نشر موقع "ميدل إيست مونيتور" تقريرا سلط خلاله الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون في سجون الانقلاب العسكري وسط إفلات إدارة السجون من العقاب والحساب على هذه الانتهاكات.
وقال التقرير الذي ترجمته "الحرية والعدالة"، في 9 مارس من العام الماضي، "حظرت وزارة الداخلية في حكومة السيسي زيارات السجون بحجة الحد من انتشار فيروس كورونا، وبعد ثلاثة أشهر من الحظر، لم تعد أميرة توفيق، البالغة من العمر 69 عاما، قادرة على تحمل عدم القدرة على التواصل مع ابنها في السجن، سافرت من الإسكندرية حيث تعيش، إلى سجن طرة (المعروف باسم "سجن العقرب") في القاهرة، وانتظرت لساعات عند بوابة السجن، ولكن لم يسمح لها برؤية ابنها، وفقدت الوعي أثناء عودتها إلى المنزل، وتوفيت دون أن تسمع منه رسالة أو هاتفا".
وأضاف التقرير إن "سلطات الانقلاب تمنع الاتصال بالعائلة من لحظة القبض على الشخص، وفي 23 ديسمبر 2018، اتصل أحمد عبد النبي، 60 عاما، بأحفاده من داخل طائرة متجهة إلى قبرص، وأخبرهم أنها على وشك الإقلاع وأنه قادم لزيارتهم، وانتهت المكالمة فجأة بعد أن طلب منه أحد أفراد الطاقم أن ينزل من الطائرة، وأُلقي القبض عليه واحتُجز في سجن طرة الثاني المخصص للسجناء والمجرمين السياسيين، ووفقا لمنظمات حقوق الإنسان، ظل عبد النبي هناك حتى وفاته في 2 سبتمبر 2020".
حظر الزيارات والاتصالات
وأوضحت ابنته نسيبة "خلال فترة احتجاز والدي، حظرت سلطات السجن أي اتصال معه، وحرمته من الزيارات والمراسلات والمكالمات الهاتفية، وقد رفعت عائلته دعوى قضائية في مايو 2019، غير أن قسم التخطيط الداخلي والبحوث في السجن قال للمحكمة إنه "لأسباب أمنية"، "منع نزلاء الزنزانة ب من الزيارات لمدة ثلاثة أشهر، بمن فيهم أحمد عبد النبي".
وقد حرمت داخلية الانقلاب ومصلحة السجون مئات المعتقلين من حقهم الدستوري في الاتصال بأسرهم ومحاميهم بأي وسيلة (الزيارات والرسائل والمكالمات الهاتفية) استنادا إلى نصوص قانونية غامضة دون توضيح الأسباب. كما تم تجاهل بعض قرارات المحاكم بدعم من مكتب النيابة العامة. وقد تُوفي بعض المحتجزين قبل أن تُتاح لهم فرصة مقابلة أسرهم.
وأجرى صاحب التقرير مقابلات مع أقارب ومحامين ل 11 نزيلا، رووا خلالها الجهود التي بذلوها لإعادة الاتصال بالسجناء داخل أماكن الاحتجاز المصرية، إضافة إلى ذلك، تم الانتهاء من استبيان يحتوي على 11 عينة من الحالات التي أظهرت انقطاع الاتصال الكامل خلال حظر الزيارة الذي فرضته وزارة الداخلية ظاهريا لمكافحة فيروس كورونا منذ أوائل مارس وحتى أغسطس 2020.
ولا تتلقى أسر السجناء رفضا كتابيا عند منعهم من الزيارة، وعندما يتقدمون بشكواهم أمام المحكمة الإدارية، تذكر وزارة الداخلية أسبابا أمنية لتقليص تواصل النزلاء مع عائلاتهم، من دون توضيح ماهية هذه الأسباب الأمنية، أو تسمية الجهة التي أصدرت الحظر، تبلغ إدارة السجن العائلات شفويا بأن "جهاز الأمن الوطني" هو المسؤول كليا عن الحظر والتصاريح، وتؤكد منظمة هيومان رايتس ووتش، التي تراقب الانتهاكات في جميع أنحاء العالم، تصريحات العائلات.
وأوضح التقرير أنه "كل ثلاثة أشهر تصدر وزارة الداخلية قرارا بمنع نزلاء السجون من استقبال الزوار وبالتالي تمديد المدة التي تفصل بينهم وبين أهلهم ومحاميهم، وقد طُبقت هذه الإجراءات منذ عقود، متذرعة بـ"التهديدات الإرهابية"، بحسب دراسة أعدها معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط تحت عنوان "التواصل الفعال بين المحامي والمدعى عليه والحق في محاكمة عادلة".
وأشار التقرير إلى أن "المادة 42 من قانون تنظيم السجون في مصر تسمح بتقييد الزيارات أو حظرها تماما لأسباب صحية أو أمنية، وبحسب تقرير المنظمة، فإن مسؤولي وزارة الداخلية يعتمدون على هذه المادة غامضة الصياغة منذ عام 1956 لمنع الزيارات في أي وقت دون شرح الأسباب، وعلى سبيل المثال، نقضت المحكمة قرار حرمان عبد النبي من أي زيارات، لأن السجن لم يقدم أي دليل على أي زيارات قام بها أي من أفراد عائلته حتى قبل قرار حرمان نزلاء جناح ب من الحق في استقبال الزوار، حتى إن المحكمة قضت بأن قرار حرمانه من الزيارة كان قرارا مطلقا وغير محدد، مما يشكل انتهاكا للقوانين والدستور".
قرارات غير قانونية
ونوه التقرير إلى أنه "قبل سبع سنوات تفاجأت عائلة زعيم القيادي بحزب الوسط عصام سلطان بقرار منع الزيارات الدورية لنزلاء سجن طره بالأقسام الثانية والثالثة والرابعة والتجديد التلقائي لهذا القرار، ولهذا السبب، قامت عائلة سلطان بإحالة الأمر إلى النائب العام الذي منحه الإذن بزيارته، شريطة عدم احتجازه في المباني المحظورة، ومن ثم، وافق المدعي العام على حظر الاحتجاز والزيارة، وأي إذن يمنح للعائلة لا معنى له".
وبعد أن أخفق المدعي العام في الحكم، لجأت عائلة سلطان إلى القضاء الذي اعترف بعدم دستورية هذه القرارات، كما ورد في الحكم: "إن منع الزيارات الدائمة يحرم السجين من حقه الأساسي ككائن اجتماعي بطبيعته، مما يضر بإنسانيته ويضر أخلاقيا بخيره، كما أنه يتعارض مع الدستور".
ولفت التقرير إلى أنه "على الرغم من الأحكام التي أصدرتها المحاكم بإنصاف كل من عبد النبي وعصام سلطان، إلا أن مدير السجن وأمين السجن العقرب استهزأ بالقرارات واستمر في منع الزيارات". وأحالت العائلات قرار المحكمة إلى وزيري العدل والداخلية، ولكن لم يتغير شيء. مات عبد النبي دون أن يلتقي بعائلته وأحفاده.
وقبل أسبوعين من موته، لم يعد قادرا على الأكل، كانت عيناه تنزفان، وتخرج جلطات دموية من فمه، في السجن، أصيب بمرض السكري، والشلل النصفي في الجانب الأيسر من جسمه وحصى الكلى، وقد أُصيب بجلطة، ناهيك عن مرضه الطويل الأمد في الكبد، ولكنه ظل محروما من الرعاية الطبية الكافية في السجن، وقالت هيئة الطب الشرعي في شهادة الدفن إن "سبب الوفاة قيد التحقيق"، وفقا لبيان الجبهة المصرية لحقوق الإنسان.
أراد محامو سلطان إقامة دعوى قضائية ضد وزير الداخلية لفشله في تنفيذ حكم محكمة، لكنهم لم يفعلوا ذلك خوفا من الاعتقال، وفقا لأحد المحامين الذي فضل عدم ذكر اسمه.
ويقول مدير مشروع الإصلاح التشريعي والقضائي في الهيئة المصرية للحقوق والحريات، محمد عبيد، إن "حظر الزيارات الشامل هو عقوبة مزدوجة وتعذيب، ليس فقط للسجناء، ولكن أيضا لأفراد أسرهم الأبرياء، فالأمر يشبه إصدار حكم جديد على السجين، ليس بحكم قضائي، بل بحكم إداري يصدر عن السلطة التنفيذية الممثلة في وزارة الداخلية".
وفي عام 1994، حكمت إحدى المحاكم بأن "حظر الزيارة داخل سجن العقرب غير دستوري، ومع ذلك، تجاهلت وزارة الداخلية أمر المحكمة بإعادة الزيارات، وأبقت الحظر قائما لما يقرب من عقد من الزمن، على الرغم من صدور 112 حكما ضده، وفقا لمنظمة هيومان رايتس ووتش".
وقال أحمد مفرح، المدير التنفيذي للجنة العدل "من خلال متابعتنا المستمرة لقضايا (64/2017، عسكري 123/2018، عسكري 148/2017)، تواصل هيئة السجون تجديد الحظر على زيارة 20 محتجزا بموجب قرارات من المدعي العام". وينقسم هؤلاء النزلاء بين سجن طره ذي الحراسة المشددة (العقرب) واستقبال طره وتحقيقات طره.
إضرابات عن الطعام
وفي منتصف يونيو 2019، أضرب 130 محتجزا عن الطعام في سجن العقرب لأكثر من ستة أسابيع احتجاجا على رفض الزيارات العائلية وكان العديد من المضربين قد اعتقلوا قبل أكثر من عامين ولم يسمح لهم بزيارة واحدة من أسرهم أو محاميهم وردت السلطات بضربهم وعصب أعين عشرة من المضربين عن الطعام على الأقل ونقلوا إلى زنازين خصوصية حيث احتُجزوا طوال اليوم دون أية فترات راحة.
وكان عدة معتقلين قد أضربوا عن الطعام في أكتوبر 2017 وفبراير 2018، وأنهوا احتجاجاتهم على أساس تأكيدات بالسماح لهم بزيارات عائلية ووفقا لمنظمة العفو الدولية، لم يتم الوفاء بهذه الوعود قط.
وثقت "اللجنة المصرية التنسيقية للحقوق والحريات" إضراب المعتقلين عن الطعام في عدة سجون عام 2019، للتعبير عن غضبهم إزاء عدة انتهاكات، منها الحرمان من الزيارات العائلية.
تاريخ الإضراب
اسم السجن
10 مارس، 2019 م
سجن طنطا العام
21 يوليو، 2019 م
عقرب
23 يوليو، 2019 م
العقرب 2 (المسألة العسكرية 64)
22 أكتوبر، 2019 م
عقرب
23 نوفمبر، 2019 م
سجن المنصورة العام
الانفصال عن العالم
منذ بدء الإغلاق بسبب فيروس كورونا، ظل آلاف السجناء رهن الاحتجاز دون إمكانية الوصول إلى العالم الخارجي. وكثيرا ما تمنع السلطات المحتجزين من تلقي رسائل من أقاربهم، كما تدعي "هيومن رايتس ووتش".
في الفترة من 9 مارس إلى أغسطس 2020، أفادت التقارير أن "المحتجزين أُصيبوا بفيروس كورونا وأكد 11 شخصا ومحاميا أنهم حُرموا من حق زيارة النزلاء خلال هذه الفترة، وأكد تسعة منهم أنهم لم يتلقوا حتى رسالة واحدة من أحبائهم في السجن".
ولثلاثة أسابيع متتالية، منعت إدارة سجن طرة المشدد الحراسة رقم 2 (العقرب) ليلى سويف من تلقي أي "رسائل" لتطمئنها على صحة ابنها، تم تعليق الزيارات للحد من انتشار فيروس كورونا، دون أي وسيلة للتواصل سوى الرسائل.
وفي 21 يونيو 2020، بدأت اعتصاما عند بوابة السجن، قامت بنشر حصيرة وأقامت لافتة معلنة "أريد رسالة"، ثم انضمت إليها ابنتاها لاحقا، وعند الفجر، قامت مجموعة من النساء المجهولات بضربهن وسحبنهن على الأرض وسرقتهن على مرأى من موظفي السجن.
وتوجهوا إلى مكتب النائب العام لعرض إصاباتهم ورفع شكوى تتهم إدارة السجن بتدبير الهجوم لإرغامهم على إنهاء اعتصامهم، وأخذت الشرطة ابنة ليلى سناء سيف من محيط المكتب للتحقيق معها، وحكم عليها فيما بعد بالسجن سنة ونصف بتهمة "نشر أخبار كاذبة".
وقال مفرح من لجنة العدالة إن "سناء لم تكن الوحيدة"، وأوضح أن فريق التوثيق وجد أن قوات الأمن اعتقلت خمس نساء من قريبات المحتجزين، وأدانهما مكتب إدعاء المعادي بعدة تهم من بينها تنظيم تجمع "غير قانوني"، ثم أُطلق سراحهن بكفالة قدرها 2000 جنيه مصري (127 دولارا)، كما حكم عليهن غيابيا بالسجن لمدة شهر.
وقد وافق المدعي العام ووزارة الداخلية منذ 13 عاما على تزويد السجناء بخدمة الهاتف، ولكن هذه الخدمة ما زالت غير متاحة.
من جهته، قال كريم طه، من الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، إن "هناك ثلاث توصيات على الأقل من ألمانيا وهولندا وبريطانيا تصر على حق السجناء في التواصل مع عائلاتهم، ولكن من دون جدوى".
ونشرت المنظمة الحقوقية عينة من أقوال المتهمين الذين أثبتوا شكواهم أثناء جلسات تجديد حبسهم أمام مكتب النائب العام.
وقال السجين هلال عمر محمد "أريد أن أثبت أنني أضرب عن الطعام؛ لأنني أتعرض لسوء المعاملة وإنني أتهم إدارة السجن بارتكاب انتهاكات ممنهجة ضدي، وبالاستهزاء بقرارات النيابة العامة بشأن تصاريح الزيارة".
وأبلغ أحمد بشار المدعي العام بما يلي "أريد أن أرى عائلتي وأتحدث معها؛ لأن الزيارات ممنوعة لم أتصل بهم منذ يوم احتجازي".
وتقدم حوالي 190 متهما موزعين على سبعة سجون، متهمون في سبع قضايا، بشكوى أثناء جلسات تجديد احتجازهم أمام مكتب المدعي العام ضد إدارة السجن لمنعهم من رؤية أسرهم، ولرفضهم تنفيذ أوامر المدعي العام بشأن تصاريح الزيارات والاتصال، وأبلغ عدة متهمين المدعي العام بأن إدارة السجن تمزق تصاريح المدعي العام، ولم تلقَ شكاوى المتهمين أي رد حتى عند تكرارها، مما دفع 33 متهما إلى الإضراب عن الطعام".
وفي وقت كتابة هذا التقرير، كان السجناء يُحتجزون في سجن مثل سجن العقرب، في الزنزانات التي تقرر مسبقا حظر الزيارات عليها، ويحرمون من أي حق من حقوق الإنسان في التواصل مع العالم، دون أي اعتبار لقرارات المحاكم.
Egypt’s prisoners are denied their rights and prison authorities appear to be above the law
