نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا سلط خلاله الضوء على تحذيرات نواب في الكونجرس الأمريكي من تزايد التوتر وعدم الاستقرار عقب انقلاب الرئيس التونسي قيس سعيد على الحكومة المنتخبة.
وبحسب التقرير الذي ترجمته "بوابة الحرية والعدالة"، أعربت واشنطن عن قلقها العميق من تزايد التوتر وعدم الاستقرار في تونس، وذلك في أعقاب انتزاع الرئيس قيس سعيد السلطة الأسبوع الماضي، بحسب ما ذكره عضوا مجلس الشيوخ جيم ريش وبوب مينديز.
وقال أعضاء مجلس الشيوخ في بيان مشترك يوم الخميس إن "الرئيس سعيد يجب أن يلتزم بالمبادئ الديمقراطية التي ترتكز عليها العلاقات الأمريكية التونسية، وعلى الجيش أن يحترم دوره في ديمقراطية دستورية".
وفي 25 يوليو، علق سعيد أعمال البرلمان، وأقال رئيس الوزراء، ومنح نفسه سلطات قضائية، بحجة أن اتخاذ تدابير استثنائية ضروري لمكافحة الفساد.
وقد دق معارضو الرئيس جرس الإنذار، محذرين من أن سعيد كان يهدف إلى فرض حكم دكتاتوري من شخص واحد على البلاد – بعد 10 سنوات من الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس المستبد زين العابدين بن علي منذ فترة طويلة.
وقد تجنبت إدارة بايدن إلى حد كبير الأسئلة حول ما إذا كانت تصرفات سعيد تشكل انقلابا، مؤكدة على أن البيت الأبيض يحاول موازنة التعامل مع سعيد مع المخاوف بشأن مصير الديمقراطية الوحيدة التي انبثقت عن انتفاضات الربيع العربي.
وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس ردا على سؤال في مؤتمر صحفي يوم الاثنين لتوضيح موقف الولايات المتحدة قائلا "والأهم من مسألة الملصقات هو العمل الحاسم لدعم تونس في عودتها إلى هذا المسار الديمقراطي، وهذا ما نركز عليه الآن".
يقول سعيد، وهو أستاذ سابق في القانون الدستوري وخارج على السياسة، إنه "يتصرف بشكل قانوني بموجب المادة 80 من الدستور التي تسمح للرئيس بالمطالبة بسلطات استثنائية في حال وجود خطر وشيك"، مدعيا أن الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد والفساد المستشري وسوء إدارة فيروس كورونا تتطلب سلطة تنفيذية قوية لإنقاذ البلاد.
ويزعم النقاد أن "الرئيس مصمم على التخلص من الديمقراطية ومحو المكاسب التي تحققت منذ الربيع العربي، وتلت هذه الخطوة إجراءات صارمة ضد المعارضين السياسيين، ومداهمة مكاتب الجزيرة في تونس، وإصدار مذكرات توقيف بحق محامين، وحظر الاحتجاجات".
وينص الدستور التونسي على إمكانية استخدام "التدابير التي تقتضيها هذه الحالة الاستثنائية"، ولكن يجب التشاور مع رئيس البرلمان والمحكمة الدستورية، وهي مؤسسة لم تنشأ بعد في تونس، وهي أحد الوعود الرئيسية التي لم تتحقق لثورة 2011، ويجب إطلاعها على ذلك.
وقال مصدر في مجلس الشيوخ الأميركي لصحيفة ميدل إيست آي إنه "من غير المرجح أن تعتبر واشنطن أعمال سعيد انقلابا، وقال مساعد السناتور الديمقراطي هذا تعريف قانوني".
وأضاف في حين أن "إقالة الرئيس لرئيس الوزراء وإقالة البرلمان تشكل انقلابا مقلقا للسلطة، من غير المرجح أن يقول محامو وزارة الخارجية أن هذه العتبة القانونية قد تم الوفاء بها".
وقال ويل تودمان، الزميل في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن، في حديث مع ميدل إيست آي إنه "لم يفاجأ برد حكومة بايدن الناعم على الأحداث الجارية في البلد الشمال إفريقي".
وأضاف "إنهم يتخذون نهجا متأنيا تجاه الأحداث في تونس، ولا أعتقد أن هناك أي قلق كبير في الإدارة الأميركية من أن هذا انقلابا أو أن سعيد لديه مخططات استبدادية".
نهج الانتظار والترقب
ومنذ تحرك سعيد، كانت إدارة بايدن على اتصال متكرر بالرئيس التونسي، حيث أجرى كل من جايك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، وأنطوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، اتصالات مع تونس.
وفي مقابلة مع الجزيرة، ذكر بلينكن "لقد أجريت محادثة طويلة مع الرئيس سعيد، وأكدت على ضرورة عودة تونس إلى المسار الديمقراطي بأسرع ما يمكن".
وأضاف "لذا فان أملنا القوي وتوقعاتنا القوية هي أن تعود تونس إلى هذا المسار الديمقراطي والعمل وفق الدستور وتجميد البرلمان".
واعتبر البعض لغة بلينكن أقوى من موقف وزارة الخارجية التي قالت إنها "تراقب الأحداث".
وأوضح التقرير أن "اللغة الخطابية المدروسة التي تتبناها إدارة بايدن تشبه طريقة تعاملها مع التطورات الأخرى في المنطقة، وعندما شنت إسرائيل هجومها الأخير على غزة في مايو، قاوم البيت الأبيض الدعوات من داخل الحزب الديمقراطي للدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، وتوقف عن ممارسة الضغط على إسرائيل لإنهاء حملة القصف التي تشنها على القطاع المحاصر، كما وافقت الإدارة الأمريكية على مبيعات أسلحة إلى مصر والسعودية، وهما من الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة في المنطقة، على الرغم من مخاوف الجماعات الحقوقية وأعضاء الكونغرس بشأن سجلات حقوق الإنسان في البلدين".
وقال تودمان فيما يتعلق بقضية تونس، "كان بايدن يحاول أن يبقي جميع خياراته مفتوحة، وأضاف في الكونجرس، ربما تكون هذه الاستجابة أقل براجماتية من مواقف الإدارة".
وقال ديفيد برايس عضو الكونجرس ورئيس شراكة الديمقراطية بمجلس النواب في الكونجرس إن "الإدارة والكونجرس منحازان بشأن الرد على الأزمة في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، وأضاف في بيان مكتوب"أعتقد أننا جميعا نريد الشيء نفسه هيئة تشريعية قوية ومستقلة تعمل بشكل منسجم مع الرئيس لمعالجة المشاكل الصحية والاقتصادية والقضائية المهمة في تونس".
وفي حين أن هناك دعوات واسعة النطاق من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة تنادي بأن "يعكس سعيد مساره، إلا أن هناك دلائلا تشير إلى أنه يتمتع بدعم شعبي واسع النطاق في الداخل ووفقا لاستطلاع للرأي أجرته مؤسسة إمرود الاستشارية، يؤيد نحو 87 بالمائة من التونسيين سعيد.
وفي هذا السياق، قالت انتصار فقير، مديرة برنامج معاهد الشرق الأوسط في شمال أفريقيا والساحل، في حديث مع "ميدل إيست آي"، "إن هذا أمر سيناقشه سعيد في المحادثات مع واشنطن"، محذرة من أن التونسيين سيتوقعون منه أن يظهر نتائج قريبا وأن الدعم قد يتراجع بسهولة".
في حين تمتعت تونس بحرية سياسية أكبر من الدول المجاورة لها، وينسب إليها وجود إعلام حر ومجتمع مدني قوي نسبيا، يعاني اقتصادها من حالة ترنح، حيث كانت البطالة بين الشباب أعلى من 35 في المئة في السنة التي سبقت جائحة فيروس كورونا.
على الرغم من أن البلاد تتمتع بوضع أمني مستقر نسبيا، كان التونسيون أكبر مجموعة وطنية مهاجرة إلى إيطاليا العام الماضي، حيث شكلوا 42 في المئة من الوافدين الجدد مقارنة ب 5 في المئة فقط في العام 2017.
وعندما سُئل عن الدعم الذي يقدمه سعيد داخل تونس، أقر برايس بالوضع الاقتصادي المتردي، لكنه قال إن "الحلول لا يمكن تحقيقها بالقرارات أو بالتجاوز على المؤسسات التمثيلية".
وأضاف "لا شك أن مخاوف الشعب التونسي صحيحة، ويجب أن تعالجها حكومة جديدة تستجيب لاحتياجات الشعب".
المساعدات ورقة ضغط
في أعقاب استيلاء سعيد على السلطة، كانت عضو الكونجرس الأمريكي إلهان عمر من بين أول الأصوات في واشنطن لحث بايدن على وقف المساعدات العسكرية للبلاد.
وقالت عمر على تويتر "إذا كنا نؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان، فعلينا أن نندد بصوت عالٍ بالهجوم الحالي على الديمقراطية في تونس، قلب الربيع العربي، وإذا لم يغير الرئيس التونسي مساره، يجب أن نوقف جميع المساعدات الأمنية، كما هو مطلوب بموجب القانون".
فبموجب القانون المحلي، تلتزم الولايات المتحدة بقطع المساعدات المباشرة عن الحكومات التي وصلت إلى السلطة بالإطاحة بزعماء منتخبين.
فمنذ الربيع العربي، دعمت كل من الإدارات الأمريكية الديمقراطية والجمهورية تونس بضخ المساعدات الاقتصادية والمشاركة الدبلوماسية، فساهمت بما يزيد على 1. 4 مليار دولار.
وقد بلغ التمويل عبر الوكالة الأمريكية للتنمية إلى البلاد حوالي 685 مليون دولار على مدى السنوات العشر الماضية، مما جذب المنظمات غير الحكومية وكبار المقاولين الأمريكيين إلى البلاد التي يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة.
في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وافق الكونجرس على تقديم مساعدات إلى تونس أكثر مما طلبته تونس، مع بروز الديمقراطية التونسية كقضية شعبية للسياسيين الأميركيين.
فعلى عكس دول أخرى في المنطقة، لا ينطوي هذا الأمر على خطر نشوب صراع، ويبدو أن تونس تسير على طريق الديمقراطية، وإن كانت هشة.
وقال عضو الكونغرس ديفيد شفايكيرت، الرئيس المشارك للكونجرس التونسي للتجمع، في حديث إلى "ميدل إيست آي" إن "المجتمع الدولي يأمل أن يرى نجاح الشعب التونسي المتواصل في تطوير الديمقراطية".
ولا يزال هناك حديث رسمي عن تعليق أو مراجعة المساعدات المقدمة إلى تونس. يقول تودمان إن "التزام واشنطن بالإبقاء على المساعدات هو أحد الأسباب التي قد تجعل الولايات المتحدة غير راغبة في اعتبار الحدث الأخير انقلابا، وأضاف سيكون لذلك انعكاسات خطيرة على ما يمكن أن تقوم به الإدارة".
وجاء في بيان صادر عن مكتب سعيد استند فيه إلى المادة 80 أنه سيُعيّن رئيسا للوزراء في غضون 30 يوما.
ويحث قادة المجتمع المدني، بما في ذلك النقابات العمالية القوية في البلاد، الرئيس على المضي قدما في تشكيل حكومة جديدة، كما شُوهد رئيس الوزراء السابق في البلاد، هشام المشيشي، يوم الخميس لأول مرة منذ عشرة أيام.
وذكر موقع "ميدل إيست آي" الشهر الماضي أن "المشيشي تعرض لاعتداء بدني في تلك الليلة قبل أن يوافق على الاستقالة، وقد تأكد الموقع من صحة تقريره".
وإذا تفاقم الوضع، أو مدد سعيد ولايته، فقد تتراكم الضغوط داخل الكونجرس لاستخدام المساعدات الأمريكية كورقة ضغط، ولكن فقير قال إنه "لا يرى أي مؤشر على اتخاذ إجراءات عقابية حتى الآن".
كما أن للولايات المتحدة مصالح أمنية داخل تونس، التي تعتبر شريكا أساسيا في عمليات مكافحة الإرهاب، وفي عام 2020 تلقت البلاد 85 مليون دولار في هيئة تمويل عسكري أجنبي من الولايات المتحدة.
ويوم الأربعاء، قال حزب النهضة الإسلامي المعتدل الذي عارض بشدة استيلاء سعيد على السلطة، إنه "يعتبر التطورات الأخيرة فرصة لإعادة البلاد إلى المسار الديمقراطي".
وشددت النهضة في بيان نشر على موقع فيسبوك على "حرصها على الحوار مع كل الفاعلين الوطنيين وعلى رأسهم الرئيس من أجل تجاوز الأزمة المعقدة، وتحقيق السلام الاجتماعي وتنفيذ الإصلاحات اللازمة".
تحكم تونس حكومات تكنوقراطية متعاقبة منذ أوائل العام 2020، في حين حصد حزب النهضة غالبية المقاعد في البرلمان منذ انتخابات العام 2019، كانت آخر مرة ترأس فيها النهضة الحكومة في العام 2013.
https://www.middleeasteye.net/news/tunisia-us-senators-warn-growing-instability-saied-power-grab
