نعى علماء على مواقع التواصل الاجتماعي الداعية المسلم محمود أفندي النقشبندي الذي تُوفي الخميس 23 يونيو بإسطنبول عن عمر ناهز ٩٣ عاما ، قضى منها أكثر من ٦٠ عاما في الدعوة والتعليم، وهدى الله تعالى على يديه أعدادا غفيرة لا يعلمها إلا هو سبحانه، ويُصلى عليه صلاة الجنازة بعد صلاة الجمعة 24 يونيو في مسجد السلطان محمد الفاتح .
وكانت جماعة "الإخوان المسلمين" من أبرز من نعى الشيخ النقشبندي باعتباره من من علماء تركيا الأجلاء.
ووصفته ب "المربي الفاضل الشيح محمود أفندي، والذي لقي ربه بعد رحلة عطاء دعوية طويلة ومباركة، قاد خلالها أكبر جماعة صوفية ، جماعة محمود أفندي التي يقوم منهجها على صحيح الدين والالتزام بتعاليمه وتنفيذ أحكامه وتبليغ رسالة الإسلام الصحيحة للمجتمع التركي بجميع أطيافه بمن فيهم مسؤولو الدولة ".
وأضاف بيان الجماعة أن رحلته الدعوية أثمرت مئات الآلاف من التلاميذ والأتباع ، بدأها بحسب البيان ، إماما لجامع إسماعيل آغا في إسطنبول من عام 1954حتى أُحيل إلى التقاعد عام 1996م وكان يقوم بالتدريس والوعظ في إسطنبول؛ و جاب أرجاء تركيا في جولات دعوية لتعليم الناس ودعوتهم إلى صحيح الإسلام ، كما قام بعدة جولات دعوية خارج تركيا ".
وأوضحت أنه "عارض جميع الانقلابات العسكرية التي وقعت في تركيا ، مؤكدا أن واجب العلماء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقال "واجبنا هو إحياء الناس وليس قتلهم ، وكان لفضيلته ولجماعته دور كبير في إحباط الانقلاب العسكري الأخير خاصة في مدينة إسطنبول ".
وقالت إنه "في عام 2010 م تم تكريمه بمنحه جائزة "الندوة الدولية من أجل خدمة الإنسانية" في حضور 350 عالما من 42 دولة ".
أكبر جماعة صوفية
ولفت د.محمد الأسواني إلى أن الداعية الرباني فضيلة الشيخ محمود أفندي النقشبندي مؤسس جماعة محمود أفندي ، الجماعة الصوفية الأكبر في تركيا ورئيس وقف إسماعيل أغا ، ترك أثرا في الناس لا ينقطع، من علم نافع وهُدى دعا إليه ، وأعمال طيبة يحصيها له شهود الحق.
وأضاف أنه "في أنحاء تركيا ترى مظاهر التدين فتسأل من هؤلاء؟ فيُقال لك أتباع "محمود أفندي " أن يرتبط الحجاب الطويل الساتر والعمامة واللحية باسم رجل واحد ، وأثر جهده ودعوته في بلد كانت مبالغة في العلمانية".
وأكد أنه رأى "أتباعه والذين يُقدرون بمئات الآلاف يتقدمون الصفوف ويفترشون الأرض أيام انقلاب 2016، ليُخرج الصوفية من الأماكن المغلقة إلى الميادين والشوارع والعمل مع الناس في الدعوة".
رسالة البساطة
وأشار الأكاديمي رضوان جاب الله إلى أن الشيخ الراحل هو أحد أكبر علماء تركيا في الدعوة والتبليغ ، وأنه تلقى العلوم العربية (اللغة العربية والبلاغة) والعلوم الإسلامية (القراءات وعلوم التفسير والحديث).
وأنه "تولى إمامة مسجد إسماعيل الأغا وكان له جولة كل أسبوعية يوم واحد وفي كل شهر ثلاثة أيام وفي كل سنة شهرا يدعو ويبلغ رسالة الإسلام في كل أنحاء تركيا بطريقة بسيطة ولطيفة على منهج علماء السنة من أهل الشام".
وأشار إلى تعرض الإمام محمود أفندي "للإقامة الجبرية بعد انقلاب الستينيات في تركيا ، ثم تعرض للنفي بعيدا عن إسطنبول بقرار الحاكم العسكري ، ولكن الحكم لم ينفذ بعد أن رفض المفتي".
وقال إنه "بعد انقلاب عسكري آخر على الانقلاب لفقوا له تهمة الضلوع في قتل مفتي محافظة ، ولكن المحكمة برأته واتهمت الذي لفق المحضر".
وتابع "في انقلاب ثالث تم نفيه خارج تركيا ، وظل ثماني سنوات فتجول في كافة دول العالم وصار أشهر دعاة تركيا في الخارج حتى عاد مع حكم حزب العدالة والتنمية ، زار دمشق في ١٩٨٩ واستقبله كبار علماء الشام في مشهد مهيب ، ومن يوم هذا الاستقبال تعرف عليه العرب والعجم وحتى الجاليات التركية في الخارج".
قابلته أخيرا
وأشار الداعية المصري د.محمد هشام راغب إلى أنه التقى النقشبندي مرة عام ١٩٩٥ في مسجده (إسماعيل أغا) بعد درس له في التفسير، كانت تركيا وقتها تعيش علمانية تسعى لإقصاء الدين عن الحياة، وتستخدم لهذا أدوات في غاية القسوة، كان مشهد درسه ومسجده خارج السياق تماما، فقد افترشت أعداد كبيرة الطرقات حول المسجد وبإصغاء شديد لدرس الشيخ ، بعد الدرس ذهبت للسلام عليه ، وقدمني له أخ مترجم وكنت وقتها في عمر أصغر تلامذته، فبادرني بقوله "مرحبا مرحبا بأساتذتنا المصريين أحفاد الصحابة الكرام، كان حريا بك أن تبقى في محل إقامتك ونحن نسعى لزيارتكم والاستفادة منكم".
وأضاف راغب أن "تجربة الشيخ محمود أفندي رحمه الله جديرة بالتأمل، لمعرفة كيف شق طريقه إلى قلوب الناس في ظروف وبيئة غير مواتية بل معادية، وكيف استقام على دعوته بصبر وعزيمة لا تكل، للشيخ الآن تلامذة وتلامذة لهؤلاء التلامذة في كل ربوع تركيا، في المدن والقرى وحتى في المناطق الجبلية النائية".
ولفت إلى أنه قضى أكثر حياته في الدعوة والتعليم، وهدى الله تعالى على يديه أعدادا غفيرة لا يعلمها إلا هو سبحانه".
المربي الكبير
وكتب د. محمد بشير حداد نعيا للراحل عدّه فيه "المربي الكبير والعالم الجليل، مضيفا نلمس آثاره الدعوية في كل تركيا وخارج تركيا في دول كثيرة ، وقد صحبته وشهدت بعض مجالسه ، بصحبة أخيه الروحي الأستاذ الشيخ محمد علي الصابوني رحمهما الله ، فكانت مجالسه مجالس سكينة ونور وأدب ودعوة وخشية وفضل وذكر وبهاء وجمال وكمال ، وكان لي منه شرف الرعاية والحفاوة حتى وهو على فراش المرض في سنوات حياته الأخيرة ، رحمات ربي عليه إلى يوم الدين".