لم تكن ألمانيا بدعا من المعسكر الغربي الذي يحاول توظيف الإسلام ذاته بأفراد يحملون أسماء تنتسب إليه، ورموزا شعائرية كالمساجد، وغيرها للانتقاص من الإسلام ذاته بموجة دعم للانحلال والشواذ من خلال مسجد، وتهوين حرمة التطبيع مع العدو من خلال مسلمين وفلسطينيين في آن.
يقول المراقبون إن "ألمانيا بهذا الوضع تستعيد حشد الدعم في العالم الإسلامي خلال الحرب العالمية الثانية، تماما كما فعلت شريكتاها في المحور، اليابان وإيطاليا".
وهو نفس ما لفت له الكاتب التركي عمر كوش، الذي تحدث عن توظيف الإرهاب في عام 1994 عند اختطاف قنصل فرنسا في الجزائر، وعلى أثر الحادث تم اعتقال الكثير ومنهم أحد قادة الإسلاميين في فرنسا، وفي 2002 كشفت الصحف الفرنسية أن اختطاف القنصل كان بتدبير المخابرات الفرنسية.
الجيش الألماني
وأثار هذا الملف مجددا، سلسلة من حوادث واقعية تتعامل مع تغيير الأفكار تجاه المسلمين أو العكس، حيث قضت محكمة في فرانكفورت، الجمعة، 15 يوليو 22 بسجن ضابط ألماني سابق من اليمين المتطرف، نجح في انتحال صفة لاجئ سوري، لمدة خمس سنوات ونصف السنة، بتهمة التخطيط لشن هجوم يهدد أمن الدولة، على حد ما قال القاضي.
وأعد العسكري الألماني (ملازم) وخدم في قاعدة إيلكيرش الفرنسية الألمانية قرب ستراسبورغ في فرنسا هجوما مستوحى من أيديولوجية يمينية متطرفة وحيازة أسلحة بشكل غير قانوني، عبر تظاهره بأنه لاجئ سوري قبل أن يتم توقيفه في أبريل 2017".
ونجح الرجل الذي لا يتحدث العربية وقدم نفسه باسم ديفيد بنيامين، في الحصول على إقامة كطالب لجوء وحصل على المخصصات التي يستفيد منها اللاجئون، وتمكن من إيهام دوائر الهجرة بأنه يتحدر من دمشق حيث عمل بائع فاكهة.
وهزت القضية الجيش الألماني المتهم بالتقليل من شأن أيديولوجية اليمين المتطرف في صفوفه، ووضعت دوائر الهجرة على المحك بسبب تدفق اللاجئين إلى ألمانيا بين العامين 2015 و2016.
واتهمت المحكمة "الملازم" السابق باستهدافه عبر نواياه الشريرة وزير الخارجية السابق هايكو ماس، وكان حينها وزيرا للعدل، ونائبة رئيس البرلمان كلاوديا روث وكذلك ناشطة يهودية مدافعة عن حقوق الإنسان.
وتزامن توقيف الملازم ألبريخت مع ذروة وصول مئات الآلاف من المهاجرين إلى ألمانيا، ومعظمهم فروا من الحرب في سوريا، وفي محاولة لإثبات أن مفهوم اللجوء قد تحول عن مساره، فاعتقل أوائل عام 2017 عندما حاول استعادة مسدس كان قد أخفاه في مرحاض في مطار فيينا، وكشفت بصماته تشابها مع بصمات اللاجئ السوري ديفيد بنيامين.
عرابو التطبيع
ويتصدر في ألمانيا ثلة من المنظرين والسياسيين من أصول عربية بعضهم من أصول فلسطينية حصلوا على الجنسية ويدعون إلى التطبيع مع الصهاينة فيتم تصديرهم على هذا الأساس، ومن هؤلاء الصهيوني المرتزق "أحمد منصور" المسؤول عن حملة شيطنة وطرد الصحافيين العرب والفلسطينيين من قناة "دويتشة فيليه" وتقلد في 8 يوليو 22 الجاري، وسام الاستحقاق الفيدرالي من عمدة برلين، لتألقه في الدفاع عن الكيان الصهيوني الإرهابي والتحريض المستمر ضد الفلسطينيين والمسلمين في ألمانيا.
وكشف ألمان مسلمون أن "منصور" من عرب إسرائيل، وهاجر إلى ألمانيا في 2014، ويتواجد في أغلب وقته ببرلين، ووجد أن مهاجمة الإسلام واتهامه بالتطرف والتحريض العنصري على المسلمين أمرا يطعم خبزا، فتلقفته أجهزة الدولة ومخابراتها، وقدمته إلى مراكز أبحاث دول عربية تطبع مع الكيان الصهيوني على أنه يقدم عملا جبارا وبلا هوادة في محاربة التطرف والإرهاب الإسلامي والعروبي، ومزاعم أنه يكشف سيكولوجية الكراهية التي تزرع في بعض العائلات العربية والمسلمة تجاه الآخر.
يقول غسان قاسم إن "الإعلام الألماني يتصيد منصور وسوسن شبلي وأحمد عميرات وحامد عبد الصمد، كعملاء ويحرجهم أحيانا ، وكتب عبر (@GhassanKDE) "لا يتوقف الإعلام عن صفعهم وركلهم كل ما خففوا dose الصهينة لفترة وجيزة".
وسوسن شبلي، تعرضت لموجة تلميع ألماني مبهر لامرأة عربية، تنحدر من أصول فلسطينية، فكانت أول امرأة من أصول أجنبية تتولى رئاسة قسم حوار الثقافات لدى وزير داخلية الحكومة المحلية في برلين، ومنذ 2010، كانت أول مستشارة عربية في حكومة ولاية برلين، وحتى 2021 كانت وزير الدولة للالتزام المدني والشؤون الدولية في مجلس الشيوخ في برلين، حكمت لها محكمة برلين بتعويض ١٠.٠٠٠ يورو من الصحفي رولان تيتشي لتصريحاته بكراهية النساء تعريضا لها.
وضمن نشاطها بالدولة الألمانية وجدت نفسها مشاركة في فعاليات منها مسيرة ببرلين تدعم الكيان الصهيوني في 2019، بالتزامن مع اعتراف عدة عواصم في مقدمتها واشنطن بالقدس عاصمة للكيان، إلا أن شقيقها جميل شبلي طالبها بالاعتذار للعائلة وللشعب الفلسطيني.
ويرى مراقبون أن مثل هذه الشخصيات تجد من الدوائر السياسية والثقافية والحزبية المعادية للإسلام الاحتضان وتسليط الأضواء الإعلام والشهرة والمال، فمحاضرة لأحدهم بمدرسة ثانوية عن التطرف في الإسلام كانت قيمتها 5 آلاف يورو، عوضا عن وسام رفيع مثل وسام الاستحقاق الفدرالي.
مسجد ضرار
وخلال يوليو 22 الجاري، أصبح مسجد (ابن رشد – غوته الأول) في ألمانيا أبرز مساجد الولايات بعدما وضع علم الشذوذ ونظم لذلك احتفالا بحضور إمامة المسجد وممثلين عن جمعيات الدفاع عن حقوق الشواذ، ووضع العلم قبل صلاة الجمعة.
وأسس المسجد الليبرالي قبل خمس سنوات، من قبل سيدة تؤم المصلين (رجالا ونساء يصلون معا بصفوف مختلطة).
الطريف أن احتفالية "ابن رشد" وهي ترفع علم قوس قزح (وينسبه الشواذ لأنفسهم)، كتبوا في منتصفه حلال بالعربية والإنجليزية.
وسبق للمسجد أن أطلقوا عليه أول مسجد ليبرالي في العالم، حيث أسسته امرأة تركية في 2017 سيران أطيش محامية وناشطة حقوقية، وإلى جوارها مجموعة من النسويات العرب، منهن التونسية سعيدة كيلر والمغربي ميمون عزيزي، واليمنية إلهام مانع (الإمام) والجزائري الأمازيغي عبد الحكيم أورجي.
يشار إلى أن المعبد الذي تقوده سيران، هو غرفة ملحقة في كنيسة القديس يوهان، وأعلن قبل احتفاليته دعمه للشواذ.
عدو أم صديق
موقع قنطرة استدعى رؤية ثقافية للإيدولوجيا في الإسلام من جانب نقدي يدعي أنه يدافع عن الإسلام وذلك من خلال كتاب "الإسلام – عدو أم صديق؟" وأنه يفند هستيريا عداء الإسلام في الغرب بقوة الحجة والبرهان،
ومن حوار الموقع مع الباحثين في شؤون الأديان مؤلفي الكتاب مونيكا وأُودو توروشكا قالا إن "ناقدو الإسلام ساهموا بنشر مزاج عام في بلاد الغرب يوصم فيه كل موقف إيجابي تجاه الإسلام بأنه إعلان استسلام".
وأضافت مونيكا توُروشكا، "الكتاب يتناول بشكل جدي وجهات نظر المسلمين والمسلمات الراغبين بالعيش في انسجام مع تعاليم دينهم الأخلاقية، لكننا اتخذنا في الوقت ذاته موقفا حازما ضد كل التوجهات الإسلاموية والمرتبطة بأي شكل من أشكال العنف أو معاداة الديمقراطية أو اضطهاد المرأة".
وتابعت "نتطلع إلى أن يمكن كتابنا مَن لا دراية لهم بهذا المجال من تصحيح أحكامهم المغلوطة ومراجعة خلفيات مواقفهم المسبقة، ونحن نطمح بالخصوص لأن نمهد الطريق لكي يدرك القراء أن معظم القواعد الأخلاقية في الإسلام متوافقة مع الثقافة الألمانية وقيمها".
وعلى سبيل فهمهم للإسلام، اتضح مجددا أن الكتاب بدا أنه يخدم أفكار مسجد ابن رشد التفريطية، والطاعنة بشكل غير مباشر في مبادئ الدين الإسلامي، فيزعم المؤلفان في حوار قنطرة رؤيتهما الخاصة "تتكون آلة الإسلام تلك من كتلة واحدة ثابتة لا تكاد تمتلك مشتركا مع الثقافات الأخرى، وفي إطار هذا التصور للعالم، يوصَم الإسلام بأنه دين وحشي وغير عقلاني وبدائي وبأنه يمارس التمييز الجنسي وبأنه مصاب برهاب المثليين، والإسلام الآلة ذاك عنيف لا يعترف بالتسامح وهو داعم للإرهاب ومُغَذ لصراع الحضارات، ويتم في هذا السياق تقديم المسلمين على أنهم متخلفون ثقافيا وماديا ومتشبثون بتقاليدهم ورافضون للحداثة".
