رغم أن أطقم التمريض تمثل العمود الفقرى للمنظومة الصحية إلا أن المستشفيات الحكومية تعانى فى زمن الانقلاب من عجز كبير فى أعداد الممرضين بجانب بيئة العمل الطاردة حيث المرتبات المتدنية وغياب الاحترام والتقدير .
بسبب هذه البيئة تشهد المستشفيات المصرية ما يعرف بـ"نزيف أطقم التمريض" ما أدى إلى نقص أعداد الممرضين والممرضات فى المستشفيات الحكومية والخاصة ، وهى من أخطر المشاكل التى تواجه القطاع الصحى.
يشار إلى أن التقديرات تؤكد أن مصر فى زمن العصابة تعانى عجزًا يتجاوز 70 ألفًا من أطقم التمريض فى عام 2024، ومن المتوقع أن يتزايد العجز خلال الأعوام المقبلة.
ويرجع هذا العجز إلى هجرة العاملين فى هذه المهنة إلى الخارج إو إلى المستشفيات الخاصة فى الداخل خاصة أنه اذا كان
راتب الممرضة فى المستشفى الحكومى لا يتجاوز أربعة آلاف جنيه، فان بعض الدول العربية والأوروبية تعرض رواتب تفوق الثلاثين ألفًا، مع توفير سكن وتأمين صحى وتقدير مجتمعى يليق بدورهم الإنسانى.
لا تقدير ولا احترام
حول أزمة أطقم التمريض قال عبدالعزيز مهدى، مشرف تمريض بمستشفى جامعة طنطا، إن أزمة العجز فى صفوف التمريض وصلت إلى مرحلة خطيرة تهدد جميع الخدمات داخل المستشفيات، مؤكدا أن نسبة العجز لا تقل عن 70%، وعلى أقل تقدير، غير كده كمان فى سوء توزيع فى بعض الأماكن يعنى فى مستشفيات فيها تكدس، وفى أماكن تانية مفيش ممرضين كفاية أصلا، وده بيخلى الضغط علينا مضاعف.
وأضاف مهدى فى تصريحات صحفية : بعد 12 سنة خدمة فى الحكومة، مرتبى 7 آلاف ونص جنيه، وده رقم لا يليق أبدًا بالمجهود اللى بنعمله ولا بساعات الشغل الطويلة.
وتابع : إحنا بنشتغل بالنوبتجيات يوم ورا يوم، وبنكون مسئولين عن أرواح الناس، بس مفيش تقدير حقيقى وبنستحمل الضغط النفسى والبدنى اللى بيشتغل فى التمريض لازم يكون عنده طاقة صبر كبيرة بنقابل كل أنواع الحالات، من ولادة لوفاة، ومفيش راحة ولا دعم نفسى ومع كل ده بنسمع كلام محبط من المجتمع بدل التقدير .
وحول هجرة الممرضين للخارج أكد مهدى أن السفر برا أفضل ألف مرة مش علشان الفلوس بس، لكن علشان هناك بيئة العمل أفضل بكتير، والنظام محترم، والمواطن نفسه بيدرك قيمة الممرض وبيتعامل معاه باحترام. هنا لسه محتاجين نغير نظرتنا للمهنة ونفهم إن من غير تمريض مفيش علاج .
كلية التمريض
وقال أحد العاملين بالتمريض رفض ذكر اسمه : إحنا اللى بنقف على الولادة وبنقف على الوفاة، بنشوف أول نفس وآخر نفس، ومع ذلك محدش شايف تعبنا، إحنا المهنة الوحيدة اللى اتشوّهت سمعتها بسبب إن أى حد ممكن يدخلها إحنا اللى كنا جايبين فوق ٩٠٪ فى الثانوية العامة، وندرس خمس سنين عشان نشتغل فى تمريض، وفى الآخر نتساوى بأى حد دخل دورة سنتين ودفع فلوس، ويبقى اسمه كمان أخصائى تمريض،
وأضاف : نقيبة التمريض بدل ما تدافع عننا وتدى كل واحد حقه، فتحت الباب لأى حد يدفع ويدخل المهنة. طب فين العدالة؟ إحنا بنتعب ونتعلم ونذاكر، والمفروض كلية التمريض تبقى كلية قمة زى الطب، مش باب مفتوح لأى حد.
وتابع : شوفوا بره بيحترموا التمريض إزاى. إحنا مش ضد حد، بس مش عدل اللى درس ٥ سنين يتساوى مع اللى درس سنتين. مطلبنا بسيط: الغوا البرامج المكثفة لخريجى الكليات الأخرى، وعلى الأقل اللى اتخرج منها مايتعيّنش معانا فى الحكومى، لأن ده ظلم واضح.
الحل السحرى
وقالت ممرضة أخرى : المرتب مش مجزى نهائى. إحنا علينا ٤٨ ساعة شغل فى الأسبوع، شوف كام ساعة فى الشهر، وفى المقابل الموظف اللى قاعد على مكتب بيشتغل ٦ ساعات وبيقبض ضعفنا، العجز فى التمريض بقى صعب، ومفيش حد بيشيل الشغل غيرنا كل الأماكن اللى فيها نقص بيبعتوا لها تمريض يساعد، كأننا الحل السحرى لكل حاجة.
وأضافت : سيبك من دا كله، إحنا أقل فئة فى المجتمع محدش بيقدر تعبنا ولا بيدينا حقنا لا شكر ولا تقدير ولا حتى مرتب زى الناس، وفوق دا كله الناس دايما شايفانا وحشين وبيتكلموا علينا مع إن محدش يقدر يتحمل الشغل اللى إحنا بنعمله على الأقل برا الممرض بيحترموه مادياً ومعنوياً، إحنا هنا إلى الله المشتكى.
أكاديميات غير مرخصة
وقال الدكتور صلاح محمد سفير التمريض بمصر إن النقابة كانت قد سجلت منذ نحو عامين ما يقرب من 300 ألف ممرض وممرضة، ويشمل هذا الرقم من سافروا للعمل بالخارج، ما يجعل من الصعب تحديد حجم العجز الحقيقى محليًا، لكن المؤكد أن هناك نقصًا واضحًا فى الكوادر داخل المستشفيات.
وأوضح محمد فى تصريحات صحفية أن أسباب العجز فى أعداد التمريض ترجع إلى ضعف الحوافز المادية وانخفاض الأجور مقارنة بحجم الجهد والمسئوليات، فضلًا عن غياب الدعم المعنوى والتقدير المجتمعى، بجانب الصورة السلبية المنتشرة عن المهنة فى الاعلام وهو ما يقلل من إقبال الشباب على دراستها.
وأكد أن أحد أخطر أسباب تشويه المهنة وزيادة العجز الحقيقى هو انتشار أكاديميات التمريض غير المرخصة التى تستقبل خريجى التعليم الفنى أو الصناعى وتمنحهم شهادات تمريض رغم أن العاملين بها ليسوا مؤهلين علميًا لممارسة المهنة، لافتا إلى أن هذه المراكز لا تتبع نقابة التمريض ولا أى جهة أكاديمية معتمدة، ومع ذلك تمنح الملتحقين بها ما يسمى بـ«كارنيه مساعد تمريض» ما يسمح لهم بالعمل فى بعض المستشفيات الخاصة دون تأهيل علمى أو ترخيص مهنى.
وحذر محمد من أن هذه الممارسات لا تهدد فقط مكانة الممرضين المؤهلين، بل تمثل خطرا مباشرا على حياة المرضى، مشيرا إلى وقوع حوادث طبية مؤسفة بسبب جهل بعض العاملين غير المؤهلين بأساسيات التمريض.
المستشفيات الخاصة
وشدد على ضرورة تشديد الرقابة على المستشفيات الخاصة، والتأكد من أن جميع العاملين فى مجال التمريض مرخص لهم رسميا من نقابة التمريض، لضمان سلامة المرضى.
وأضاف محمد أن الممرض يدرس خمس سنوات كاملة أربع سنوات دراسية وسنة امتياز، إلا أنه لا يجد التقدير المناسب سواء فى المرتب أو فى المعاملة، مشيرًا إلى أن هذه الظروف دفعت كثيرين إلى الهجرة الداخلية نحو القطاع الخاص أو الهجرة الخارجية إلى دول توفر رواتب أعلى وتقديرًا أفضل لدور التمريض فى المنظومة الصحية.
وأكد أن الممرض هو العنصر الوحيد الذى يقف عند لحظتى الميلاد والوفاة، فهو الشاهد على بداية الحياة ونهايتها، ما يجعل دوره الإنسانى والمهنى لا يقل أهمية عن دور الطبيب، بل يتكامل معه فى الحفاظ على حياة الإنسان وراحته.
ولفت محمد إلى أن حل الأزمة يبدأ من اعتبار ملف التمريض ملفا اقتصاديا بحتا تستثمر فيه دولة العسكر مثلما تفعل فى أى قطاع إنتاجى، من خلال تطوير البنية التعليمية والتدريبية للمهنة، وزيادة الأعداد المؤهلة وفق معايير جودة حقيقية.
واقترح تنظيم هجرة الممرضين للخارج بشكل مقنن، على طريقة دولة الفلبين التى تحول الكوادر الطبية المهاجرة إلى مصدر مستدام للعملة الصعبة دون أن تفقد كوادرها بالكامل مطالبا بضرورة توفير الدعم النفسى والمعنوى للممرضين، باعتباره طوق النجاة لاستمرارهم فى أداء عملهم بكفاءة.
