم الشعوب أصنام العبودية المتسللة إلى قلوبها، وتؤمن بحقها في العيش الكريم، وأنها هي صاحبة السلطة وصانعة القرار، وأن لا سلطة فوق سلطتها؛ يصير حكامها خدما لها يتوسلون رضاها وودها، باذلين كل طاقاتهم في سبيل إسعادها وترفيهها والرقي بها إلى أعلى مراتب السمو والعظمة.
يتفننون في التنازلات
منذ بداية الوجود اليهودي في فلسطين وإلى يومنا هذا، ما زال يتحكم بمصائر ومقدسات أمتنا حكام ورثوا الخيانة كما الحكم، فإذا بهم يتفننون في التنازلات، تبدوا البغضاء من أفواههم وتصريحاتهم، وما تخفي صدورهم أكبر.
فلما حانت لهم الفرصة ليُبدوا ما كانوا يخفون من قبل؛ لم يترددوا ولم يستحوا، بل وذهبوا لأكثر من ذلك فاستغلوا الوضع الراهن في قطاع غزة والضائقة المالية التي يمر بها القطاع نتيجة الاحتلال؛ ليلعبوا هم وإسرائيل على هذا الوتر لإتمام ما أطلق عليه السيسي “صفقة القرن”، فدعونا نتحدث قليلًا عن ملامح حضور القضية الفلسطينية في هذه الصفقة.
خلال اللقاء الذي جمع السفيه السيسي بترامب في البيت الأبيض، صرّح السيسي قائلًا: "ستجدني وبقوة أيضًا داعم وبشدة لكل الجهود اللي هتُبذل من أجل إيجاد حل لقضية القرن في صفقة القرن اللي أنا متأكد أن فخامة الرئيس هيتستطيع أنه ينجزها".
لتنشر في اليوم التالي صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” وتعقب على حديث السفيه السيسي في البيت الأبيض قائلة: "وورد أن المبادرة سوف تبدأ بسلسلة بوادر، من ضمنها إطلاق سراح أسرى فلسطينيين في سجون إسرائيلية وتجميد تام للبناء الإسرائيلي في مستوطنات الضفة الغربية."
وهو ما يُعيد إلى الذاكرة المقترحات القديمة التي تناولتها أقلام مفكري الكيان المحتل على مدار العقود القليلة الماضية، وبخاصة مقترح يهوشع بن آريه وكذلك خطة جيورا إيرلاند، حيث يهدفان إلى: "تصفية القضية الفلسطينية عن طريق الأراضي العربية"، بمقترح تسكين المُهجَّرين واللاجئين الفلسطينيين في سيناء والأردن. وهو ما يمثل:
- اعترافًا بحق الكيان الصهيوني في الأراضي المُحتلة.
- تمكين سلطات الاحتلال من تهويد القدس.
- نهاية للحديث عن حق العودة.
- وضع حماس وسكان قطاع غزة في مواجهة مباشرة مع تنظيم الدولة بسيناء.
- نقل مزيد من المشاكل الديموغرافية إلى مصر والأردن.
ولا يفوت الرئيس الأمريكي ترامب مناسبة إلا ويذكر فيها طغاة العرب بأنهم باقون بفضل أمريكا، مطالبا إياهم بدفع الأموال، فهل هذه السياسة توجه أمريكي جديد جاء به ترامب؟ وما الذي كسبه الخليجيون من الأموال التي دفعوها؟